مستقبل القضية الفلسطينية بعد اتفاق غزة: بين الاعتراف الدولي والواقع الميداني

مستقبل القضية الفلسطينية بعد اتفاق غزة: بين الاعتراف الدولي والواقع الميداني

 

Telegram

 

د. رشا أبو حيدر

بعد توقيع اتفاق غزة، يبرز سؤال جوهري: كيف ستبدو ملامح القضية الفلسطينية في المستقبل القريب؟ هل سيؤدي هذا الاتفاق إلى استقرار دائم، أم أنه سيمثل مجرد مرحلة جديدة في صراع طويل لم يفقد جوهره منذ عقود؟ الإجابة ليست بسيطة، فهي تتطلب تحليلًا متكاملًا يجمع بين السياسة الدولية، الواقع الميداني، القانون الدولي، والوجدان العربي.

من ناحية الاعتراف الدولي، يشير الاتفاق إلى رغبة بعض القوى الكبرى في إعادة تثبيت شعار “حل الدولتين” كإطار للتفاوض. ومع ذلك، هذا الاعتراف غالبًا ما يظل شكليًا إذا لم يترافق مع إجراءات ملموسة على الأرض. فالولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية محددة ترى في هذا الحل وسيلة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وليس بالضرورة لتحقيق العدالة الفلسطينية الكاملة. النتيجة العملية هي أن الاعتراف الدولي قد يفتح بابًا للمفاوضات، لكنه لا يضمن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية، خاصة في ظل استمرار الاستيطان وغياب السيطرة الفلسطينية على الحدود والموارد.

أما الواقع الميداني في غزة والضفة، فهو معقد للغاية. غزة، بعد الحرب الأخيرة، أصبحت رمزًا للمقاومة والصمود، لكنها تواجه أزمات إنسانية واقتصادية متفاقمة. التوازن بين قدرة المقاومة على فرض شروط معينة وبين الضغوط الدولية للتهدئة يشكل مساحة دقيقة يصعب التنبؤ بها. في الضفة الغربية، يظل الوضع الأمني والاحتلال المستمر من أهم المحددات لمستقبل أي اتفاق، إذ يمكن أن يؤدي التوتر المستمر إلى تآكل أي إنجاز سياسي جزئي بسرعة.

على الصعيد الفلسطيني الداخلي، يظل تحدي الوحدة الوطنية والموقف السياسي المتعدد عاملاً حاسمًا. فالتعددية الحزبية والفصائلية تؤثر على قدرة الفلسطينيين على التفاوض بموحدٍ. بدون توافق داخلي، يبقى أي اتفاق هشًا، معرضًا للانهيار عند أول أزمة. وفي هذا السياق، تبرز أهمية الاستراتيجيات الفلسطينية الذكية، بما في ذلك الشراكات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تضيف قوة للتفاوض وتحمي الحقوق الأساسية.

من الناحية القانونية، تظل الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف حجر الزاوية. الحق في تقرير المصير، وحق العودة للاجئين، ووقف الاستيطان، جميعها حقوق مثبتة في قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات القانون الدولي الإنساني. أي اتفاق سياسي جديد، مهما كان نصه دبلوماسيًا أو ظاهرًا للسلام، يظل محدود التأثير إذا لم يُعطِ هذه الحقوق أولوية تطبيقية حقيقية. وهنا يظهر التحدي الأساسي: كيف يمكن للشرعية الدولية أن تتحول من خطاب إلى واقع ملموس على الأرض؟

بالنظر إلى هذه المعطيات، يمكن تصور عدة سيناريوهات مستقبلية للقضية الفلسطينية. السيناريو الأول، حل جزئي مستدام، يحقق بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية دون حل كامل للقضية، لكنه يخفف الضغط الدولي ويُبقي جوهر النزاع قائمًا. السيناريو الثاني، هدنة طويلة الأمد، يمكن أن تمنح الفلسطينيين بعض الاستقرار المؤقت، لكنها ستترك الحقوق الأساسية معلقة، مما قد يؤدي إلى توترات متكررة. السيناريو الثالث، وهو الأكثر خطورة، استمرار الصراع الرمزي والسياسي، حيث تظل فلسطين مركزًا للمعركة الأخلاقية والإعلامية، مع استمرار الضغوط الدولية على المجتمع الفلسطيني دون حلول ملموسة.

في ضوء هذه الاحتمالات، يظل السؤال الأكبر: هل ستنجح الجهود الفلسطينية والدولية في تحويل اتفاق غزة إلى منصة لتحقيق السلام والعدالة، أم سيبقى مجرد مرحلة مؤقتة في صراع طويل؟ الواقع يشير إلى أن الحلول تتطلب تضافر جميع القوى السياسية، وحدة الموقف الفلسطيني، ودعم دولي حقيقي يرتكز على العدالة وليس المصالح الضيقة.

وبذلك، يبدو المستقبل الفلسطيني مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتراوح بين السلام الجزئي والهدنة الهشة والصراع المستمر، لكن جوهر القضية لم يتغير: الكرامة، الحق في الحرية، وحق تقرير المصير يظلان غير قابلين للتنازل. وكل خطوة سياسية أو ميدانية يجب أن تُقرأ في هذا السياق، بحيث تكون فلسطين ليست مجرد ملف على طاولة المفاوضات، بل رمزًا حيًا للعدالة وكرامة الإنسان في مواجهة الاحتلال والقوة غير المتوازنة

 

 

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram