خاص "iconnews"
لم تكن تلك الكلمات التي أطلقها الموفد الأمريكي، توم براك، على منبر جمهورية "بعبدا السيادية" مجرد زلة لسان دبلوماسية، بل كانت صفعة مدوّية على وجه كل من توهّم أن لهذه الدولة هيبة أو كرامة تحميها.
فالرجل، الذي جاء من واشنطن حاملاً "نصائحها" وتهديداتها المبطنة، لم يجد حرجاً في وصف المشهد الإعلامي اللبناني، وهو جزء من سيادة البلاد وضميرها، بأنه "فوضوي وحيواني". ثم يأمرهم، كأنهم خدم في قصره، "تصرفوا برقيّ"! وكأن "الرقي" هو الصمت على الإهانة وابتلاع الإذلال.
المشهد الأكثر إهانة: الصمت المطبق
لكن الإهانة الحقيقية لم تكن في قول براك الوقح، بل في المشهد الذي تلاه. ذلك الصمت المطبق من الصحافيين الذين تحوّلوا فجأة من كلاب حراسة تزمجر في وجه المسؤول المحلي إلى حملان وديعة في حضرة السيد الأجنبي. لقد قبلوا الإهانة بكلّ برود، وكأنها إحدى "شروط المساعدة الأمريكية"! سؤالهم التالي كان: "هل من تعليق إضافي، سعادة السفير؟".
هنا يُسأل السؤال المحرج: ماذا لو كان هذا المبعوث إيرانياً؟ ماذا لو تجرّأ دبلوماسي من جمهورية إيران الإسلامية ووصف الصحافيين بتلك العبارات نفسها؟
الجواب واضح وكالصاعقة: لَقامت الدنيا ولَم تقعد. لانطلقت البيانات النارية من كل "التيارات السيادية"، من نداءات الاستنكار في بعبدا إلى خطابات الساحات، وصولاً إلى فتاوى التكفير والتخوين. لَشُغّلت آلة الإعلام "المقاوم" والـ"سيادي" على أعلى طاقاتها، ولتحوّل الخبر إلى قضية كبرى تهدّد "كرامة الأمة" و"سيادة الوطن". لَتحرّكت فرقة الأوركسترا السيادية بكامل طاقمها لتعزف سيمفونية الغضب المقدّس.
معايير سيادية.. انتقائية ومزدوجة
الحدث يكشف، مرة أخرى, المعيار المزدوج والازدواجية المفرطة في تعريف "السيادة" لدى بعض القوى. فـ"السيادة" عندهم هي ذلك الغضب الانتقائي الذي يُستدعى فقط عندما يتعلّق الأمر بخصومهم. هي درع تُرفع في وجه طهران، ولكنها تُنكّس إلى نصف السارية، بل وتُطوى أحياناً، عند بوابات البعثات الغربية.
السيادة الحقيقية ليست شعارات ترفع في الساحات ضد خصم محدد، بل هي موقف ثابت ومبدئي يدافع عن كرامة الوطن وشعبه أينما جاء التعدي ومن أي جهة كان. السيادة هي أن يكون ردّ الصحافي اللبناني على براك فورياً وحازماً: "كرامتنا ليست للبيع، ولا نقبل التحدث إلينا بهذا الأسلوب". السيادة هي أن يغادر الوفد الصحافي القاعة بشكل جماعي احتجاجاً على الإهانة.
إهانة مقبولة.. لأن مصدرها "صديق"!
للأسف، لقد قبلت "السيادة" في بعبدا والمشهد الإعلامي المرتبط بها بهذه الإهانة لأنها، ببساطة، جاءت من "الحليف" و"الصديق". لقد كشف توم براك بقسوته، وكشف الصحافيون بصمتهم، الحقيقة المرة: أن هناك من يعتبر أن الإهانة الأمريكية مُستثناة من قائمة "المواقف المبدئية"، بل وربما هي "دلالة حب" و"تأديب أبوي" يجب شكره عليها!
إنها ليست إهانة توم براك فقط، بل هي اختبار حقيقي فشلت فيه قوى السيادة الشكلية فشلاً ذريعاً. فمن يسكت على إهانة كرامته بحجة أنها من حليف، يفقد الحق في التحدث عن السيادة عندما يأتي الخصم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :