أحبني بروحك... بلا عيون، لأولد أبديًا في جدار الخلود.
في هذا الكون المتسع، حيث الوجوه تتكرر والملامح تتشابه كأرقام في سِجلات الزمان، يبقى العشق الحقيقي عملة نادرة لا تُسكّ إلا في مناجم الأرواح. ليس الحب عناقًا للأجساد، ولا نظرة تُسقط القلب من عرشه، بل هو انسجام صامت بين ذبذبات الروح وهمس الوجود.
أحبني بروحك، لا بعينيك. فالعيون لا ترى سوى ما يضيئه الضوء، أما الروح فتبصر ما لا يُرى، وتغوص إلى ما لا يُقال. العشق بالبصر يشبه لهب الشمعة، جميل لكنه هش، يموت بنفخة هواء. أما الحب بالروح، فهو نار تحت الرماد، لا تنطفئ، لا تتوسل الضوء، بل تشتعل في صمت.
دعنا نتخلّى عن اللغة، عن المسّ، عن اللقاء. أريد أن أكون الفكرة التي تعيش في رأسك دون أن تُنطق، والذكرى التي لا تفارقك، ولو عبرتَ ألف حضن. أحبني كما تُحب القصيدة التي لا تفهمها، لكنك تبكي كلما قرأتها. أحبني كما يُحب الزاهد ربّه، دون شرط، دون مصلحة، دون سؤال.
في هذا العالم الذي باع الحب في الأسواق، ورهنَ المشاعر في مزادات الحضور، أريد أن أكون استثناءك. لا تزِدْني وردًا، ولا رسائل. أهدني حضورك في غيابي، أهدني وفاءك في موتي، أهدني صلاة باسم الحب على مذبح الصمت. فأنا لا أريد أن أكون امرأة عابرة في حياة مزدحمة… أريد أن أكون الوطن الذي تعود إليه بعد كل غياب، واليقين الذي لا يخذلك حين تتقلب بك العوالم.
العاشق الحقيقي لا يحتاج ليدين كي يُمسك، ولا لعينين كي يرى، ولا لصوت كي يهمس. هو فقط يحتاج لروح تُصغي، لقلب يخبّئك، لعزلة يملؤها باسمك. وهكذا، يولد الحب الذي لا تمسّه الأيام، ولا تشوّهه التفاصيل، ولا تهدّه الفجائع.
كل الذين أحبوا بأجسادهم، دفنهم الوقت في مقابر النسيان. أما من أحبّوا بأرواحهم… فقد خُلّدوا. صاروا حكايات تُروى على ضوء الشموع، وأغانٍ تذوب في الشجن، ووجوهًا لا تغيب، حتى لو لم تُلتقط لها صورة.
أحبني بروحك… كي أظلّ حيّة فيك، حتى بعد موتي. كي لا أكون ذكرى، بل نبضًا وكي لا أكون امرأة… بل وجودًا. لأن من أحبّ بروحه، علّقني في جدار الخلود، حيث لا تفنى الأرواح، ولا يُطفأ العشق، ولا يُنسى الحنين.
بقلم: فاطمة يوسف بصل
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي