‏حسناً... صار الوقت لـكشف تاريخ علاقة العدو بإعلام لبنان

‏حسناً... صار الوقت لـكشف تاريخ علاقة العدو بإعلام لبنان

 

Telegram

اكسروا التابوهات، لأننا لم نعد نحتمل المزيد من المماطلة. نعم نطالب بالسلام، ليست جريمة أن نطلب السلام

عارٌ علينا أن نكون متحمسين للحرب أكثر ممّا نكون متحمسين للسلام».

هكذا افتتح منذ أسابيع مقدم البرامج السياسية الأشهر في لبنان مقدمة حلقته الرابعة من الموسم الثامن. ابن الواحد والستين عاماً حدّثنا عن نتيجة ما أعطتنا إياه محاربة إسرائيل منذ سبعين عاماً على حدّ قوله. كيف أصبح لبنان على هامش دول العالم فيما ازدهرت الدّول كلّها ونحن نرمي الحجارة.

 

ثمّ كاد «المذيع» أن يقول «خذوني». فأخفى عيون كاتب النص بعدسات الإعلامي ليختم: خوّنونا، ارشقونا، حاكمونا، لكن لا تصادروا حقّنا في أن نكون دعاة سلام، لأنه صار الوقت.

بعيداً من أهلية الإعلامي للحرب التي لم يسبق له أن خاضها. فكلّنا يعرف أن اليد صاحبة الساعة الأغلى سعراً لم ترمِ يوماً إسرائيل بحجر.

ولكن نعم، أوافق. أظنه أيضاً صار الوقت لكسر التابوهات. كلها يعني كلها. ولتكن إحداها إظهار حقائق الإعلام اللبناني في الكتب المعتبرة ووثائق العدو التاريخية كمرآة لحاضر مجهول ليرى القارئ والمشاهد كتبة النصوص الحقيقية التي يحقن بها وعيه يومياً. وليحاكم بنفسه المجندين الإعلاميين. فيعرف خيانتهم ويرشق من يشاء منهم بالحجارة.

 

نعم فلتُكسر التابوهات.

حكاية الإسرائيليين مع الإعلام اللبناني تعود إلى ما قبل تأسيس الكيان منذ عشرينيات القرن الماضي. نحن لا نتحدث عن أوهام ومؤامرات. نتحدث عمّا فيه وعنه من الوثائق، ما يصعب جمعه بين دفتَي كتاب ويربك الباحث لكثرته. لو لم يقلّب اللبنانيون إلا اليسير من صفحاتها لكان كافياً ليأخذوا نموذجاً كيف كانت الصهيونية أحد أهم مصادر الإلهام لكثير من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية في لبنان.

بالقرب من حارة الزيتون الدمشقية، قرب السور القديم في الناحية الشمالية كانت حارة اليهود تنقسم إلى أحياء فرعية وأزقة تفرعت إلى حارات مصغّرة متصلة بالحارة الأم.

 

كان الصبي إلياهو ساسون عائداً من مدرسته الإليانوس لجهة حي الأمين بعكس اتجاه الحرب العالمية الأولى. في مذكراته يكتب كيف كان يتسلّى بقراءة صحيفة «المقتبس» محاولاً تقليد خطها العربي في دفتره. هذا الصبي الذي سيصبح بعد حوالى العشرين سنة المدير الأول لقسم الشؤون العربية في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية والذي «سيتسلى» بتوجيه عشرات الشخصيات والمؤسسات الإعلامية لكتابة سرديات صهيونية بخط عربي في دفاترهم.

 

عشرون سنة عمل خلالها إلياهو بجد ونشاط وتسلل من ميدان صراع الهويات في تلك الحقبة ليُقيم شبكة علاقات واسعة جداً، خاصة في المجال الصحفي مستفيداً من تنقله بين دمشق وبيروت وميرسين التركية قبل أن يحط رحاله في فلسطين عام 1927.

لا يمكن إدانة أصدقاء إلياهو في تلك المدة بالعمالة أو خيانة القضايا الوطنية، بقدر ما يمكن إدانتهم بالغباء لعدم فهمهم للمشروع الذي كان يمثله ذاك اليهودي بقناع عربي. لكن سوء الظنّ بهم يبدو مشروعاً ومطلوباً من الثلاثينيات حين نشطت الوكالة اليهودية وما تزال حتى اليوم تكرّم وتفتخر بعشرات الضباط الذين بنت معهم سردية إسرائيل في العقول العربية، ولم يكن إلياهو إلا أحد أوضح نماذجها. سوء الظن الذي بات من بعد الأربعينيات خيانة وعمالة موصوفة لن ينفع في تجميلها كل مساحيق التجميل التي تنتجها مصانع التبرير العملية.

 

كما سبق وأشرنا أن النماذج عن النفوذ الصهيوني الموثق في الإعلام اللبناني كثيرة وقد كتب فيه عدد من الباحثين كتباً ومقالات وأوراقاً بحثية. لكنني سأختار نماذج مختصرة واضحة على امتداد خمسين عاماً (1934 - 1984) من العمالة التي استطاعت وثائقها الهروب من الرقابة العسكرية بحكم تقادم الزمن، لعلّ بعضها أو كلّها يشير اليوم إلى الكاتب الحقيقي لكثير من المقالات الصحفية والمعد الحقيقي لكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية وربما المستشار الحقيقي لكثير من الشخصيات السياسية.

بدعوة من محمد علي علوبة باشا رداً على تصاعد خطوات إنشاء دولة يهودية في فلسطين وآخرها تشكيل الحكومة البريطانية، في 1938/1/4، مفوضية وودهيد لبحث الأوجه العملية لتقسيم فلسطين، تم التخطيط لعقد المؤتمر البرلماني العربي في شهر تشرين الأول من السنة نفسها.

 

قبل المؤتمر بأيام وتحديداً في الثاني من الشهر كان إلياهو ساسون على متن سفينة بروفيدنس الفرنسية المتوجهة من بيروت إلى القاهرة ليكتب تقريره للوكالة عن أربعة أيام أمضاها في بيروت تخللتها ثلاث زيارات لدمشق.

المهمة كانت تتركز حول إفشال وإضعاف المؤتمر والسعي إلى الحؤول دون مشاركة أكبر قدر من الشخصيات البرلمانية. في تلك الأيام التقى ساسون عدداً كبيراً من الشخصيات، ولكنني سأركّز على الجهد الذي بذله مع الإعلاميين اللبنانيين.

يقول ساسون «في بيروت التقيت بالياس حرفوش صاحب جريدة الحديث ثلاث مرات وسمعان فرح صاحب جريدة رقيب الأحوال وأسعد عقل صاحب جريدة البيرق مرة واحدة.

 

إلياهو ساسون يعرض كيفية تأثيره المباشر في الإعلام السوري واللبناني قبل قيام الكيان وديفيد كيمحي يعرض اتفاقه مع جوج عدوان على نشر تقارير ومقالات أواسط ثمانينيات القرن الماضي

 

لقد تحدثت مع هؤلاء جميعاً حول الأمور المتعلقة بالمؤتمر البرلماني العربي، وبمساعدة الياس حرفوش استطعت إقناع عضوين آخرين في الوفد اللبناني هما الشيخ فريد الخازن وأيوب كنعان من الموارنة بالعدول عن المشاركة أيضاً، وبمساعدة سمعان فرح نجحت في إقامة علاقة مع عضو البرلمان المسيحي خليل أبو جودة الذي سيشارك في المؤتمر وفي الأيام الأربعة الماضية نشرت في صحف بيروت «الحديث»، «الأحوال»، «الاتحاد»، «لسان الحال» و«صوت الأحرار»، ثماني مقالات ضد مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني العربي، وذكرت أن النواب الذين سيشاركون في هذا المؤتمر إنما سيشاركون بصفة شخصية ولا حق لهم في التحدث باسم لبنان... وقد وعد الياس حرفوش أن يشن في اليومين القادمين مقالتين شديدتي اللهجة ضد المؤتمر ونوايا الداعين إليه وضد النواب اللبنانيين المشاركين فيه بشكل خاص».

 

لن يتسع المقال لمزيد من السرد عن الدعاية التي بذلت لإفشال مؤتمر واحد. أكتفي ببلاغة هذه الوثيقة التي تحدثنا كيف قام شخص واحد في زيارة سريعة بجعل صحفٍ تجري كما تجري سفينته، وتنطق العبرية بطلاقة عربية وجرعة من الوقاحة لتقول للوطنيين من برلمانييه أنتم لا تمثلون لبنان وتتقاضون الأموال من الخارج. وقاحة باتت تبلغ من العمر سبعة وتسعين عاماً. إن تعداد المقالات التي كُتبت لمصلحة الوكالة اليهودية في الصحف اللبنانية أمر صعب لكثرتها.

 

تشير الوثائق أن معدل المقالات الأسبوعية الموجهة بلغ 28 مقالاً صحفياً، فضلاً عن المواد الدعائية التي كانت الوكالة تزود بها الإعلاميين. كثرة النشر فضلاً عن شراء صحف بحالها دفعت بموشيه شارتوك (شاريت لاحقاً) الذي كان يشغل منصب رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية حينها، إلى مراسلة القسم العربي للتنبيه من احتمال الانكشاف، جرت على إثرها مجموعة من المراسلات المحفوظة في الأرشيف الإسرائيلي شرحت فيها موجبات المنهجية المتبعة من الوكالة في الإعلام اللبناني والسوري.

 

في تفصيلها، كتب الباحث الفلسطيني الدكتور محمود محارب سلسلة مقالات قيّمة، كما ذكر الباحث الأردني حسام عبد الكريم في إحدى مقالاته أن ساسون قام بنشر 280 مادة بين مقال وتحقيق وتعليق في صحف عدة، عن طريق دفع مبالغ مالية لأصحابها والمحررين فيها. وكان يتم دفع مبلغ جنيه فلسطيني واحد أو جنيه ونصف أو جنيهين مقابل نشر المقال الواحد، بحسب أهمية المقال والصحيفة. وينقل رسالة يؤكد فيها لشرتوك، جدوى ما يقوم به، بعبارة: «كما ترى، هذا عملٌ ثمنه قليل ونتائجه كبيرة».

 

ساسون هذا لم يكن وحيداً في الميدان، إلياهو ابشتاين، يهوشاع فلامون، طوبيا آرزي، إيلي شيلوخ، موشيه شاريت، والتر إيتان، دانيال سيلفرمان، مردخاي غازيت، أوري لوبراني، جدعون راف، ريؤوفين إيرليخ، يوآف قطاييف، إيلي نيسان... ديفيد كمحي. كلّها أسماء اشترت أسهماً في الإعلام والسياسة اللبنانية وقصفت وعي اللبنانيين بمئات الرسائل المفخخة على امتداد خمسين عاماً. هنا جرت مقاومة من نوع آخر ربما بات من الضروري أن يُكتب عنها، وباسمها يجمع الإعلاميون والباحثون الوطنيون كل وثائق الإعلام العميل ليرموها في وجه الوقحين من الإعلاميين الجدد الذين يحاضرون يومياً بالوطنية والحرية والسيادة.

 

بالعودة إلى المستثمرين الإسرائيليين في الوعي اللبناني. إلى الماضي القريب الذي كشف النقاب عن بعض وثائقه مع تأجيل معظمه لعام 2031 بحكم استمرار تأثيره ووجود عدد غير قليل من معاصريه اللبنانيين على قيد الحياة. إذ نشط ديفيد كمحي القادم من الموساد إلى الديبلوماسية، الرجل الذي لقّب برجل الظل أحياناً وصاحب الحقيبة، تركز نشاطه في لبنان بين عامَي 1977 و1980، السنة التي تولى فيها منصب المدير العام لوزارة الخارجية.

 

يتحدث كمحي في إحدى الوثائق المفرج عنها تحت الرقم 555/פ”ט (PT) والتي تعود لعام 1983 ضمن سلسلة تقارير عن جلسات جمعته بشخصيات لبنانية عن فطور صباحي يوم 18/7/1983 جمعه بجورج عدوان ( النائب الحالي عن حزب «القوات اللبنانية»)، يبدو عبر الوثيقة دور خاص للنائب المذكور في خطة إسرائيلية تحت اسم «الحراثة العميقة»، تهدف إلى تليين الميدان السياسي لمصلحة التطبيع. هنا يتحدث كمحي عن الاتفاق مع عدوان على مجموعة من النقاط، كإرسال مجموعة مكونة من خمسة عشر شاباً من عائلات معروفة إلى الكيان، فضلاً عن ترتيب لقاءات بين اقتصاديين ومصرفيين لبنانيين مع نظرائهم الإسرائيليين. تقرير مطول أقتبس منه العبارة الآتية: «سيبدأ جورج في إعداد مواد إعلامية للنشر. وقد سلّمناه مقالة جاهزة للطباعة».

 

حسناً، لم يذكر التقرير فحوى المقالة التي نشرها نائب الأمة الحالي بالنيابة عن حكومة إسرائيل. ولكن هل يحق لأي لبناني عندما يقرأ هذا التاريخ الموثق، أن يتساءل حين يقرأ مقالات الكتاب أو يشاهد نشرات الأخبار ويسمع تصريحات الساسة عن مصدرها الأصلي.

هل زوّد الإسرائيلي الإعلام اللبناني بمواد وسرديات جاهزة للنشر؟

نعم، هذا مؤكّد.

 

هل يتماهى منطق كتيبة كبيرة من «النخب والإعلاميين اللبنانيين» وسردية الإسرائيليين نحو الحرب في لبنان؟

نعم، حدّ التطابق.

هل تعمل هذه الكتيبة كإحدى أذرع الحكومة الإسرائيلية وجزء من ترسانة جيشها؟

نظراً إلى كل ما تقدّم، هذا مرجّح.

بالعودة إلى عدو التابوهات مقدم البرامج السياسية الشهير. هل صاغ مقدمته بالأجرة؟

لا أعرف، ربما لا، فالوثائق تظهر أيضاً مبادرة عدد من الإعلاميين لخدمة العدو طوعاً، لكن بالتأكيد صار الوقت لأن يتصدى الوطنيون من أهل الصحافة والإعلام لكتيبة ساسون وكمحي وأخواتهما. صار الوقت لتحرير الإعلام اللبناني من السرديّات العبرية.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram