يُكلف تعليم ذوي الصعوبات في المدارس الخاصة الدامجة «قسطاً ثانياً» فوق القسط الأساسي. هو «رقم أكثر من خيالي»، يُوفِّره ذووهم بـ«شقّ الأنفس»، علماً أنه ليس نهاية المصاريف اللازمة. إذ يتوجب على هؤلاء زيارة عيادات الاختصاصيين (علاج نفسي، حسّي حركي، نطق…) مرتين في الأسبوع على الأقل. أمّا من لا يقوى على الدفع، فيسقط في المجهول، بكل ما يحمله من مخاطر على أولاده.كثيرون قرروا التوقف في منتصف المشوار. تقول مديرة مركز «سكيلد» للصعوبات التعليمية في المدارس الإنجيلية، هبة الجمل: «خسرنا في السنوات الأخيرة 20% على الأقل من تلامذتنا من ذوي الصعوبات التعليمية نتيجة العائق المادي». والمدارس التي خشيت من خسارة تلامذتها، شهدت، بحسب المرشدة النفس – اجتماعية والاختصاصية في التقويم التربوي، ريتا عساف حنا، «فوعةً» في التدريبات المهنية المعجّلة والتطبيقية على أسس الدمج المدرسي، ونجحت في استقطاب الكثير من الحالات النفس- اجتماعية والأكاديمية الناتجة من «تروما» من الأزمات المتتالية.وتقول عساف إن «بعض المدارس الدامجة استطاعت تقديم الحلول لكثير من ذوي الصعوبات، ما أدى إلى تراجع نسب الرسوب بصورة ملحوظة».وتشمل هذه الحلول، وفقاً لعساف، «تكييف المنهج والفروض والمسابقات لذوي الحالات الطفيفة، مثل المشكلات في التواصل، مع استقدام فريق من الاختصاصيين إلى المدرسة ووضع خطط عمل فردية لمتابعة ذوي الاضطرابات التعليمية (عسر القراءة والكتابة والحساب)».وتشير عساف إلى أن «بعض هذه المدارس عمد إلى استحداث مراكز خاصة داخل المدرسة بأكلاف مرتفعة، للتعامل مع بعض حالات الإعاقة غير الحادة (اضطراب سمعي وبصري وشلل دماغي)، علماً أن ثمة جمعيات أهلية تهتم بتغطية تكاليف تعليم الأطفال ذوي الصعوبات، لكنها محدودة وغير كافية».التّقبل أولاًتؤكد عساف أن تقبّل أهل الولد ومحيطه لحالته هو «الخطوة الأولى في سلّم نجاح العلاج»، فيما المعلم والاختصاصي في المدرسة «مطالبان بالإيمان بقدراته والسير معه خطوة بخطوة». وتلفت إلى أنه «يأتي بعد التقبل عمل فريق المتابعة كوحدة تنسيق متناغمة ومتجانسة لوضع أهداف واضحة»، مشددةً على «أهمية تدريب معلم الصف على التعليم التمايزي والقدرة على التعاطي مع الصعوبات، بما يخفف أعباء على الأهل، ويسهم في تحسين مستوى الطلاب».تراجع عدد المدارس الدامجة وخسرت الكثير من تلامذتهاتتحدث ياسمين، وهي أم لطفل من ذوي الصعوبات، عن «أهمية تعاون المعلم في الصف مع توصيات الاختصاصيين». وتعرب في التوازي عن اعتقادها أن «بعض المشكلات قد تكون بسيطة وقد تُحل في الصف، ولكن يجري تحويلها إلى اختصاصيين، إما بسبب عدم معرفة المعلم بوسائل المتابعة، وإما بسبب رفضه التعامل معها». ومن هنا، تنبع برأيها «أهمية الاختصاصي التربوي والاجتماعي، لتوجيه المعلمين، خصوصاً أن الكثير من الطلاب واجهوا بعد «كورونا» والأزمات المتراكمة صعوبات أكاديمية جديدة في عدد من المواد غير المألوفة للمعلمين».وتلفت ياسمين إلى أن «هؤلاء الأولاد لديهم صعوبات في أمر محدد، وموهوبون في أمرٍ آخر، لكنهم يحتاجون إلى أن يصوّب لهم الاختصاصيون التربويون البوصلة نحو نقاط القوة لديهم، وليس الضعف فقط»، معربةً عن اعتقادها أنهم «مدفونون في النظام التعليمي، الذي يظلمهم ولا يحتضنهم».تفاؤل… ولكنبالنسبة إلى اختصاصية تقويم النطق، رشا عوالة، فإن «الطريق إلى الدمج لا يزال طويلاً، والمشكلة الأساسية تكمن في أن غالبية المدارس لا تضم اختصاصيين وغير جاهزة لاستقبال ذوي الصعوبات»، مشيرة إلى «أننا نعاني كاختصاصيين من توجيه الأهل نحو مدارس دامجة تناسبهم في منطقة سكنهم، وتفاوت تعاطي الإدارات المدرسية مع توصيات الاختصاصيين، فمنهم من يُسهِّل تطبيقها ومنهم من يرفض التعاون». وتقول إن «التدخل المبكر يساعد في ردم الفجوات التعليمية بصورة أكبر».لكن الجمل تبدو متفائلة «بفعل ازدياد الوعي وثقافة تقبل الآخر المختلف والتنافس الحاصل بين المدارس لتوفير البيئة الأقل تقييداً للطفل، وإن كانت تربط ذلك بأهمية تمويل الدولة لهذه البرامج وإعفاء الأهل من الرسوم الباهظة أو فتح مراكز علاجية بأسعار مخفضة، على غرار ما يحصل في كثير من دول العالم».وتتحدث عن خطوات أساسية يجب أن توفرها المدرسة الدامجة، وهي «تبني الدمج في سياساتها العامة ونظامها الداخلي، وتأهيل المباني وتأمين كرامة التلامذة وتدريب الأساتذة وإجراء التعديلات المطلوبة لتكييف المناهج والمسابقات مع واقع التلميذ».
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :