ثانيًا : النظام اللبناني بالعمق
يقوم النظام اللبناني على مبدأ الميثاقية والمشاركة بين الطوائف بدءًا من الرئاسات الثلاثة مرورًا بالمجلس النيابي وصولًا إلى آخر حاجب في إدارة رسمية . جرّد دستور الطائف رئيس الجمهورية من صلاحياته ووضعها عند مجلس الوزراء مجتمعًا وأبقى على ضرورة توقيع رئيس الوزراء على أي مشروع أو قانون، في حين لم يعد مهمًّا توقيع رئيس الجمهورية حيث يصبح القانون نافذًا بعد مدة. حدث في الماضي القريب حدثان مهمان بهذا الشأن
الأول: قدم الرئيس الياس الهراوي في أواخر عهده مشروع قانون الزواج المدني إلى مجلس الوزراء، طرح على التصويت فنال أكثرية الثلثين . لم يوقع دولة الرئيس رفيق الحريري القانون بل وضعه في الدُّرج واتصل بالمفتي قباني الذي كان بزيارة الى السعودية طالبًا عودته . قطع المفتي زيارته وعاد على عجل لمواجهة إقرار القانون. أيّد المفتي كل مسؤولي الطوائف. لا يوجد في الدستور مدة محددة لرئيس مجلس الوزراء للتوقيع على مشروعٍ حتى لو حصل على إجماع المجلس، وعليه ما زال قانون الزواج المدني في الدرج حتى اليوم .
الثاني : بعد استقالة الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة في عهد الرئيس إميل لحود وخسارتها ميثاقيتها، امتنع فخامته عن المشاركة في المجلس أو التوقيع على أي قانون. وكان فريق 14 آذار قد أطلق بوجه الرئيس قبل ذلك حملة ( فل ) . أكمل المجلس عمله المعتاد كأن شيئًا لم يحدث. هو لا يخالف دستوريا. خرق الميثاق للمرة الأولى والسبب ان الفريق الاميركي في لبنان كان في اوج التحدي للمقاومة حتى لو على حساب المسلمات والأعراف .
أتناول هذين الحدثين لأستخلص أن دستور الطائف أخل بالتوازن بين الطوائف لصالح الطائفة السنية، وحين كان لبنان محكومًا بالمارونية السياسية كان الحرم الكنسي يسقط على كل من يطالب بتعديل الدستور ، ولم يتعدل الا بعد حرب دمرت البلد لمدة 15 سنة انتهت بهزيمة المارونية السياسية وتدخلت بها كل الدول الاقليمية إضافة الى الدول الكبرى . اليوم يقع الحرم من دار الفتوى على كل من يطالب بتعديل الدستور فهل يبحثون عن حرب داخلية جديدة ؟؟
بقي لرئيس الجمهورية صلاحية أساسية واحدة وهي ضرورة التوقيع على التشكيلة الحكومية. اي يجب ان تتم بموافقته ، علما انها تحتاج إلى ثقة المجلس النيابي . الوسيلة الوحيدة لرئيس الجمهورية ليمارس سلطة او صلاحية في الحكم هي ان يأتي بوزراء يمثلونه وان يكون له ثلثًا معطلا يمنع فيه اي قرار كبير لا يناسبه .
لا يمكن مقارنة النظام الديمقراطي في لبنان مع اي نظام ديمقراطي في العالم . الأحزاب الكبيرة في لبنان هي أحزاب الطوائف وهي المظهر السياسي للطائفية، ورجال الدين الكبار يقفون خلف هذه الأحزاب ويدعمونها.. لا يوجد في لبنان حزب يمكنه أن يشكل أغلبية برلمانية منفردًا كما ولا يمكن اقامة تحالف سياسي بين حزبين او اكثر بهدف الحكم لان عدم مشاركة اي حزب طائفي كبير يعد انتقاصًا او تغييبًا للطائفة. حين شكل حسان دياب حكومته بدون حزب المستقبل لم يستطع الحصول على حظوة دار الإفتاء ونادي رؤساء الحكومة السابقين وكأنه ليس من طائفتهم بينما اعترضوا بشدة على دعوة القضاء له بحجة استهداف الطائفة السنية . في هذه الحال لا يتعلق الأمر بدياب بل بالموقع . لا تقبل الطائفة ان يسجل ان موقعها السياسي تحول الى القضاء.
هذه الطبيعة لأحزاب لبنان جعلت حكوماته بعد الطائف كلها حكومات وحدة وطنية تجمع الأقطاب، تؤمن الاستقرار ولا تنتج . اما الحكومات التي خرجت عن ذلك فقد حققت
المرارة خاصة في ظل انقسام سياسي استراتيجي .
يتوزع اللبنانيون جغرافيا على مناطق بعضها مختلط وبعضها ذو طابع طائفي. قسمت الدوائر الانتخابية اساسا بشكل يراعي ان الطائفة تنتخب نوابها . كان من الملفت ان تكون مدينة صيدا دائرة انتخابية( سنة ) في حين ان قضاء صيدا دائرة اخرى ( شيعة ) كما قسمت بيروت الى 3 دوائر راعت التوزع الطائفي. عُدل القانون وجعل الطائف المحافظة دائرة انتخابية لكن التطبيق خالف الدستور في كل مرة وتعدل القانون الانتخابي مرات والخلاف عليه مستمر وصولا الى طرح القانون الارثذوكسي الذي يطالب ان تنتخب كل طائفة نوابها . في النهاية توصل المجلس إلى قانون يراعي الطوائف من خلال الدائرة والقضاء والفرد . ( ولا يمكن ان يكون هناك تعقيد اكثر )
لم تخطر يوما ببال احزاب الطوائف قيم المجتمع الأساسية من حق وحرية وسيادة ، وقوة ونمو ومشاركة الإنسانية ماديا وحضاريا بل كرسوا ( قيما ) تهدم وتفتت المجتمع لأنها تعتبر الحق هو الحق الجزئي، فكل من منظوره محق والسيادة هي مشاركة أرباب الطائفة بالحكم، والمصلحة هي مصلحة الطائفة.
هل تتجرأ احزاب الطوائف على اقرار قانون انتخابي يجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة من خارج القيد الطائفي؟
لبنان يبقى بالمحبة ويفنى بالبغضاء وعلى ما يبدو فإن احزاب طوائف لبنان تستسهل زواله عن خسارتها لامتيازاتها
مأمون ملاعب
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي