الأدوية المنتهية الصلاحية: الصيادلة والمستوردون يتراشقون بـ«قنبلة موقوتة»

الأدوية المنتهية الصلاحية: الصيادلة والمستوردون يتراشقون بـ«قنبلة موقوتة»

خلاف بين نقابتَي الصيادلة والمستوردين بشأن الأدوية المنتهية الصلاحية، المتكدّسة في الصيدليات، وسط تبادل للاتهامات ومطالبة بتطبيق القانون ووضع آلية واضحة

 

Telegram

انفجرت أزمة الأدوية المنتهية الصلاحية أو تلك التي شارفت على الانتهاء بين نقابتَي الصيادلة والمستوردين. ففي الوقت الذي كانت تجري فيه النقاشات والمفاوضات بين الطرفين برعاية وزارة الصحة للاتفاق على آلية واضحة، أخرجت نقابة الصيادلة النقاش خارجَ الأبواب المغلقة، مع إصدارها بياناً تصف فيه هذه الأدوية بـ«القنبلة الموقوتة» التي تتهدّد حياة الصيادلة والمواطنين، مطالبة المستوردين بتطبيق القوانين التي تلزمها باسترجاعها.

وينبّه الصيادلة إلى أن تكدّس الأدوية على الرفوف في ظل العجز عن التصرف بها، يفتح الباب على أزمة أخرى، هي تلف الأدوية التي لا يوجد حتى اللحظة أي قانون أو خطة يسمحان بالتخلص منها في لبنان، لعدم وجود المقوّمات لذلك، وفي ظل الأكلاف الكبيرة التي تنتج من قرار تسفيرها إلى الخارج. ولذلك، كان القانون واضحاً، في إعطاء هذه المهمة للمستوردين.

ففي القانون، لا يوجد لبس في توزيع المسؤوليات بين نقابتَي الصيادلة والمستوردين، إذ تشير المادة 53 من القانون الرقم 363 (مزاولة مهنة الصيدلة)، إلى ضرورة إرسال «الصيدلي إلى المصنّع اللبناني أو المستورد المستحضرات التي لها تاريخ محدّد للاستعمال التي قاربت مدّتها على الانتهاء، وعلى المصنّع اللبناني أو المستورِد استبدال هذه المستحضرات وإبلاغ وزارة الصحة عن كل مستحضر بحوزته له تاريخ محدّد للاستعمال قاربت مدته على الانتهاء، ويتم تلف هذه المستحضرات تحت إشراف وزارة الصحة العامة». لكن، رغم وضوح النص القانوني، إلا أن تعامل الطرفين اليوم مع هذا الملف تحكمه الفوضى، والذي زاد مع الأزمة المالية، ودخول مرحلة الدعم التي أدّت إلى زعزعة العلاقة بين الطرفين.

وازدادت الفجوة مع قرار وزير الصحة السابق، فراس أبيض، عدم استرجاع المستوردين للأدوية التي شارفت صلاحيتها على الانتهاء، بتبرير أن الصيادلة ممنوعون من تخزين الأدوية المدعومة وصرفها للمرضى، خصوصاً في ظل الأزمة الحادّة في قطاع الأدوية. وبحسب الصيادلة، أسهم هذا القرار في خلق «ستوكات» من الأدوية المنتهية الصلاحية مع إحجام معظم الشركات عن استرجاعها، حتى مع انقضاء فترة الدعم وانتفاء موجبات القرار. وهو ما دفع وزارة الصحة منذ أشهر إلى رعاية لجنة تتمثّل فيها النقابتان للخروج بآلية واضحة تنهي هذه الأزمة. وطوال الأشهر الماضية، وحتى ما قبل خروج نقابة الصيادلة للتحذير من «القنبلة الموقوتة»، كانت هناك مباحثات ونقاشات لمسوّدات مُقدّمة من الطرفين، إلا أنها لم تنته إلى اتفاق مقبول منهما حتى اللحظة.

وجهتا نظر
وفي ظل المراوحة في المكان نفسه، طرحت نقابة الصيادلة الأزمة على العلن، وبات ملف الأدوية المنتهية الصلاحية تحكمه وجهتا نظر. فمن وجهة نظر الصيادلة، ثمّة إحجام من المستوردين والمصنّعين عن استرجاع هذه الأدوية التي تتكدّس في الصيدليات والتي تجعل «الصيدلي عرضة لارتكاب الأخطاء، أضف إلى كونه لا يستطيع التصرف بها خلافاً للقانون»، على ما يقول نقيب الصيادلة، جو سلوم.

وتضيف مصادر نقابة الصيادلة أن نقابة المستوردين اتّخذت من قرار أبيض شمّاعة لتكمل بذلك العبور فوق القانون كأنه لم يكن، إذ يشكو معظم الصيادلة الذين تواصلت معهم «الأخبار» من أن «الشركات لا تطبّق القانون الذي ينصّ على استرجاع كل المرتجعات بغضّ النظر عن الكمية»، مشيرين إلى أن «هذه الأخيرة تمارس استنسابية وانتقائية في التطبيق، فبعضهم يسترجع عبوتين أو ثلاثاً من كل صنف والبعض الآخر يرفض استرجاع أيّ شيء من دون إعطاء المبرّرات لذلك».

أما وجهة النظر الأخرى، فعبّر عنها نقيب المستوردين، جو غريب، الذي قال إن «موقف المستوردين هو استرجاع الكميات المُتفق عليها حسب البروتوكول الساري المفعول بيننا وبين نقابة الصيادلة في لبنان، ضمن كميات لا تشجّع على الهدر». وهذا يعني «كميات معقولة لا عشرات ملايين الأصناف». ويشير غريّب إلى أنه بحسبة بسيطة، ووفقاً للبروتوكول المعمول به، الذي حدّد الكميات المُرتجعة من كل صيدلية بـ«4 عبوات من كل صنف»، فإن «كان لدينا 4 آلاف صنف مسجّل، فهذا يعني 16 ألف عبوة من كل صيدلية».

بذلك، يخلص غريّب إلى أن نقابته ملتزمة بالقانون، الذي يعمل به الصيادلة على «القطعة». ويتّهمهم بأنهم «يتغاضون عن النص الذي يشير إلى ضرورة إبلاغ الصيادلة عن الكميات قبل ثلاثة أشهر من انتهاء صلاحيتها»، داعياً إياهم إلى الأخذ بالقانون كما هو «ليس كما تفرضه الأذواق».

يقول المستوردون إنهم ملتزمون باسترجاع «كميات معقولة لا عشرات ملايين الأصناف»


ما يقوله غريّب ليس إلا جزءاً من النقاش الذي لا توافق عليه حتى اللحظة مع نقابة الصيادلة. أما الجزء الآخر، فهو استغرابه وجود أدوية منتهية الصلاحية «في الوقت الذي يُحكى فيه عن انقطاع حادّ في الأدوية»، مشيراً إلى أن «اليوم هناك كميات من الأدوية كانت مفقودة خلال الأزمة وانقضى الوقت وانتهت مدة صلاحيتها التي هي في الغالب ثلاث سنوات ومطلوب منّا استرجاعها».

وهو إذ يغمز من باب التخزين الذي قامت به بعض الصيدليات خلال الأزمة، يشكّ من الناحية المقابلة في أن تكون هناك أصلاً أدوية منتهية الصلاحية، ليخلص إلى القول إن ما تفعله نقابة الصيادلة اليوم «اختلاق أزمة غير موجودة وأخذ الرأي العام رهينة لتحقيق مكاسب لها صلة بالمفاوضات التي تجري اليوم برعاية وزارة الصحة». أما في حال وجود كمية من الأدوية المنتهية الصلاحية، كما تقول نقابة الصيادلة، فيطالب غريّب وزارة الصحة بـ«فتح تحقيق في هذا الملف، لأنه من المعلوم أن تاريخ صلاحية الأدوية هو ثلاث سنوات، فهذا يعني أن هذه الأصناف عملياً أُخذت في فترة الأزمة».

سياسة «كيف ما كان»
فتح غريّب بنقاشه العلني باباً من الخلاف لن تكون خاتمته قريبة، مع تشديد الصيادلة على تمسّكهم بالقانون «الذي يفرض تسلّم المسترجعات كاملة» بغضّ النظر عن الكميات، لافتين في الوقت نفسه إلى «تقاعس المستوردين منذ ثلاث سنوات عن استرجاعها، ما أدّى إلى تكدّسها في الصيدليات بكميات كبيرة».

أما الفجوة الأخرى، فهي ما يتعلّق بالبروتوكول بين الطرفين، إذ لم يحظَ بعد بموافقة نقابة الصيادلة «ونحن نلتزم في الأصل بالقانون الذي يلزم الشركات بتسلّم كامل الكميات».

هذا ما يحسمه الصيادلة، انطلاقاً من عدم التزام المستوردين بقاعدة «خطوة بخطوة». وتضيف مصادر نقابة الصيادلة أن النقابة طلبت من المستوردين «كما كان يجري سابقاً مع المكاتب العلمية تعويض الأسعار، عندما ينخفض سعر دواء كنا نأخذ في مقابل الخسارة في السعر أدوية أخرى أو أي شيء يحفظ حقوقنا، إذ لا يمكن أن نتحمّل الخسارة وحدنا». وتتابع: «ما يجري اليوم هو تحميلنا هذه الخسائر بعد إقفال المكاتب العلمية، أضف إلى أن تخفيض أسعار الأدوية يفرض عليهم إبلاغ الوزارة والمعنيين قبل 6 أشهر من دخوله حيز التنفيذ وهو ما لا يفعلونه». وتختم مصادر نقابة الصيادلة بالإشارة إلى أنها «تقدّمت بمسوّدة مكتملة لحل أزمة الأدوية ولا تزال في إطار النقاش».

ما الذي أوصل الأمور إلى هنا؟ الجواب هو عدم وجود سياسة دوائية تفرض على الطرفين التعامل مع الأدوية بحسب حاجة كل منهما، وبالتالي حاجة السوق. فما يجري اليوم هو المزيد من تشريع باب الفوضى عبر سياسة بعض المستوردين باستيراد«كيف ما كان»، وطلب بعض الصيادلة ما يفوق الحاجة «وصرفها أيضاً كيف ما كان».

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram