بعد انعدامها لسنوات مضت، ها هي القروض المصرفية التي انطلقت خجولة منذ عام، تستعيد زخمها مدعومة بالإقبال الكبير من قبل الأفراد والشركات، بشروط وفوائد أقلّ صرامة ناتجة عن المنافسة بين المصارف نفسها.
أعلن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد أمام وفد رجال الأعمال الفرنسيين عن عودة التسليفات في القطاع المصرفي في السنة المقبلة، معوّلاً على إقرار قانون الفجوة المالية وإعادة هيكلة المصارف واستعادة ملاءتها المالية.
إلا أن الإقبال على المصارف حاليًا، قبل حتّى إقرار القانون وتسوية الودائع، شهد ارتفاعًا ملحوظًا في الأشهر الماضية، للحصول على قروض مختلفة. ومن يراقب حركة الزبائن لدى فروع المصارف اليوم، يظنّ أن الأمور بألف خير وأن المياه عادت إلى مجاريها.
يعود سبب الإقبال الكبير على الاقتراض مجدّدًا من المصارف إلى تعطّش العملاء وحاجتهم الماسّة إلى السيولة النقدية لدعم المشاريع الجديدة واستعادة نشاطهم الاقتصادي وحتّى نشاطهم الاستهلاكي المعتاد والذي بقي شبه منعدم منذ 6 أعوام.
ورغم أن التسليف في القطاع المصرفي عاد منذ أكثر من عام بوتيرة خجولة ومتحفّظة جدًّا، شملت فقط فتح اعتمادات للشركات بهدف الاستيراد، إلا أنه تحوّل في الفترة الأخيرة إلى نمط أكثر ليونة وانفتاحًا وباتت القروض تشمل أنواعًا أخرى مثل القروض الشخصية والسيارات الجديدة والمستعملة، بشروط محددة وسقوف وفوائد مختلفة، حيث بلغ حجم القروض الجديدة 553 مليون دولار في حزيران 2025. ورغم أن هذا المبلغ يعتبر خجولًا نسبة إلى حجم التسليفات للقطاع الخاص والذي وصل إلى 38 مليار دولار قبل الأزمة في 2019، إلا أن الإقبال الكبير اليوم على المصارف من أجل الحصول على قروض مصرفية يشي بمسار تصاعديّ متسارع لحجم القروض في العام المقبل، ولو أنه محظور على المصارف حتى الآن، استخدام واستثمار الودائع الجديدة الـ fresh والبالغة قيمتها حوالى 4,4 مليار دولار، لغرض التسليف.
ما هي أنواع القروض المصرفية المتوفرة؟
أوضح مصدر مصرفيّ لـ “نداء الوطن” أن القروض المصرفية نوعان: القروض التجارية corporate المخصّصة للشركات، وقروض التجزئة المخصصة للأفراد والتي تتضمّن القروض الشخصية، قروض السيارات وبطاقات الائتمان. مشيًا إلى أن معظم البنوك عادت اليوم من جديد إلى تقديم قروض لشراء السيارات الجديدة والمستعملة، “وهناك إقبال لا بأس به على هذا النوع بالتحديد من القروض، كون اللبنانيين معروفين بميولهم وإقبالهم على شراء السيارات”. تترواح نسبة الفائدة على قروض السيارات الجديدة بين 7 إلى 8 في المئة شرط تأمين دفعة أولى تتراوح بين 40 إلى 50 في المئة من قيمة السيارة، في حين أن الفائدة على قروض السيارات المستعملة تبدأ من 8 في المئة.
كما أكد المصدر المصرفيّ أن القروض الشخصية أقلّ رواجًا من قروض السيارات حاليًا، كونها متوفرة في عدد أقلّ من المصارف وتشترط أن يكون راتب طالب القرض الشخصي، موطّنًا لدى المصرف المانح للقرض، على أن تصل قيمة القرض إلى 4 أو 5 أضعاف قيمة راتبه الشهري بفائدة تبدأ من 9 في المئة.
وأشار في هذا الصدد إلى أن غالبية المصارف تشترط للموافقة على طلبات قروض التجزئة، أن لا يكون صاحب القرض يملك حسابًا مصرفيًا لدى البنك المعنيّ “باللولار”، تفاديًا أو خوفًا من أن يلجأ صاحب القرض لاحقًا إلى مطالبة البنك بتسديد قرضه من وديعته القديمة باللولار، في حين يقوم البعض الآخر من المصارف بالطلب من العميل طالب القرض، التوقيع على عقد يفيد بأنه لا يمكن لاحقًا الربط link بين حسابه القديم باللولار وحسابه الجديد المخصصّ للقرض الجديد، علمًا أن العقود التي تبرمها المصارف مع العملاء من أجل إقراضهم تنصّ على تسديد قيمة القرض بالعملة نفسها أي بالدولار الـ fresh.
في المقابل، شرح المصدر أن الإقبال كبير أيضًا على القروض التجارية المخصصة للشركات، خصوصًا أن معظم الشركات باتت تفتقر للسيولة النقدية بعد أزمة 2019، والتي تحتاجها لتمويل نفقاتها التشغيلية، وتحديدًا شراء المواد الأولية واستيراد السلع goods financing، موضحًا أن الفائدة على تلك القروض تتراوح بين 9 و12 في المئة وهي على شكل فتح اعتمادات overdraft أو financing of goods على المدى القصير أي لمدّة 6 أشهر يتمّ خلالها تسديد قيمة القرض وفتح قرض جديد آخر، على أن تكون مرتبطة برهن عقاري أو وعد بالرهن.
وفيما أكد أن المؤسسات التجارية بحاجة ماسّة إلى تسهيلات مالية على المدى القصير، قال إن الطلبات العديدة التي ترد إلى المصارف على هذا النوع من القروض، لا يستوفي معظمها الشروط المحددة وبالتالي لا تحصل على الموافقة، لأن المصرف يقوم بدراسة ملف كلّ شركة وميزانياتها وتصاريحها المالية ليتأكد من أن تلك الشركة تحقق أرباحًا. وبما أن معظم الشركات التي تتقدم للحصول على قروض تجارية تظهر ميزانيتها أنها حققت خسائر نتيجة الغلط الحاصل في طريقة التصريح على أسعار صرف مختلفة بين 1500 و 15000 ليرة… تكون النتيجة بالتالي أن نسبة الموافقات على القروض التجارية أقلّ بكثير من نسبة الطلب الكبير عليها.
وفي الختام أكد المصدر المصرفي أن البنوك تؤمّن رأسمالاً مخصّصًا للتسليف إما من أموالها الخاصة أو من إيداعاتها بالعملات الأجنبية من الخارج.
ولكن يبقى السؤال: هل يؤشر نمو التسليفات إلى أن المصارف يمكن أن تستعيد دورها كداعم ومحرك للاقتصاد في فترة زمنية قصيرة، وعلى عكس بعض التوقعات المتشائمة، خصوصًا بعد إقرار قانون الفجوة المالية المنتظر؟
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :