مشروع شمشون.. كيف تخطط إسرائيل للانتحار عبر سلاحها النووي؟
في صباح استثنائي من خريف 1956، كانت إسرائيل تشهر سيفها هي وفرنسا وبريطانيا في حرب ستعرف بالعدوان الثلاثي على مصر. ولكن خلف ضجيج المدافع وحركة الأساطيل، كان ثمة مشروع آخر يولد في الظل، مشروع أخطر من قصف المطارات واحتلال قناة السويس.
ففي ذات اليوم، وفي مكان بعيدٍ عن ساحات القتال، أمسك جندي إسرائيلي بقلم وكتب على جسم معدني بارد عبارة قصيرة: "لن يحدث ذلك مجددا"! قاصدا عهد الاضطهاد النازي في النصف الأول من القرن العشرين. ليس مهما من هو الجندي، ولا حتى مضمون العبارة، بقدر ما كان مهما أين كتبها.. لقد كتبها على أول قنبلة نووية إسرائيلية تنتجها إسرائيل!
ما قبل إسرائيل.. ولادة الفكرة الأولى
كان أرنست ديفيد بيرغمان رجلا نحيلا شاحب الملامح، ومدخنا شرها لا تفارق السيجارة يده. خلف ذلك الجسد الهزيل كان يختبئ العقل المدبر لأحد أخطر مشاريع إسرائيل على الإطلاق؛ مشروعها النووي. وُلد بيرغمان لأسرة يهودية بارزة؛ فوالده كان من كبار حاخامات برلين، وصديقا مقربا لاسم بارز في الحركة الصهيونية هو حاييم فايتسمان، عالم الكيمياء الحيوية الروسي اليهودي الذي استقر في بريطانيا.
في عام 1933؛ كانت السياسات النازية قد بدأت تخنق الوجود اليهودي في ألمانيا، حتى كان من شبه المستحيل أن يحصل أكاديمي يهودي على فرصة عمل في برلين. ولكن بفضل علاقة والده بفايتسمان، حصل بيرغمان على وظيفة في جامعة مانشستر، حيث سيواصل أبحاثه في شطر الذرة. وهناك، سيلفت انتباه اللورد تشيرويل، كبير المستشارين العلميين في حكومة تشرشل قبل الحرب العالمية الثانية.
عمل بيرغمان في مشاريع دفاعية لصالح بريطانيا، ورغم شح المعلومات عن طبيعة مهامه، فإن المؤكد أنه بحلول منتصف الثلاثينيات كانت له اتصالات وثيقة بالحركة الصهيونية. لم يكن وحده في ذلك؛ ففايتسمان نفسه كان على صلة وثيقة بالمشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لاحقا؛ ستطلب الحركة الصهيونية من فايتسمان أن يرسل أحد المتخصصين في الكيمياء إلى فلسطين للمساهمة في إنتاج مادة شديدة الانفجار لاستخدامها ضد البريطانيين والعرب.
وبالطبع تبدو القصة واضحة؛ إذ لم يكن أمام فايتسمان من خيار أفضل من ابن الحاخام، سيذهب بيرغمان إلى الأراضي المقدسة، وهناك سيصبح عضوا في اللجنة الفنية لـ"الهاغاناه"، وسيترقّى فيها لدرجة أنها ستختاره عام 1939 للسفر إلى فرنسا لتبادل الخبرات مع علماء فرنسيين كانوا في تلك الفترة يخوضون مواجهات استعمارية في شمال أفريقيا.
عاش بيرغمان تجربة النازية حتى نهايتها بهزيمة هتلر، ثم استقر في فلسطين ليساهم في تأسيس "معهد فايتسمان للعلوم" جنوب تل أبيب. حاول فايتسمان لاحقا إقامة تعاون مع أوبنهايمر وفريق "مشروع مانهاتن"، إلا أن محاولاته باءت بالفشل رغم دعوتهم مرارا وتكرار لزيارة فلسطين المحتلة.
برز اسم بيرغمان في المجتمع العلمي الإسرائيلي بعد نكبة 1948، حيث قُدّم باعتباره عالما لامعا في الكيمياء العضوية ومديرا لقسم الكيمياء في "معهد فايتسمان"، قبل أن يتولى رئاسة لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية. وفي الظهور الإعلامي النادر له، كان يتحدث عن ضرورة امتلاك إسرائيل للطاقة النووية "لأغراض سلمية"، خاصة في ظل عداوة الدول العربية وعدم إمكانية الاعتماد على النفط المستورد منها.
أبلغ بيرغمان المقربين منه أن حقول الفوسفات الضخمة في المنطقة لا تحوي سوى كميات محدودة من اليورانيوم. لكنه في عام 1953، قاد فريق الباحثين في "معهد فايتسمان" لتطوير تقنية لإنتاج الماء الثقيل اللازم لتشغيل المفاعلات النووية.
وفي العام التالي، أعلن بفخر تقدم إسرائيل في "الأبحاث النووية السلمية". كما انضمت إسرائيل في عهد الرئيس الأميركي أيزنهاور إلى برنامج "الذرات من أجل السلام"، الذي منحها أول مفاعل نووي "لأغراض سلمية".
لم يكن بيرغمان مخادعا بالكامل؛ فقد كان يؤمن بالفعل بجدوى الطاقة النووية السلمية، لكنه كان يدرك أيضا أن هذا المشروع يمثل الغطاء الأمثل للتوجه نحو تصنيع القنبلة النووية. وقد وجد حليفا سياسيا وفكريا يؤمن أكثر منه بضرورة امتلاك إسرائيل للردع النووي، هو دافيد بن غوريون، وشابا آخر يدعى شمعون بيريز عُيّن وزيرا للدفاع في الثلاثين من عمره، وأخضع لجنة الطاقة الذرية لإشرافه المباشر.
ثلاثةُ رجال، وحُلمٌ مشترك، وإيمانٌ عميق بالمشروع. لم يكن ينقصهم إذن سوى شيء واحد؛ الحليف.
في ظلال كابوس لا ينقضي؛ كان يعيش دافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ لم يكن يرى العرب أقل خطرا على اليهود من النازيين؛ بل كان يرى في جمال عبد الناصر صورة محدثة لهتلر.
لذا؛ فقد اعتبر الردع النووي الضمانة الوحيدة لئلا تتكرر "المحرقة". فقد كان يعتقد أن العرب لن يتخلوا عن حلم تدمير إسرائيل إلا إذا أيقنوا أن هذه الدولة الصغيرة تمتلك القدرة على إبادتهم إن هم حاولوا ذلك.
كان بيرغمان يقاسم بن غوريون هذا الاعتقاد، وكان يردده علنا: "أنا مقتنع بأن دولة إسرائيل تحتاج إلى برنامج أبحاث دفاعي خاص بها، حتى لا نصبح بعد الآن خرافا نُساق إلى المذبح".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي