إرتفاع نسبة الإكتئاب يدقّ ناقوس الخطر!

إرتفاع نسبة الإكتئاب يدقّ ناقوس الخطر!

 

Telegram

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

 
طالب في مقتبل العمر ينهي حياته في كسروان، وشاب عشريني آخر في بيروت في شارع بربور ينجح في إنهاء حياته بعد محاولة سابقة أنقذه منها شبان الحي. حادثتان لشابين خلال ما يقارب أسبوعين هزّتا الرأي العام وأعادتا تسليط الضوء على الأزمة النفسية الصامتة التي تتفشّى في مجتمعٍ أنهكته الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية. حالات الانتحار في لبنان لم تعد مجرّد أحداث فردية أو ردّات فعل عاطفية آنية، بل صرخات ألم جماعية تحتاج إلى من يصغي قبل فوات الأوان.
 
سجّلت الأشهر الأولى من عام 2025 ارتفاعًا بنسبة 20 % في حالات الانتحار في لبنان مقارنة بالعام الماضي، في مؤشرٍ خطير على تزايد الضغوط النفسية. ورغم أنّ الإحصاءات الرسمية الصادرة عن قوى الأمن الداخلي تشكل المرجع الوحيد المتاح حول أعداد المنتحرين في لبنان، إلّا أنّها لا تعكس بالضرورة الحجم الحقيقي للظاهرة إذ إن حالات كثيرة تبقى خارج السجلات الرسمية، وتسجّل في معظم الأحيان على أنها “حوادث عرضية” أو “وفيات غامضة” تجنبًا للوصمة الاجتماعية والدينية التي ما زالت تلاحق فعل الانتحار.
 
د. إيليو ساسين الاختصاصي في الأمراض النفسية شرح لـ “نداء الوطن” على هامش ندوة حول انتحار أقيمت في مستشفى بخعازي أن 90 % من الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار يعانون من اضطرابات نفسية شائعة مثل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب Bipolar أو من حالات ذهان أو قلق نفسي مثل الوسواس القهري وغيره. وقد يصل الاضطراب عند البعض إلى درجة تولد ألمًا نفسيًا شديدًا يشعرون معه أن لا خلاص منه إلا بالموت . ولكن إذا استطاع المريض الوصول إلى العلاج النفسي قبل الإقدام على الانتحار يمكن للمختصين معالجته ونزع الأفكار السوداوية من رأسه.
 
من هنا،  لا يجب الاستهتار أبدًا بهذه المشاعر والاضطرابات النفسية أو الحكم على صاحبها بالضعف وبأنه غير قادر على مواجهة واقعه أو بكونه يتمتع بطباع سوداوية ولا شيء يفرحه، كما لا يجب محاولة معالجته بكلام التشجيع مثل “شد حالك” و “الحياة حلوة” لأن هذه النصائح تؤذيه بدل أن تشجعه.
 
من يمرّ بفترة صعبة يعرف مشاعره ويتألم داخليًا وشيئًا فشيئًا يدخل في حالة اكتئاب مرضية يفقد معها اللذة في الحياة والنشاط وتغيب عنه الضحكة والفرحة ويعيش حالة حزن داخلي لا يمكن أن يزول من تلقاء نفسه. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الحالة قد تكون ناجمة عن عوامل بيولوجية تمامًا مثل ضغط الدم أو السكري وليس بالضرورة أن يكون لها سبب خارجي كما تلعب الوراثة دورًا قويًا فيها.
 
إشارات تحذيرية
 
في لبنان حيث لا نزال نتغنى فيه بالروابط العائلية والاجتماعية يمكن أن يلعب المحيط دورًا أساسيًا في التنبه إلى ما يمر به الشخص المتألم ويدفعه إلى طلب العلاج. وثمة علامات تظهر على الشخص تكشف وجود حالة اكتئاب لديه أبرزها انتقاله من حال إلى حال ، أي أنه لم يعد كما كان بل صار أكثر كآبة وحزنًا وانطواء من السابق يعاني من قلة نشاط واضطراب في النوم أو الأكل. فإذا استمرت هذه العوارض لأكثر من شهر يكون الشخص قد دخل في مرحلة معاناة نفسية قوية قد تدفع به إلى الانتحار.
 
هذا لا يعني أن كل حالة اكتئاب تؤدي إلى الانتحار وفق ما يؤكد د. ساسين. فالاكتئاب درجات بعضه خفيف وبعضه أكثر شدة ، لكن كل حالة اكتئاب بحاجة إلى تقييم نفسي. بعض الحالات الشديدة تحتاج إلى أدوية ومتابعة طبية. أما الحالات البسيطة، فيمكن معالجتها من خلال جلسات علاج نفسي . وقد يجهل الشخص ذاته مدى سوء حالته أو كونه قد وصل إلى مرحلة متقدمة، وقد يصعب عليه طلب المساعدة لا سيما عند الرجال. لكن عمومًا، من يعاني من الاكتئاب أو القلق النفسي الشديد، قد يبادر إلى طلب المساعدة لأنه واع لحاله، أو قد يستمع إلى محيطه الذي يدفعه لطلب العلاج، فيما حالات الذهان أو حالات اضطراب الثنائي القطب، لا يكون فيها المريض واعيًا ولا يمكن أن يطلب المساعدة، ومن الصعب إقناعه بذلك حينها لا بد من اصطحابه إلى مستشفى متخصص ليتم علاجه.
 
ما يجب التنبه إليه، وفق تجربة إحدى العائلات التي فجعت بانتحار ابنها، ما يعرف باسم Perfectly hidden depression (PHD) أو الاكتئاب المستتر ببراعة الذي يخفيه الشخص خلف ابتسامة أو متابعة لحياته الطبيعية، دون أن يجعل أحدًا من المحيطين به يشعر بألمه النفسي، بحيث يصل إلى الانتحار بشكل يفاجئ كل من حوله. كذلك، يجب التنبه إلى أن من حاول سابقًا الانتحار فإنه قد يعيد الكرة. ومن يبلّغ عن رغبته بالموت، ولو عن طريق المزاح قد يكون على قاب قوسين من الانتحار.
 
لبنان: وجع صامت
 
في محاولة فهمنا لأسباب الانتحار يبقى السؤال البديهي: هل ثمة أسباب يتفرد بها لبنان عن سواه من البلدان؟ الأسباب في لبنان مشابهة لما هو شائع في الخارج يقول د. ساسين، لكن لا شك أن نسبة الاكتئاب، وهو السبب الأول للانتحار، إلى ازدياد في لبنان نتيجة الظروف الأمنية والمالية والاجتماعية التي يمر بها، وهذا الازدياد يحمل معه ارتفاعًا في حالات الانتحار. ولكن ثمة فئات اجتماعية في لبنان أكثر عرضة من غيرها للانتحار نتيجة الضغوطات التي ترزح تحتها ومنها: المثليون، اللاجئون، العمال الأجانب والأشخاص الذين يعانون من الوحدة.
 
ومن المؤشرات التي تدل على ازدياد حالات الكآبة في لبنان حجم الاتصالات التي ترد يوميًا إلى الخط الوطني للدعم النفسي والوقاية من الانتحار 1564 الذي وضعته في الخدمة جمعية Embrace بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة. وتقول تاتيانا معلوف وهي مسؤولة في الجمعية إن أكثر من 1000 اتصال يرد يوميًا ليس فقط من أشخاص يفكرون بالانتحار بل من أشخاص متعبين يبحثون عن وسيلة للفضفضة وعمن يصغي إليهم. بعض من يتصلون هم أشخاص يريدون الحياة يبحثون عن الدعم والمساعدة فيما آخرون يريدون الموت أو على الأصح إنهاء وجع معين لا يجدون خلاصًا منه إلا بالموت.
 
ومما قالته معلوف أيضا: “نحن نذكّر المتصل بالأمور التي لا تزال تعلّقه بالحياة إذ نعتبر أن اتصاله يعني أنه يعيش صراعًا بين حب الحياة والرغبة بإنهاء وجعه النفسي ونبذل جهدًا لتفعيل الجانب الذي يحب الحياة لنخفف بذلك خطر الانتحار. أما حين نلحظ وجود حالة صعبة، فإن فريق الطوارئ لدينا المؤلف من طبيب نفسي وممرضة يسارع بالنزول إلى الأرض وتقديم مساعدة فورية. واليوم لا تزال هذه الخدمة محصورة ببيروت وصور والنبطية وطرابلس والكورة. في لبنان ومع عدم إمكانية الوصول بسهولة إلى الدعم النفسي صار الخط 1564 الذي يحمل شعار “الحكي بطوّل العمر” ضرورة لرفع نسبة الوعي وكسر وصمة العار حول الانتحار ورفع نسب الوقاية”.
 
الانتحار بالأرقام
 
– يشهد العالم كل 30 ثانية حالة انتحار ما يجعل عدد المنتحرين سنويًا حوالى 800000 فيما يبلغ عدد محاولات الانتحار 16 مليون حالة سنويًا.
 
– يشهد لبنان كل يومين أو ثلاثة حالة انتحار أو محاولة انتحار رغم أن الأرقام غير موثقة نظرًا للتعمية الحاصلة أحيانًا حول موضوع الانتحار.
 
– يبلغ عدد الرجال الذين ينتحرون 4 مرات عدد النساء، لكن محاولات الانتحار ترتفع عند النساء أكثر من الرجال. ويعود السبب في ذلك إلى أن الرجال يختارون وسائل عنيفة لإنهاء حياتهم كما يرفضون الخضوع للعلاج النفسي أو يطلبونه حين يصبحون في حالة متقدمة، بينما النساء أكثر طلبًا للعلاج علمًا أنهن معرضات للإصابة بالاكتئاب مرتين أكثر من الرجال.
 
– 90 % من حالات الانتحار أو محاولات الانتحار، مرتبطة باضطرابات نفسية شائعة مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب أو بحالات الذهانأو القلق النفسي. فيما 10 % فقط هي حالات انتحار انفعالي وهي وليدة ساعتها نتيجة ظرف طارئ أو مشكلة حياتية أدت إلى ما يعرف بـ” لحظة تخلي”.
 
– يصيب الاكتئاب من 15 إلى 20 % من الأشخاص في العالم. وفي لبنان لا شك، أن أرقام الاكتئاب أعلى نظرًا للظروف الصعبة التي نعيشها.
 
– معظم الذين ينتحرون يكونون قد عبروا سابقًا عن رغبتهم بالموت ونبهوا من حولهم وقد يصل عدد محاولات الانتحار إلى 50 مرة قبل أن يتمكنوا من إنهاء حياتهم.
 
العلاج النفسي خارج التأمين
 
رغم كل ما تبذله الجمعيات والمستشفيات المتخصصة بالأمراض النفسية وأقسام الأمراض النفسية في بعض المستشفيات الخاصة من جهود،  لا يزال الوصول إلى العلاجات أمرًا صعبًا في لبنان وتكلفتها مرتفعة تمنع كثيرين منهم من طلب العلاج. منذ بضع سنوات، أنشأ بعض الجمعيات مستوصفات للتشخيص النفسي، لكنها تعاني من ضغط كبير على خدماتها يمنعها من تلبية جميع الطلبات. أما وزارة الصحة، فدورها شبه غائب عن الصحة النفسية. إذ لم تخصص حتى الآن، رغم وجود مشروع لذلك، مستوصفات للصحة النفسية مع ما لها من أهمية .
 
من جهة أخرى ومع تراجع خدمات الضمان الاجتماعي في الفترة السابقة، باتت التغطية في المستشفيات ضئيلة جداً، وتغطية الأدوية شبه معدومة. حتى تغطية وزارة الصحة للأمراض النفسية منخفضة جدًا، ما جعل خدمات المستشفيات المتخصصة بالأمراض النفسية تتراجع لا سيما مع ازدياد الضغط عليها. كما أدى انقطاع بعض أدوية الأمراض النفسية إلى أزمة حقيقية.
 
ومع تراجع دور الجهات الرسمية الضامنة يبقى هناك ظاهرة غريبة تثير الكثير من التساؤلات وهي امتناع شركات التأمين التي باتت مؤخرًا ملاذًا لمعظم اللبنانيين عن تغطية كل ما له علاقة بالصحة النفسية، وهذا الأمر غالبًا ما يكون مذكورًا في البوليصة عبر سطر صغير يكاد يكون غير مرئي، بما يعني أن هذه الشركات لا تعترف بالصحة النفسية، ولا تؤمن تغطية لقطاع هو من أخطر القطاعات الصحية.
 
صحيح أن الضمان الاجتماعي كما تعاونية الموظفين عادتا إلى تغطية الأدوية والمعاينات، لكن هذا لا ينفي بقاء الطب النفسي خارج متناول فئة كبيرة من اللبنانيين. فمن القادر على دفع 200 دولار لزيارة ليلية طارئة لطبيب نفسي أو دفع 75 دولارًا عن كل جلسة علاج لدى معالج نفسي؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram