الياس فرحات .....المهمة لم تُنجز !!!

 الياس فرحات .....المهمة لم تُنجز  !!!

 

Telegram

في حزيران/يونيو ١٩٨٢، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان في إطار عملية أطلق عليها تسمية "سلامة الجليل" بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية واضعاف الحركة الوطنية اللبنانية واخراج الجيش السوري من بيروت. خلال أيام قليلة بلغت الدبابات الإسرائيلية مشارف العاصمة بيروت وحاصرتها. تدخّل الوسيط الأميركي فيليب حبيب (مبعوث الرئيس رونالد ريغان في حينه)، وتوصّل إلى اتفاق يضمن انسحاب القوات الفلسطينية من العاصمة عبر مرفأ بيروت إلى دول عربية، والقوات السورية برًا إلى البقاع اعتباراً من الأول من أيلول/سبتمبر ١٩٨٢. بعدها، انتشرت قوة متعددة الجنسيات معظم جنودها من قوات البحرية الأميركية (المارينز). بعدما “أنجزت مهمتها” من دون أيّة خسائر، انسحبت القوة المتعددة الجنسيات في ١٠ أيلول/سبتمبر، ورفعت لافتة (Mission Accomplished)، اي المهمة أنجزت والتي ما زال العالم يذكر صورها التي انتشرت في وسائل الإعلام. لم تمضِ أيام على هذا “الإنجاز” حتى اغتيل الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل في ١٤ أيلول/سبتمبر، وارتكبت ميليشيات لبنانية، بدعم وتسهيل من القوات الإسرائيلية، مجزرة استهدفت المدنيين الفلسطينيين في مخيّمَي صبرا وشاتيلا، قابلتها حملة استنكار واسعة، محليًا وعربيًا ودوليًا. تدهور الوضع في لبنان، وعادت القوة المتعددة الجنسيات في ١٦ أيلول/سبتمبر ١٩٨٢، مؤلّفة من قوات أميركية وفرنسية وإيطالية وبريطانية، وانتشرت في بيروت وضواحيها، وسرعان ما تحولت طرفًا في الحرب اللبنانية وما تزال ذاكرة اللبنانيين طرية عندما كانوا يسمعون أصوات مدافع المدمرة الأميركية “نيوجرسي” وهي تقصف مناطق الجبل حيث تتمركز قوات الحركة الوطنية. في وقت لاحق، وتعرّض مقر مشاة البحرية الأميركية (المارينز) قرب مطار بيروت للتفجير فقُتل نحو ٢٤٨ جنديًا أميركيًا، كما تعرّض مقر القوات الفرنسية في بيروت الغربية للتفجير وقُتل نحو ٥٥ جنديًا فرنسيًا. وانسحبت هذه القوات تجرّ أذيال الخيبة، وتركت لبنان يعاني أطول دوّامة عنف وشرذمة استمرت حتى ما بعد ولادة اتفاق الطائف. في الداخل اللبناني، كنا في “سلامة الجليل” وإخراج منظمة التحرير من لبنان، وأصبحنا أمام قتال داخلي عنيف بين الأفرقاء اللبنانيين وفي البيت الداخلي لكل فريق، وفراغ دستوري، وانقسام المؤسسات الرسمية اللبنانية. لم تهدأ هذه الأوضاع إلّا بعد التوصل إلى اتفاق الطائف ودخول القوات السورية إلى العاصمة اللبنانية، ولا سيما قصر بعبدا، في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام ١٩٩٠. غير أن الأهم من ذلك أن مقاومة لبنانية نشأت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتمكنت في العام 2000 من تسجيل تحرير أول أرض عربية من دون قيد أو شرط. هذه المقاومة كرّست خلال حرب تموز/يوليو 2006 معادلات ردعية حمت لبنان واللبنانيين على مدى نحو عقدين من الزمن وصارت تشكل تهديداً جدياً لإسرائيل يفوق بأضعاف خطر منظمة التحرير في مرحلة ما قبل العام ١٩٨٢.. يعني ذلك أنّ المهمة الإسرائيلية “لم تُنجز”. ومنذ عقود من الزمن وحتى أيامنا هذه، كانت تتوالى علينا المبادرات الدولية ولا سيما الأميركية لإحلال السلام وتسوية المسألة الفلسطينية ولكن أياً منها لم ترق إلى حد أن تكون مبادرة جدية. في السياق نفسه، غرقت المنطقة في حروب بمسميات مختلفة أبرزها “الحرب على الإرهاب”، وحروب تفتيت من نوع جديد في أعقاب اندلاع شرارة “الربيع العربي” في نهاية العام 2010. أما الفلسطينيون الذين كانوا يُشكّلون “تهديداً” في لبنان، فقد انتقلوا، بفضل اتفاق أوسلو، إلى داخل فلسطين، وكانت سبقتهم انتفاضة فلسطينية أولى، قبل أن تنتقل القيادة الفلسطينية إلى الضفة وقطاع غزة، إلى أن وقعت عملية “طوفان الأقصى” في ٧ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣ فأدت إلى قطع هذا المسار، وتوقف التطبيع حيث نجح الفلسطينيون في قلب الطاولة، وأعادوا الكرة إلى المربّع الأول، أي إلى فلسطين، القضية والوهج والنبض. تدخل الغرب لإنقاذ إسرائيل، وتقاطر قادة أميركا وأوروبا إلى إسرائيل للإعراب عن تضامنهم ودعمهم لها. تدفّق الدعم الغربي، وخصوصًا الأميركي، لإسرائيل وتجاوز المائة مليار دولار من المساعدات العسكرية. سياسيًا، أحبطت الولايات المتحدة عدة قرارات لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن بانتظار “النصر” الإسرائيلي. انتظر الغرب إعلان إسرائيل النصر الناجز، وبعد سنتين، تعثر خلالهما سحق حماس والافراج عن الأسرة بالقوة ومنع غزة من أن تشكل تهديدا مستقبلياً وسقط مشروع تهجير سكان غزة إلى مصر وسكان الضفة الغربية إلى الأردن، بعدها، تقدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمبادرة من عشرين نقطة، وعقد مؤتمرًا في شرم الشيخ لتكريس نجوميته وقيادته، محاولاً إيهام العالم أن كل شيء انتهى وسيعمّ السلام “الأميركي” المنطقة لا بل العالم بأسره. سارعت إسرائيل، بضغط أميركي، إلى تنفيذ أولى الفقرات العشرين والمتمثلة بتبادل الأسرى والجثامين (وليس تحرير الأسرى)، وإنهاء هذا الملف الضاغط، وبالطبع لم تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار وإن كانت قد أوقفت الحرب. لم تكتفِ بذلك بل قرّرت إنشاء خط أصفر داخل قطاع غزة يفصل بين منطقة سيطرة إسرائيل (٥٣٪؜ من مساحة القطاع) ومنطقة سيطرة حماس. وتشمل المرحلة الثانية من خطة ترامب عناصر عديدة بينها إدارة القطاع وحفظ أمنه واعمار ما تهدم ولكن النقطة الأهم من المنظور الأميركي والإسرائيلي هي نزع سلاح حركة حماس وباقي فصائل المقاومة. يعني هذا أنه لم يتم القضاء على حماس كما ردّدت إسرائيل على مدى السنتين الأخيرتين. سياسيًا، رضخت الولايات المتحدة للمطلب المصري ووافقت على انتشار قوة دولية بناءً لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي. إقرأ على موقع 180 الإسكندرية عندما تُبدع في إمتاع مَن يُحبها أعلنت مصر، بلسان مدير مكتب الاستعلامات ضياء رشوان، عدم موافقتها على تكليف القوة الدولية بنزع سلاح حماس، وأنه لا دولة تقبل تكليف جنودها بهذه المهمة. دخل تنفيذ النقاط العشرين في دوّامة تشير إلى تعثر تنفيذه في غزة واستحالة التقدم نحو سلام دائم في المنطقة. في المحصلة؛ نحن أمام وقائع تتكلم عن نفسها: -في غزة: لا انتصار لإسرائيل ولا للولايات المتحدة ولا تسوية مستدامة. -في لبنان: حزب الله ما يزال موجودًا، وقد ظهر تنظيمه وتعبئته في جنازة الأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله وعرضه الكشفي في المدينة الرياضية، وظهرت شعبيته في الانتخابات البلدية أيضاً. إسرائيل تتحدث عن استعادة حزب الله لقدراته وعن تلقيه سلاحًا عبر سوريا، وتُهدّد بعملية عسكرية، والولايات المتحدة تتحرك لإطباق الحصار المالي والاقتصادي على الحزب وبيئته. والنتيجة في لبنان أيضًا: لا انتصار لإسرائيل ولا للولايات المتحدة ولا تسوية. -في اليمن: ما زال اليمن يحتفظ بقوته الصاروخية والبحرية، ويهدد بإطلاق الصواريخ واعتراض السفن المتصلة بإسرائيل في حال تجدّد الاعتداءات على غزة، ولم يتحقق هدف “القضاء على الحوثيين”. والنتيجة في اليمن أيضًا: لا انتصار لإسرائيل ولا للولايات المتحدة ولا تسوية. بات على الولايات المتحدة أن ترفع لافتة باسمها وبالنيابة عن إسرائيل: “المهمة لم تُنجز – Mission Not Accomplished”. وبات على الفلسطينيين أن يكونوا حذرين من محاولة جعل المعركة فلسطينية فلسطينية وعلى اليمنيين أن يحذروا من عمليات أمنية هدفها تفجير بلدهم وقتل قيادتهم.. وبات على اللبنانيين أن يحذروا من أن يكون ثمن “عدم انجاز المهمة” مشابهاً لما حصل في الثمانينيات؛ أي أن تتدهور أوضاع بلدهم، كما تدهورت بعد رفع لافتة Mission Accomplished أو “المهمة أُنجزت” والتي تبيّن لاحقًا أنها كانت مهمة فاشلة وجرّت الويلات على لبنان والمنطقة  .

إلياس فرحات عميد ركن متقاعد

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram