طليع حمدان: شاعر المنبرين الذي حوّل الزجل إلى لوحات شعرية خالدة "صدرك بيوسع كل ما بيتك يضيق... النحل ما بيحوم إلا على الرحيق."

طليع حمدان: شاعر المنبرين الذي حوّل الزجل إلى لوحات شعرية خالدة

 

Telegram

كتب رشيد حاطوم 

طليع حمدان: شاعر المنبرين الذي حوّل الزجل إلى لوحات شعرية خالدة

 

"صدرك بيوسع كل ما بيتك يضيق... النحل ما بيحوم إلا على الرحيق."

 

في قرى لبنان النابضة بالجمال والشعر، حيث تتدفَّق عيون الماء كما تتدفق القوافي، وُلد شاعرٌ أبدع في نحت الكلمات فخلَّد اسمه في ذاكرة التراث العربي. إنه طليع نجيب حمدان، الملقب بـ"شاعر المنبرين" و"أبو شادي"، الذي حمل على عاتقه مهمة الحفاظ على فن الزجل الأصيل وتطويره، مسلطاً الضوء على هموم الإنسان وأحلامه بغض النظر عن انتماءاته.

 

النشأة: من ينابيع عين عنوب إلى عالم الشعر

 

في التاسع عشر من يناير عام 1944، وفي أحضان قرية عين عنوب الجميلة الواقعة في قضاء عالية اللبناني، وُلد طليع حمدان. نشأ في كنف عائلة بسيطة مؤلفة من أحد عشر ولداً، حيث كان والده نجيب يعمل في الزراعة، بينما كانت والدته فاطيني يحيى ربة منزل.

 

عين عنوب، تلك القرية المشهورة بعيون الماء التي يبلغ عددها عدد أيام السنة (366 عيناً)، كانت أيضاً موطناً للعديد من الشعراء الكبار مثل إلياس حرب وجميل شجاع وشفيق شجاع وجورج حرب، مما خلق بيئة غنية جمالياً وشعرياً. في هذا الجو الشعري، كانت الأعراس تحييها فرق الزجل، وكانت "ردّات القرادي" تتدفق في المناسبات كأنها أنهار من الكلام الموزون.

 

البدايات: من ضوء القنديل إلى المنابر

 

تلقَّى طليع علومه الابتدائية في مدرسة عين عنوب الرسمية، لكن شغفه بالشعر والزجل كان أقوى من أي شيء آخر. في الربيع، كان يتخلَّف عن المدرسة ليحضر حفلات الشاعر "شحرور الوادي" بأكملها، متحدياً نصائح والده الذي كان يخشى عليه من الدخول في عالم الشعر.

 

بدأ طليع يكتب أجمل الأبيات الشعرية ويرددها في حفلات منتزه القرية على ضوء الكنديل برفقة الشاعرين سعيد وجورج حرب. كما اختزنت ذاكرته المبكرة ردّات الشاعرين الزجليين "شحرور الوادي" و"علي الحاج"، مما شكل الأساس المتين لموهبته المستقبلية.

 

الانطلاق: من القرية إلى العالم

 

كانت الانطلاقة الحقيقية لطليع حمدان عندما سمعه الشاعر زين شعيب يغني في إحدى حفلات القرية، فأعجب بصوته وموهبته. في عام 1964، كانت أولى حفلاته عبارة عن منافسة شعرية بينه وبين زين شعيب في كازينو خلدة على شاطئ البحر.

 

في العام التالي (1965)، انضم طليع إلى فرقة زغلول الدامور التي كانت تضم أيضاً الشاعرين زين شعيب وإدوار حرب. معاً، قدموا حفلات يومية في جميع المناطق اللبنانية، حضرها الآلاف من محبي الزجل، وامتدت شهرتهم لتصل إلى العالمية.

 

فرقة الربيع: استمرار المسيرة الشعرية

 

مع اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، توقفت فرقة زغلول الدامور عن إحياء الحفلات، وكان آخرها في مدينة أوتاوا الكندية. في العام التالي (1976)، أسس طليع حمدان فرقة الربيع الخاصة به، التي ضمت الشعراء: خليل شحرور، أنطوان سعادة، ونزيه صعب.

 

أحيت الفرقة حفلات زجلية رائعة في مختلف المناطق اللبنانية، ووصل صيتها إلى دول عديدة مثل كندا وأمريكا وأستراليا ودول الخليج العربي. كما خاض طليع عبر مسيرته حفلات منافسة شعرية مع كبار الشعراء مثل جرجس البستاني، موسى زغيب، أسعد سعيد، سيد محمد المصطفى، وزين شعيب وزغلول الدامور.

 

الإرث الشعري: بين الأصالة والحداثة

 

المؤلَّفات والدواوين

 

أثرى طليع حمدان المكتبة العربية بعدة مؤلَّفات ودواوين شعرية، منها:

 

· "براعم ورد" (1990)

· "جداول عطر" (1995)

· "ليل وقمر" (1999)

· "انطريني أنا جايي" (2011)

· "افتتاحيات طليع حمدان" (2014)

 

السمات الفنية

 

تميَّز شعر طليع حمدان بسمات فنية رفيعة، تجعله أحد أبرز شعراء المنبر الزجلي في العصر الحديث. تمتعت قصائده بـ:

 

· البراعة في خوض المبارزات الشعرية التي تتطلب سرعة بديهة ومهارة لغوية عالية

· تنوع الموضوعات بين الغزل والوصف والشعر الوطني والحماسي

· التعامل مع قضايا إنسانية مثل قصائد المغتربين ودعم الشعب الفلسطيني

· الأداء الرقيق والصوت العذب الذي ميزه عن غيره من الشعراء

 

التقديرات والجوائز

 

تقديراً لعطاءاته الشعرية المتميزة، حصل طليع حمدان على عدة أوسمة ودروع، منها:

 

· وسام الأرز من الرئيس إميل لحود (2001)

· درع تقديري من الرئيس رفيق الحريري (2002)

· درع تقديري من الجامعة الثقافية في العالم بسيدني - أستراليا (2007)

· ميدالية كمال جنبلاط من المكتبة الوطنية في بعقلين (2013)

 

الحياة الشخصية

 

في عام 1959، تزوَّج طليع حمدان من السيدة سلوى عيد، وأنجب منها أربعة أولاد هم: شادي، زينة، سحر، وخزام. وقد ظلَّ مقيمًا في لبنان طوال حياته، محافظاً على جذوره العميقة في تراب وطنه.

 

 صوت سيظل يتردد

 

رحل طليع حمدان عن عمر ناهز 81 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً شعرياً غنياً ومتنوعاً. كان رحيله خسارة فادحة للزجل اللبناني الأصيل والساحة الثقافية العربية، لكن شعره سيظل خالداً في ذاكرة محبيه.

 

"بدي حبيبي ندى ليمونة الأجيال

بنت الجنوب وعطر شطو البردقاني

بدي بنفسج لعب عطرو مع الأطفال

من قنوبين الصلا من شمال جبراني

وما بين عطر الجنوب وبين عطر شمال

يسحب نسيم الجبل مع ريحة الوزال

ويعمل توازن عطر مع شعب لبناني"

 

بهذه الكلمات التي جمعت عبق الجنوب ونسيم الجبل، يظل طليع حمدان شاعر لبنان بامتياز، وراوياً لأحلام أبنائه وآلامهم وأفراحهم، شاهدا على أن الشعر الحق لا يعترف بحدود، وأن الكلمة الجميلة تظل خالدة رغم فناء البشر.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram