بقلم رشيد حاطوم
شكّلت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء السورية،وما صاحبها من تصعيد دولي، منعطفاً جديداً ليس فقط على مستوى الصراع في سوريا، ولكن أيضاً على مستوى تمثيل الطائفة الدرزية في لبنان والمنطقة. وفي خضم هذا المشهد المتأزم، برزت تحوّلات سياسية لافتة، تمثلت في تهميش واضح لدور الزعيم التقليدي للدروز في لبنان وليد جنبلاط، مقابل صعود متسارع لنجم الشيخ الروحي للطائفة، موفق طريف، كلاعب رئيسي ومتحدث شرعي باسم المجتمع الدرزي على المسرح الدولي.
الزعامة التقليدية وتآكل النفوذ:
لعقود طويلة،احتكرت عائلة جنبلاط، وتحديداً وليد جنبلاط، تمثيل الطائفة الدرزية سياسياً وإعلامياً. وفي هذا السياق، يرى مصدر سياسي مُتابع لمسيرة جنبلاط أنه تربّع على قمة الزعامة في عهد الرئيس السوري الأسبق المرحوم حافظ الأسد، حيث أسند الأخير إليه دورًا أكبر من حجمه بكثير، حتى بات يسمى "الرئيس الرابع" في لبنان. لكن بعد رحيل حافظ الأسد، بدأ نجمه بالأفول تدريجيًا. اعتمد جنبلاط لاحقًا على نفوذه التاريخي وعلاقاته المعقدة داخل النظام اللبناني والإقليمي. ومع اندلاع الحرب في سوريا، وضع جنبلاط نفسه في تحالف واضح مع المعارضة السورية، وهو موقف أدى إلى انقسام داخلي في المجتمع الدرزي اللبناني، حيث يرى كثيرون أن هذا الموقف يعرّض الدروز في سوريا (في جبل العرب والسويداء) للخطر، ويفكك تحالفات الطائفة التاريخية. ويضيف المصدر أن جنبلاط تقلّب كثيرًا في مواقفه بمرور أحداث عصيبة في المنطقة، مؤكدًا أن "المرحلة الذهبية" في عهد حافظ الأسد هي إرث لن يتمكن وليد جنبلاط من استعادته أو بلوغه مجددًا في المدى المنظور.
هذا الموقف، إلى جانب الانقسامات الداخلية في لبنان وتراجع الدور السياسي للزعامات التقليدية بشكل عام، أدى إلى تآكل شرعية جنبلاط كالمتحدث الوحيد باسم جميع الدروز، فلم يعد صوته يعبر بالضرورة عن إرادة القاعدة الشعبية والمخاوف الوجودية للطائفة، خاصة فيما يتعلق بمصير إخوتهم في سوريا.
صعود النجم الروحي والدولي للشيخ طريف:
في المقابل،شهدت السنوات الأخيرة، وخاصة مع تصاعد حدّة الأحداث في السويداء، صعوداً مطرداً للشيخ موفق طريف، الذي يشغل منصب شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة.
لم يأتِ هذه الصعود من فراغ، بل جاء تتويجاً لمسيرة حذرة وموقف وسطي حاول من خلاله الحفاظ على وحدة الطائفة وتماسكها، وعدم جرّها إلى صراعات إقليمية قد تهدد وجودها.
لم يعد دور الشيخ طريف مقتصراً على الشؤون الدينية والروحية فحسب، بل تجاوزها ليصبح دبلوماسياً وقائداً مجتمعياً. خطاباته التي تركز على "الحياد" و"حماية المجتمع" و"رفض التقسيم الطائفي" وجدت صدى واسعاً لدى الدروز في لبنان وسوريا على حد سواء، الذين يعيشون حالة من القلق الوجودي على مستقبلهم.
لقاء براك تويج للشرعية الدولية:
اللقاء الذي جمع الشيخ موفق طريف أمس مع المبعوث الدولي توماس براك في باريس ،لم يكن مجرد لقاء عابراً، بل كان رسالة سياسية بالغة الأهمية. في هذا اللقاء، تحدث طريف بوضوح عن مخاطر التصعيد في السويداء، وعن ضرورة حماية المدنيين الدروز هناك، معبراً عن هموم طائفته بمصطلحات سياسية دولية مفهومة.
هذه الخطوة تكرّس عدة أمور:
أولاً، اعترافاً دولياً بأن الشيخ طريف هو الممثل الشرعي والأكثر مصداقية للحديث باسم المصالح الدرزية العليا. ثانياً، تجاوز الحدود المحلية للصراع ورفع القضية إلى مستوى دولي، حيث أصبح طريف محاوراً مباشراً مع قادة عالميين سابقين لهم تأثيرهم.
ثالثاً، إظهار قدرة على التواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك الجانب الإسرائيلي، الذي يشكل مصدر قلق رئيسي للدروز على جانبي الحدود، مما يعزز صورته كزعيم واقعي وحكيم يضع مصلحة شعبه فوق كل اعتبار.
الأحداث في السويداء مثلت محكاًحقيقياً لكافة القوى في المنطقة، وكشفت عن تحول عميق في بنية التمثيل السياسي داخل المجتمع الدرزي. بينما يبدو نجم وليد جنبلاط آخذاً في الأفول تحت وطأة التحالفات الإقليمية المعقدة والمواقف المثيرة للجدل، يبرز الشيخ موفق طريف كقوة ناعمة جديدة، يعتمد على شرعيته الدينية والاجتماعية وقدرته على التواصل الدولي لملء الفراغ وإسماع صوت طائفته في أروقة السياسة العالمية، مما يرجح أن المشهد القادم سيشهد المزيد من تراجع الزعامات التقليدية لصالح قيادات أكثر ارتباطاً بالهم الوجودي للطائفة وأكثر مهارة في التعامل مع لعبة الدول.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :