كتب وائل ملاعب
مَنْ يُصْدِرُ لِلْمُقَاوَمَةِ إِذْنَ مُمَارَسَةِ الْمِهْنَةِ؟
(شَعْبٌ هَادِئٌ لَا يُحِبُّ الِانْزِعَاج)
أَجْمَلُ مَا فِي شَعْبِنَا أَنَّهُ يُرِيدُ مُقَاوَمَةً مُشْتَرَطَةً بِمُوَاصَفَاتٍ وَمَعَايِيرَ يَضَعُهَا فِي سَاعَاتِ التَّأَمُّلِ،
كََمَنْ يَنْتَقِي مُنْتَجًا مِنْ مَعْرِضٍ، فَيَطْلُبُ لَهُ زِيَادَةَ مُوَاصَفَاتٍ وَمَقَايِيسَ تَتَلَاءَمُ مَعَ حَاجَاتِهِ وَرَغَبَاتِهِ.
أَيْ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مُقَاوَمَةٌ هَادِئَةٌ لَا تُحْدِثُ كَثِيرًا مِنَ الضَّجِيجِ، تُقَاتِلُ عَنَّا بِشُرُوطِنَا، فَتُحَرِّرُ الأَرْضَ وَتُحَقِّقُ الاسْتِقْرَارَ، وَتُحَارِبُ الْفَسَادَ، وَتَنْقُبُ عَنِ النِّفْطِ، وَتَسُدُّ ثُقْبَ الأُوزُونِ، وَتُحَسِّنُ إِنْتَاجَ التُّرْبَةِ، وَلَا تُبْدِي رَأْيَهَا فِي قَوَانِينِ السِّيَاحَةِ وَالْفَنِّ وَالاقْتِصَادِ وَالتَّعْلِيمِ.
فِي تَمُّوزَ عَامَ 2006، عِنْدَ بَدْءِ الْقَصْفِ وَالدَّمَارِ، أَسْرَعَ "بَعْضُنَا" إِلَى تَحْمِيلِ الْمُقَاوَمَةِ مَسْؤُولِيَّةَ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حِينِهِ "تَهَوُّرًا" وَ"مُغَامَرَةً". وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَرْبِ، أَسْرَعَتِ الأَصْوَاتُ نَفْسُهَا وَغَيْرُهَا إِلَى مُسَاءَلَةِ الْمُقَاوَمَةِ: "لِمَنْ سَتُهْدِي النَّصْرَ؟" وَكَأَنَّهَا مُوَظَّفَةٌ بِالْقِطْعَةِ تَعْمَلُ لِصَالِحِ مُسْتَخْدِمِينَ، فَإِذَا تَمَّ الْعَمَلُ بِنَجَاحٍ تَبَنَّيْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ تُعْجِبْنَا النَّتَائِجُ تَبَرَّأْنَا مِنْهَا.
هَذَا الإِرْثُ قَدِيمٌ وَمُتَجَذِّرٌ فِي شَعْبِنَا:
فَغَالِبِيَّتُهُ تَمْتَهِنُ النَّقْدَ دُونَ أَيِّ فِعْلٍ يُذْكَرُ،
وغَالِبِيَّتُهُ تُهَلِّلُ لِلنَّتَائِجِ دُونَ أَنْ تُسَاهِمَ فِي صُنْعِهَا، بَلْ تَجِدُ كِفَايَتَهَا فِي التَّحْلِيلِ وَتَوْزِيعِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ، ثُمَّ تَمِيلُ حَيْثُمَا مَالَتْ كَفَّةُ الصِّرَاعِ، عَلَى غِرَارِ الْوُفُودِ الَّتِي كَانَتْ تُهَلِّلُ كُلَّ يَوْمٍ لِحَاكِمٍ جَدِيدٍ وَتَشْتُمُ مَنْ سَبَقَهُ، وَمَا زَالَ هَذَا الْفُولْكُلُورُ مُتَوَارَثًا حَتَّى الْيَوْمِ.
فِي السَّابِعِ مِنْ أُكْتُوبَرَ 2023، هَلَّلَ النَّاسُ لِبُطُولَةِ الشَّعْبِ الْفِلَسْطِينِيِّ فِي غَزَّةَ، وَاعتُبِرَ الْحَدَثُ تَارِيخِيًّا خَيَالِيًّا (وَهوَ كَذَلِكَ)، وَبَدَأَ مُسَلْسَلُ التَّسَابُقِ عَلَى الْوَصْفِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّبَنِّي فِي الصِّحَافَةِ وَالتِّلْفَزْيُونِ وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ وَالسَّاحَاتِ وَالْمَجَالِسِ. ثُمَّ مَعَ اسْتِعَارِ الإِجْرَامِ الصِّهْيَوْنِيِّ، بَدَأَ التَّحْلِيلُ وَبَدَأَتْ رِحْلَةُ التَّمَلُّصِ وَالتَّخَلِّي وَالانْسِحَابِ مِنَ الْفَرْحَةِ الأُولَى.
السَّبَبُ خَلْفَ ذَلِكَ بَسِيطٌ!
يُرِيدُ غَالِبِيَّةُ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا انْتِصَارًا هَادِئًا غَيْرَ مُزْعِجٍ.
هُمْ يُؤَيِّدُونَ مَا حَصَلَ، لَكِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ إِضَاعَةَ الْوَقْتِ فِيمَا سَيَحْصُلُ بَعْدَ.
وَهَذَا مَرَدُّهُ إِلَى الثَّقَافَةِ الْمُسْتَحْدَثَةِ فِي عَصْرِ السُّرْعَةِ الَّتِي اكْتَسَحَتِ الْمَفَاهِيمَ عَبْرَ "الرّيلْز" وَ"الْفِيدْيُوهَاتِ الْقَصِيرَةِ" وَ"التَّغْرِيدَاتِ"، الَّتِي إِنْ طَالَتْ قَلِيلًا نُسَارِعُ إِلَى تَجَاوُزِهَا وَتَجَاهُلِهَا.
يَعْتَقِدُ الأَغْلَبُ مِنْ شَعْبِنَا أَنَّ الْحَرْبَ أَصْبَحَتْ مَوضَةً قَدِيمَةً تَعُودُ إِلَى الْمَاضِي، وَأَنَّنَا الْيَوْمَ نَسْتَطِيعُ حَلَّ مُشْكِلَاتِنَا بِفِيدْيُو قَصِيرٍ عَلَى "تِيك تُوك"، أَوْ فِي أَحْسَنِ الْأَحْوَالِ بِحَفْلِ كُورَالٍ تُقِيمُهُ فِرْقَةٌ مِنَ الْكَشَّافِ.
بَعْضُ الآخَرِينَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُقَاوَمَةَ تُمَثِّلُ الْحَقَّ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا اعْتِمَادُ مَجْمُوعَةِ مَعَايِيرَ قَبْلَ إِعْطَائِهَا إِذْنَ مُمَارَسَةِ الْمِهْنَةِ.
وَمِنْ هَذِهِ الْمَعَايِيرِ أَنْ لَا تَكُونَ مُزْعِجَةً وَلَا تُسَبِّبَ أَضْرَارًا تُعِيقُ سَيْرَ حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ،
وَعَلَيْهَا أَيْضًا اسْتِشَارَتُنَا جَمِيعًا لِتَحْدِيدِ مَوْعِدِ عَمَلِيَّاتِهَا بِمَا لَا يَتَعَارَضُ مَعَ مَوَاعِيدِنَا الْمُسْبَقَةِ، خَاصَّةً فِي مَوَاسِمِ الصَّيْفِ وَالْأَعْيَادِ وَالتَّسَوُّقِ.
وَعَلَيْهَا أَنْ تُقَدِّمَ تَعَهُّدَاتٍ خَطِّيَّةً بِضَمَانِ نَتِيجَةِ الْمَعَارِكِ، وَأَنَّهَا تَكْفُلُ الانْتِصَارَ النَّظِيفَ السَّاحِقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي أَيِّ مَعْرَكَةٍ، ثُمَّ يُمْكِنُهَا الدُّخُولُ بَعْدَ مَوَافَقَتِنَا وَتَأَكُّدِنَا مِنَ النَّتِيجَةِ.
وَعَلَيْهَا، فِي حَالِ اسْتِشْهَادِ قَادَتِهَا، أَنْ تُؤَمِّنَ لَنَا الْبَدَائِلَ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَا تُشْعِرَنَا بِفَرَاغٍ قَدْ يُدْخِلُ الشَّكَّ إِلَى صُدُورِنَا.
وَالْأَهَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، عَلَى أَيِّ مُقَاوَمَةٍ أَنْ تَرْفُضَ الدُّخُولَ فِي مُفَاوَضَاتٍ أَوْ تَوْقِيعَ اتِّفَاقِيَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَنَا اطِّلَاعٌ وَرَأْيٌ وَمَوْقِفٌ، وَهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى أَوْقَاتِ فَرَاغِنَا الَّتِي نَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ التَّفَرُّغِ لِمِثْلِ هَذِهِ الْقَضَايَا الْجَانِبِيَّةِ.
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَطْ،
وَفِي حَالِ اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الشُّرُوطِ،
تَسْتَطِيعُ الْمُقَاوَمَةُ مُزَاوَلَةَ مَهَمَّتِهَا دُونَ أَنْ نُمْطِرَهَا بِنَظَرِيَّاتٍ وَنَظَرَاتِ تَذَمُّرٍ وَاسْتِيَاءٍ مِنْ سَيْرِ الْأَحْدَاثِ.
طَبْعًا، لَا مُشْكِلَةَ فِي أَنْ يُمْضِيَ الشَّعْبُ الْفِلَسْطِينِيُّ 80 عَامًا فِي بُحَيْرَةٍ مِنَ الْمَوْتِ وَالدِّمَاءِ، مُحَاصَرًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، الْمَهْمُ أَنْ يَسْتَشِيرَنَا فِي حَالِ قَرَّرَ مُحَاوَلَةَ الْخُرُوجِ.
فِي الْمُحَصِّلَةِ، هُنَاكَ حَقَائِقُ يُرَادُ لَهَا أَنْ تُخْفَى،
وَالْبَعْضُ مِنَّا يُسَاهِمُ فِي إِخْفَائِهَا بِغَيْرِ قَصْدٍ، لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَ الرِّوَايَةَ الْمُسَوَّقَةَ إِسْرَائِيلِيًّا.
قَبْلَ السَّابِعِ مِنْ أُكْتُوبَرَ، لَمْ تَكُنْ غَزَّةُ مَدِينَةً سِيَاحِيَّةً كَمَا يُسَوِّقُونَهَا عَلَى الْمَوَاقِعِ وَيُقَارِنُونَ فِي الصُّوَرِ (تَمَامًا كَمَا كَانَ يَحْصُلُ فِي قُرَى الشَّرِيطِ الْحُدُودِيِّ اللُّبْنَانِيِّ قَبْلَ الْحَرْبِ، حِينَ يُظْهِرُونَ رَغَدَ الْعَيْشِ هُنَاكَ وَالْفَقْرَ هُنَا)، وَهَذَا بِالطَّبْعِ كَذِبٌ وَتَسْوِيقٌ إِعْلَامِيٌّ مَدْفُوعٌ وَتَرْوِيجٌ عُدْوَانِيٌّ خَطِيرٌ.
غَزَّةُ قَبْلَ السَّابِعِ مِنْ أُكْتُوبَرَ كَانَتْ تَمُوتُ عَطَشًا وَجُوعًا، مُحَاصَرَةً مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ، وَمَمْنُوعٌ عَنْهَا الدَّوَاءُ.
فِلَسْطِينُ قَبْلَ السَّابِعِ مِنْ أُكْتُوبَرَ كَانَتْ عَلَى سَرِيرِ الْمَوْتِ عَرَبِيًّا وَعَالَمِيًّا، وَالِاتِّفَاقَاتُ الْإِبْرَاهِيمِيَّةُ كَانَتْ فِي فُصُولِ تَوْقِيعِهَا الْأَخِيرَةِ.
انْتِفَاضَةُ أُكْتُوبَرَ أَعَادَتِ النَّبْضَ إِلَى الْقَضِيَّةِ الْأَسَاسِيَّةِ، وَأَعَادَتْ خَلْطَ الْأَوْرَاقِ وَتَرْتِيبَ الْأَوْلَوِيَّاتِ وَوَضْعَ الْمَسَارِ عَلَى السِّكَّةِ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا قَدْ يَحْدُثُ دُونَ أَثْمَانٍ كَبِيرَةٍ... فَلْيُعِدْ قِرَاءَةَ الْمَقَالَةِ.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :