بقلم : الدكتور محمد هاني هزيمة محلل سياسي وخبير استراتيجي
في قلب هذه الرقعة المتعبة من العالم، تتكرّس معادلة غريبة: حكومات تبدو كاملة الشكل، لكنها ناقصة الجوهر؛ أنظمة تمارس سلطة،ولا تملك القرار. كل ما يبدو ثابتًا، هو في الحقيقة مؤقت، مؤجل، رهينة الخارج.
تُبنى الحكومات في الشرق الأوسط كـ"مهمّات" مؤقتة، وليس كإرادة نابعة من صناديق الشعب. مهمات تنتهي بانتهاء الدور، وتُعدّل بمجرد تغيّر موازين القوة في دول صناعة القرار وبمقدمها أميركا التي تحرك أنظمة، ظاهرها سيادي، وباطنها وظيفة داخل ترتيبات إقليمية ودولية والأمثلة حية من واقع اليوم:
ففي لبنان تتعطل السياسة ولا يعطي لنتائج الانتخابات دورها ليس لأن الشعب مختلف، بل لأن الخارج هو الذي يحسم الٱن ، الحكومات تُشكّل بتوازن دقيق بين الرضا الأميركي السعودي واحيانا تراعي والفرنسي أو الإيراني .... فاين هي السيادة؟ هي مجرد شعار يرفع في خطاب ويسقط أمام المصالح على حساب الوطن
في العراق رغم الانتخابات، لا تُحسم القرارات إلا بتفاهم خارجي. الصراع الداخلي مغطّى بطبقات من النفوذ الإقليمي والدولي وصلت فيه الوقاحة الأميركية للتدخل في شؤون داخلية وعلاقته مع الجمهورية الإسلامية بعد أن الزمت بتقديم صحيت ونفط لنظام الانقلاب في سوريا فأين تكمن السيادة واين حدود المهمة
في فلسطين الدم يسيل، والمقاومة تُحاصر، وكل شيء مرهون بمفاوضات لا تبدأ إلا بموافقة تل أبيب وواشنطن، بينما "السلطة" عاجزة حتى عن حماية مواطنيها في نابلس أو جنين لا بل تنسق أمنيا مع العدو الصهيوني وتعتقل المقاومين وما خفي اعظم
أما سوريا التي غابت عن المشهد وتحولت إلى أرض ملتهبة لا تزال خريطة النفوذ تُرسم بقلم أمريكي اسرائيلي تركي ودور روسي بينما تعيش البلاد شكلاً لا يشبهه شي شعب بلا قرار وبلا مستقبل
يبقى اليمن الساحة الأكثر وضوحًا البلد الذي فرضت عليه حرب سعودية إماراتية قاسية عاصفة الحزم هو اختار مرة جديدة الحرب على اسراىيل لحساب الأمة وقصيتها وليس لأجندات خارجية كحال البلدان العربية
يبقى حكومات الخليج التي تمثل المصالح الغربية في المنطقة وتنفذ تعليماتها وهي التي ترسم لها سياستها وحدود تعاونها حتى مع بعضها واضيف إليها مهمة دفع الجزية مع مهمة التطبيع وتجيبر كل مقدرات الأمة ومذهلة الصراع بخدمة المشروع الاستعماري للمنطقة وقاعدته المتقدمة اسرائيل
أنظمة تنفّذ لا تُقرّر
أنظمة وظيفية تُفكّر بمنطق "المهمّة": ما هو المطلوب؟ من الذي يجب إرضاؤه؟ كيف نُقدّم أوراق الاعتماد؟
وهكذا يصبح الحكم نوعًا من الإدارة التنفيذية، وليس قيادة وطنية. كما هو واقع الحكومة في لبنان التي تناقش ورقة أميركية تحمل مطالب اسرائيلية ويُقال إن الحكومة لبنانية والقرار سيادي فقط ضمن مساحة ضيقة جدًا، مرهونة بالتفاهمات الخارجية وليس للإرادة الشعبية يدعمها إعلام الوظيفي تحول الى سلطة مسخّرة ولم يبقى السلطة الرابعة بمشهد لم سقط فيه الإعلام بدل أن يكون مرآة للناس، تحوّل إلى مرآة لسلطة تمارس انقلاب وتجر إلى خراب ، قنوات تُدار بأموال من الخارج، وتروّج لرؤية مموليها، لا لحقيقة الشارع
في لبنان، يُوظَّف الإعلام لتأجيج الانقسام الطائفي وفي فلسطين، يُغتال الصحفيون فقط لأنهم قرروا أن يقولوا الحقيقة.
وفي كل بلدٍ يرزح تحت السلطة الوظيفية، يتحوّل الإعلام من سلطة رابعة إلى لسانٍ مأجور.
لتبقى الشعوب وحدها ليست "وظيفية"
وسط هذا الخراب المُقنّع، تبقى الشعوب الحرة عنصر غير القابل للبرمجة تخرج من تحت الرماد، تهتف رغم القمع، وتقاطع رغم التهويل.
من بغداد إلى بيروت، من رام الله إلى صنعاء، هناك من يقول لا.
وهي "لا" ليست مجرد صرخة، بل بداية الوعي بأن الكرامة لا تُدار من الخارج.
فحين تنطق السلطة بلسان الإعلام... وتُخدّر الشعوب بالصوت والصورة في زمن الأنظمة الوظيفية، لا تُطلق الرصاصات فقط من البنادق، بل من الشاشات فالإعلام الذي خُلق ليكون ضمير الناس، جريمة أن يتحوّل لمتحدث رسمي باسم مهمّات خارجية، يغلف الانهيار بالمصطلحات، ويجمّل القمع باسم "الاستقرار".
وهكذا، تتكامل اللعبة:
حكومات تُنفذ، أنظمة تُنفَّذ، وإعلام يُنفّذ.
لتبقى الشعوب في دائرة الانتظار إلى أن تنفجر، لا بقرار دولي، بل بنداء داخلي لا يشبه أي وظيفة نداء الحرية ثقافة مقاوم
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :