"الدماغ في خطر: كيف تحول السوشيال ميديا إلى آلة لاستهلاك عقولنا"

 

Telegram

شخصياً، لم أعد أستطيع حصر الساعات التي أمضيها على الهاتف. أتنقّل بين عوالم السوشيال ميديا صباحاً ومساءً، وحتى في أوقات انشغالي أجد نفسي عاجزة عن مقاومة مشاهدة الـ”ريلز”، كأنها جرعة تهدئة سريعة. لكن ما كان ممتعاً في البداية أصبح اليوم عبئاً مزعجاً.

فالوقت الذي أمضيه على هذه المنصات يعطّل أحياناً قدرتي على التفكير في قضايا أهم، بينما بعض التفاهات باتت تلتهم وقتي وحتى أموالي. ولم أستغرب حينما صادفت أخيراً مصطلح “تعفّن الدماغ”، الذي بدا كأنه يصف حالتي بدقة، كأن الذكاء الاصطناعي قرأ أفكاري.

هذا المصطلح يُستخدم لوصف حالة الخمول الذهني الناتجة من الإفراط في المشاهدة والتنقّل المستمر بين التطبيقات، ما يؤدي إلى تراجع التركيز وفقدان الدماغ قدرته على التأمل. وهو ما يجعل الفرد مشتّت الفكر والحياة، بل يتحوّل أيضاً إلى ما يمكن وصفه بـ”التعفّن الاقتصادي”.

وفي هذا السياق، حاورت “النهار” الخبير الاقتصادي ورئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة الدكتور خالد رمضان، حول ما سمّاه “اقتصاد تعفّن الدماغ”.

 

اقتصاد “تعفّن الدماغ”

يرى رمضان أن هذا الاقتصاد ليس إلا فرعاً من اقتصاد الانتباه، لكنه يقوم على استغلال المحتوى المخفوض الجودة لجذب الأنظار بسرعة. وشبّه الأمر بـ”مصنع ضخم يضخ جرعات متتالية من التسلية السريعة، لكنها في المقابل تسلب الدماغ قدرته على التركيز والتذكر”. وأوضح أن جامعة أوكسفورد عرّفت “تعفّن الدماغ” بأنه تدهور الحالة الذهنية بسبب الإفراط في استهلاك المحتوى التافه.

 

وأشار إلى أن المنصات الرقمية صممت خوارزميات ذكية لتحفيز الإدمان، مستندة إلى “مكافآت الدوبامين الفورية” التي تشبه قطعة حلوى تمنح لذة سريعة لكنها تُضعف التفكير العميق.

 

اقتصادياً، شبّه رمضان الانتباه بالذهب الجديد. “منذ أن قال هربرت سيمون عام 1971 إن وفرة المعلومات تولّد فقراً في الانتباه، أصبح هذا المورد عملة نادرة تتنافس عليها الشركات عبر سوق الإعلانات”، لافتاً إلى أن الظاهرة لم تعد سلوكية فقط بل اقتصادية أيضاً.

 

المكاسب الاقتصادية

وضرب رمضان مثالاً بسلسلة Skibidi Toilet على “يوتيوب شورتس”، وهي مقاطع خيالية عن معارك بين مراحيض ورؤوس تلفزيونية. “رغم سذاجتها جذبت ملايين المشاهدات عام 2024، محققة أرباحاً ضخمة، لكنها في الوقت نفسه سرقت الانتباه من التعليم.

كذلك لفت إلى إعلانات “تيك توك” التي تستخدم الفلاتر التفاعلية والموسيقى الفيروسية لزيادة المبيعات بنسبة 40%، لكنها تكرّس ما يسميه العلماء “التمرير الزومبي”، إذ يتحول المستخدم إلى متلقٍ سلبي غير قادر على التركيز.

وأوضح أن هذا الاقتصاد يدر أرباحاً هائلة، “فشركات مثل ميتا وغوغل حققت في 2024 أكثر من 1.4 تريليون دولار، بزيادة 55%، بفضل الإدمان الرقمي”. وأضاف أن المحتوى التافه يضاعف وقت التفاعل خمسة أضعاف، ويرفع الوعي بالإعلانات بنسبة 40%، فيما يتيح الذكاء الاصطناعي إنتاج مواد رخيصة تحقق أرباحاً سريعة من دون الحاجة إلى جودة.

 

الأبعاد الاجتماعية والمستفيدون

وقال إن هذا الاقتصاد الواعد يعزز الاستهلاك السريع ويدفع نمو الاقتصاد الرقمي بنسبة 10 إلى 15% سنوياً، لكنه يحمل وجهاً قاتماً يتمثل في انخفاض الإنتاجية وتراجع معدل الذكاء بما يعادل 13 نقطة بسبب الإجهاد المعرفي.

 

وأضاف أن “المنصات الكبرى مثل ميتا وتيك توك هي الرابح الأكبر، إذ بلغت إيرادات الإعلانات 853 مليار دولار عالمياً عام 2024”. كما يستفيد المؤثرون، ولاسيما منهم من الجيل Z، من المحتوى الفيروسي لتحقيق دخل سريع، فيما تحصد الشركات الإعلانية مكاسب من الاستهداف الدقيق، وقد نما سوق الإعلان الأصلي بنسبة 372%. وأردف: “حتى شركات عملاقة مثل أمازون تبني أرباحها على هذا السلوك الاستهلاكي المدفوع بالتمرير المستمر”.

 

حجم السوق

وقدّر حجم سوق اقتصاد الانتباه الذي يضم “تعفّن الدماغ”، بنحو 400 مليار دولار في 2025 من الإعلان الأصلي، مع نمو 372% منذ 2020. وأوضح أن الإيرادات الإعلانية الرقمية بلغت 853 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن تتجاوز تريليون دولار بحلول 2027. وأضاف أن الإعلان الرقمي في الولايات المتحدة يشكّل 60% من الإجمالي، معظمها مدفوع بالمحتوى القصير الذي يولّد 70% من التفاعلات.

 

ندرة الانتباه

واستشهد بالأرقام ليبين كيف أصبحت الموارد العقلية نادرة: “ننتج يومياً 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات، لكن ساعات اليوم لا تتجاوز 24. من هذه الساعات، يُستهلك نحو 7 ساعات على المنصات الرقمية، ما يخفض التركيز بنسبة 40%”. واعتبر أن الخوارزميات التي تتسابق على تحفيز الدوبامين تقودنا إلى “اقتصاد الازدحام”، حيث يُسرق الانتباه بالمحتوى التافه.

 

الاستثمار في اقتصاد الانتباه

وبشأن الاستثمار، شبّه رمضان هذا المجال بسوق تحتاج إلى إدارة محفظة مالية: “يجب تنويع محفظة الانتباه لتجنب الإدمان السلبي، والرهان على الانتباه النوعي لضمان الاستدامة”. وأوضح أن الاستثمار يتطلب بيانات دقيقة وذكاء اصطناعياً لاستهداف شرائح المستخدمين، إضافة إلى محتوى قصير لا يتجاوز 30 ثانية يزيد التفاعل خمسة أضعاف. وأضاف أن تخصيص المحتوى عبر الذكاء الاصطناعي يرفع العائد 40%، رغم الأكلاف الضخمة لتطوير الخوارزميات.

  

تعقيدات واستراتيجيات

وختم: “اقتصاد الانتباه مجال معقد، تتشابك فيه الخوارزميات مع القوانين مثل GDPR والتحيزات السلوكية التي تقلل الإنتاجية 20%”، لافتاً إلى أن معادلة الانتباه تقوم على (الوقت × التركيز × النية)، ومؤكداً أن الشركات التي تفشل في إدارة هذه المعادلة تتعرض لخسائر فادحة. واستشهد بحالة “CrowdStrike” عام 2024، حينما أدى ما وصفه بـ”التعفّن الشركاتي” إلى انقطاعات عالمية واسعة.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram