بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
يشكّل لبنان نموذجًا واضحًا للتوتر بين تطبيق القانون والحفاظ على السلم الأهلي في مجتمع منقسم طائفيًا وسياسيًا. فالقانون يُعدّ الركيزة الأساسية لضمان العدالة وحماية الحقوق، بينما يلعب السلم الأهلي دورًا حاسمًا في الحفاظ على استقرار الدولة والمجتمع، خصوصًا في أوقات الأزمات. وغالبًا ما يفرض الواقع اللبناني اختيارًا صعبًا بين هذين البعدين، إذ إن الإصرار على تطبيق القانون بحذافيره قد يفاقم الانقسامات، في حين أن تغليب السلم الأهلي على العدالة قد يُضعف الثقة بالقضاء ويؤدي إلى إفلات من العقاب.
خلال الحرب الأهلية (1975–1990)، كانت الدولة عاجزة عن فرض القانون على جميع الأطراف، ما أدى إلى انتشار الميليشيات المسلحة وغياب العدالة. بعد انتهاء الحرب، جاء اتفاق الطائف كحل سياسي للحفاظ على السلم الأهلي، لكنه اعتمد على آليات عفو عام شملت معظم الجرائم المرتكبة أثناء النزاع. هذا الخيار حافظ على الاستقرار مؤقتًا، لكنه أضعف ثقة المواطنين بالقضاء، مما أبرز الصعوبة في الموازنة بين العدالة والاستقرار.
تجربة لبنان توضح أن السلم الأهلي وتطبيق القانون مرتبطان بشكل وثيق؛ فغياب القانون يهدّد السلم، بينما تجاهل العدالة باسم السلام يجعل السلم هشًّا وغير مستدام. الحاجة اليوم هي إلى مقاربة توازنية، تعتمد على تطبيق القانون بشكل تدريجي وعادل مع الأخذ بعين الاعتبار حساسية الانقسامات المجتمعية. ويمكن للآليات المؤقتة، مثل المصالحات الوطنية أو العدالة الانتقالية، أن توفر جسرًا بين العدالة والاستقرار دون المساس بأمن الدولة أو وحدة المجتمع.
في النهاية، يثبت الواقع اللبناني أن السلم الأهلي وتطبيق القانون ليسا متناقضين بالضرورة، بل هما عنصران متكاملان. التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن دقيق يضمن استقرار المجتمع ويعزز شرعية الدولة، بحيث يكون القانون أداة لحماية السلم، والسلم بيئة تمكّن القانون من العمل بفعالية. الغاية هي الوصول إلى سلام عادل ومستدام يحمي الحقوق ويعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي في لبنان.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :