عدا عن ذلك، فإن القانون ينص على وجوب إعداد دراسة اكتوارية لتحديد نسبة الاشتراكات اللازمة لضمان التوازن المالي للنظام، لكن هذه الدراسة لم تنجز بعد، رغم أن ذلك كان مفترضا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من صدور القانون.

 

وزير العمل محمد حيدر أكد  أن “النظام وضع على السكة، وحاليا نحن في مرحلة تنفيذ المراسيم التطبيقية تباعا، وأولها مجلس إدارة الضمان الذي سيتم تعيينه قريبا”.

إلى ذلك، يبرز واقع معقد حافل بالتحديات البنيوية والمالية والمؤسسية يمكن أن تعوق تطبيق نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، أبرزها عدم قابلية الحسابات الفردية القديمة للاستناد إليها في تصفية الحقوق، نظرا إلى غياب “اليومنة” وعدم اكتمال القيود، بالإضافة إلى غياب التصاريح الإسمية السنوية، ما يجعل إعادة تكوين الحسابات الفردية الصحيحة أمرا معقدا ومكلفا، وقد ينتج التزامات مالية ضخمة تصل إلى 3 مليارات دولار تثقل كاهل المؤسسات دفعة واحدة.

وفق عضو مجلس إدارة الضمان رفيق سلامة، فإن “أي نظام تقاعدي يجب أن يبنى على دراسة اكتوارية دقيقة تأخذ في الاعتبار قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل أعبائه. إلا أن النظام الجديد أقر من دون دراسة اكتوارية، وفي خضم انكماش اقتصادي حاد، تقلص فيه الناتج المحلي من 56 مليار دولار إلى نحو 20 مليارا، وتاليا تبدو قدرة الاقتصاد على تمويل نظام تقاعدي مستدام موضع شك كبير”.

 

ومن التحديات الأكبر، يشير سلامة إلى “الوضع المالي المأزوم للضمان، خصوصا فرع تعويض نهاية الخدمة الذي تكبد خسائر فادحة نتيجة سوء الإدارة والانهيار المالي العام. فبين 2018 و2024، تحولت أصول الصندوق من 8 مليارات دولار إلى ما يعادل أقل من مليار دولار بحسب تسعيرة الصندوق نفسه، بما يحدث فجوة مالية تقدر بنحو 7 مليارات دولار، أي بنسبة خسارة تبلغ 87.5%.”

يعتمد نظام التقاعد الجديد على الحسابات الفردية الافتراضية، وهي آلية دقيقة ومعقدة تحتاج إلى إدارة شفافة وممكننة. إلا أن واقع الإدارة الحالية للصندوق يعاني ضعفا حادّا في التنظيم، إذ يؤكد سلامة “عدم وجود موازنات عامة منذ 2017، ولا حسابات مدققة منذ 2010، ولا مكننة شاملة منذ 2003. إضافة إلى عدم تحصيل الاشتراكات، وسوء استثمار الأموال، وغياب الرقابة والمساءلة، بما يجعل تطبيق النظام الجديد في ظل هذه الظروف مغامرة غير محسوبة”.

التحدي الديموغرافي بدوره يشكل عبئا إضافيا. فوفق تقرير منظمة العمل الدولية، يتجه لبنان نحو شيخوخة سكانية متسارعة، ما يرفع عدد المتقاعدين وطول فترة استفادتهم من المعاشات. ومع ذلك، يوضح سلامة أن القانون الجديد لم يأخذ هذه المعطيات في الحسبان، إذ حدد سن التقاعد بـ64 عاما، ومدة الاشتراك بـ15 سنة فقط، في حين أن متوسط عمر المتقاعد المتوقع بعد التقاعد يصل إلى 19.25 سنة. هذا التفاوت ينتج خللا بنيويا في التوازن بين الاشتراكات والمعاشات.

أمام هذا المشهد المعقد، يؤكد سلامة أنه “لا بد من اتخاذ خطوات إصلاحية عاجلة قبل الشروع في تطبيق نظام التقاعد الجديد، أبرزها:
– تكليف جهة مستقلة التدقيق في حسابات الصندوق واستخراج الوضع المالي الحقيقي.
– إعادة هيكلة الصندوق عبر تغيير قيادته التقريرية والتنفيذية، وتحديث بنيته الإدارية والمعلوماتية.
-إعادة النظر في تمويل النظام، والنقاش الجدي حول جدوى الاعتماد على الرسملة الفردية مقابل التمويل بالتوزيع.
– الانطلاق من واقع ديموغرافي واقتصادي سليم، لوضع تصور جديد يتسم بالمرونة والاستدامة.