بقلم : فاطمة يوسف بصل.
في ليلةٍ سكنت فيها السماء، وغاب القمر خلف ظلال الأرض، لم يكن الخسوف مجرّد حدثٍ فلكيّ، بل مشهد رمزيّ يشبه ما يُحاك على أرضنا من محاولات لطمس النور. وكأنّ نزع السلاح أشبه بتعطيل القمر في حضوره الأبدي… وكأنهم يقولون: «لنشطب الضياء، لنوقف نبض الكواكب، فربما يسهل علينا أن نعيد ترتيب ظلام هذا الكوكب كيف نشاء.»
لبنان، هذا الكيان المحكوم بالقلق، ما زال يتقلّب بين الخسوفات السياسية والانهيارات الأخلاقية. واليوم، يعود الحديث عن نزع سلاح المقاومة، لا كمشروع أمان، بل كأمنية لمن يخشون الضوء الذي لا يُدار بزرّ خارجي.
من قال إن السلاح فوضى؟
السلاح في يد من يعي قيمة الوطن، هو بوصلة.
هو كحبل النور في ظلمة النسيان.
هو صوت الأرض حين يخفت صوت الدولة، وصدى الكرامة عندما تُبتر حناجر الحق.
لكنّهم يريدونه أن يُنزَع... لا ليحلّ السلام، بل ليُجهز على ما تبقّى من نبضٍ لبنانيّ حرّ.
لقد رأيناهم من قبل، يُنادون بنزع السلاح، بينما الطائرات تملأ سماء الجنوب، والقرارات تُصنع في عواصم لا تعرف عن الخسارات إلا خرائط النفط.
هم لا يطلبون نزع السلاح، بل نزع الذاكرة.
يريدون شعباً ينسى كيف عاد من الموت، كيف حوّل ركام القرى إلى منابر حرية.
يريدوننا أن نعيش كما القمر في لحظة خسوفه: صامتين، غائبين، بلا ملامح.
لكننا أبناء القمر… لسنا أبناؤه في خسوفه، بل في ضيائه.
نؤمن أن الضوء لا يُطفأ إلا في عين العاجز.
وأن السلاح، حين يكون بيد العارف، هو صلاة الوطن في لحظة موته.
ألم ترَ أن القمر يعود بعد الخسوف؟
كذلك المقاومة…
تعود كلّما أرادوا دفنها.
تعود كلّما ظنّوا أن النسيان أقوى من الوعي.
تعود لأن الظلّ لا ينتصر على النور… بل يعيش على حافاته.
نزع السلاح؟
لا، بل نزع اليأس.
نزع التبعية.
نزع الخوف من صدق الانتماء.
وفي زمنٍ يُراد فيه للأرض أن تخضع، تبقى المقاومة قمرًا لا يخسف إلا ليعود أكثر توهجًا.
وحدهم العشاق الحقيقيون... يفهمون سرّ النور حين يغيب، ويعرفون أن بعض الغيابات ليست إلا تمرينًا على الحضور الأبدي.
نسخ الرابط :