نحنا: في زمنٍ تتسارع فيه الأغنيات لتواكب إيقاع المنصات، اختارت النجمة اللبنانية كارول سماحة أن تسير عكس التيار، مقدّمةً عملاً غنائياً يحمل فكراً موسيقياً أصيلاً وروحًا فنية نقية. أغنيتها الجديدة “ما بتنترك وحدك”، التي أبصرت النور قبل ساعات من كلمات وألحان وتوزيع الموسيقار اللبناني الراحل زياد الرحباني، ليست مجرّد إصدار جديد بقدر ما هي جسرٌ فني يربط بين جيلين: جيل الراحل زياد، الذي آمن بالفن كقيمة ووعي، وجيل كارول، التي تسعى في كل محطة لتقديم ما يليق بتاريخها الفني ووعيها الفني والموسيقي.
في هذا العمل، التقت رؤية زياد الرحباني المتحرّرة من القوالب التجارية مع حسّ كارول سماحة الدرامي والصوتي العميق، لينتج عن هذا اللقاء عمل موسيقي متكامل المعاني والمضمون.
الأغنية تحمل بوضوح روح آل الرحابنة من حيث البنية الموسيقية والمخيلة الشعرية. فقد قدّم زياد لحناً عبقرياً مليئاً بالنقلات النوعية بين الجمل الموسيقية، تنقل المستمع في رحلة بين الدهشة والسكينة، ما أضفى على الأغنية حالة فنية نادرة في زمن يغلب عليه الطابع التجاري. بينما حمل النص غنى لغوياً وصوراً شعرية مكثّفة تعبّر عن فلسفة زياد في الغناء كأداة تفكير لا تسلية، عكست عمق الفكر الرحباني ودقّة التعبير عن المشاعر الإنسانية.
كارول، بصوتها المدروس والمشحون بالإحساس، استطاعت أن تُعيد إلى الحياة روح زياد الرحباني بأسلوبها الخاص، دون أن تقلّده أو تُغيّب شخصيتها الفنية. أداؤها جاء منضبطاً ومتحرّراً في آنٍ واحد، كأنها تُحاور زياد في كل جملة موسيقية، وتُكمِل مشروعه في الحفاظ على الفن الحقيقي وسط فوضى الاستهلاك الموسيقي.
“ما بتنترك وحدك” ليست أغنية عابرة، بل بيان فني صغير يذكّر بأن الأغنية العربية ما زالت قادرة على أن تكون فكرًا وجمالًا في الوقت نفسه. إنها عمل يُعيدنا إلى زمن تُقاس فيه الأغاني بما تحمله من صدقٍ وجِدّة وعمقٍ موسيقي، لا بعدد المشاهدات.
وفي سياق مسيرتها، تُعدّ هذه الأغنية امتداداً طبيعياً لهوية كارول سماحة الفنية التي تجمع بين المسرح والغناء، بين الأداء والتمثيل، وبين الفكر والإحساس. فهي من القلائل اللاتي يمتلكن قدرة على إيصال الفكرة عبر الصوت والحركة والروح في آنٍ واحد. لذلك، يمكن القول إن “ما بتنترك وحدك” تمثل منعطفاً فنياً جديداً في مسيرتها، يُثبت مرة أخرى أن الفن الحقيقي لا يُقدَّم صدفة، بل يُصنع بإيمان وصدق ووعي فني عميق.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي