حكومة إسقاط لبنان أو إسقاط حكومة غير لبنان؟
أولاً: القرار الذي اتخذته حكومة نواف سلام بالموافقة على ورقة المبعوث الأميركي رفضه الوزراء الذين يمثلون إحدى الطوائف الثلاث الكبرى. وبما أن الدستور اللبناني في مقدمته نصّ على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، ونص في المادة 95 على وجوب تمثيل الطوائف بصورة عادلة في مجلس الوزراء، فإن هذا القرار كان غير ميثاقي ولم يكتمل فيه شرط العدالة الطوائفية، وبالتالي فهو قرار غير شرعي وغير دستوري.
القول إن الطائفة الرافضة ممثلة في مجلس الوزراء لغوٌ، فالتمثيل ليس عملاً رمزياً، بل هو طريق إلى المشاركة الفاعلة في صنع القرار، ولا سيما القرار الوطني.
وإذا لم تحصل المشاركة، فقد تعطّل التمثيل فعلياً. قد يتذرع البعض بالقول إن الدستور نصّ على أكثريتين موصوفتين لاتخاذ القرارات فيه، ولكنّ هاتين الأكثريتين تفصيل إداري لا يلغي شرط الميثاقية ولا يفسر الديموقراطية التوافقية التي هي أساس التجربة اللبنانية. والذين يتابعون ما يجري يعرفون مدى تشدد ممثلي الطوائف في الدفاع عن حقوقها، إلى حد تعطيل مرسوم مأموري الأحراج لعدم توازنه طائفياً على الأقل. والحكومة حين اتخذت القرار، فقدت شرعيتها ودستوريتها، وبات القرار ساقطاً منعدم الوجود لأنه مشروط بعدالة التمثيل.
ثانياً: حكومة سلام التي تصرفت بلا مسؤولية يجب أن تُسأل: كيف تريد أن تنفذ القرار غير الشرعي الذي اتخذته سلطة غير شرعية؟ يجاهر بعض أركانها بأن الجيش سيكلف بتنفيذه. أي إن الجيش سيُزجّ في مهمة شن حرب على أكثر من نصف الشعب اللبناني الذي يؤيد المقاومة ويرفض الاستسلام وتسليم سلاحه.
إذن:
1 – هذه الحكومة التي لا تكلف الجيش بالتصدي للاعتداءات الإسرائيلية بذرائع كثيرة لكنها واهية وطنياً، ومنها عدم تعريض الجيش لـ«الضربة الساحقة» على يد الجيش الإسرائيلي، لا ترى بأساً في أن تزجه في حرب أهلية. أَبَعدَ هذا السلوك عارٌ ينحدر إلى درك الخيانة العظمى؟
2 – ألا يدرك هذا الموظف الذي كان سادناً لأحد هياكل الكولونيالية المتواصلة، أنّه ما من مرّة زُجَّ فيها الجيش ضد جزء من شعبه إلا انقسم الجيش والشعب ودخلت البلاد في أتون حرب وحشية؟
3 – هل بلغت الوقاحة بهذا الموظف، المستعمر ثقافياً وذهنياً، أن يتعامل مع الجيش، بضباطه وجنوده، كأنه ملك شخصي يعبث به كيف يشاء؟ لقد نسي، وهو يهدد بشارع مقابل شارع، أنه صار رئيس حكومة في ليل بهيم باتصال هاتفي من عاصمة دولة إقليمية معروفة، وأنه لا شعبية له حتى في ادعاء تمثيل طائفته، لأن الممثل الحقيقي لها يُعدَم سياسياً كل يوم لمجرد رفضه الانخراط في الحرب المذهبية.
الآن وقت مصارحة اللبنانيين: حكومة نواف سلام تنصب للجيش وللشعب وللمقاومة فخاً دموياً لن يبقي لبنان. هذا ليس توصيفاً خطابياً بل تحذير من مسار واضح المعالم؛ فالتاريخ الحديث، في لبنان وخارجه، يثبت أن توريط الجيوش في صراع داخلي هو وصفة مضمونة لانقسام المؤسسة العسكرية، وتفكك النسيج الاجتماعي، وفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية التي تجد في الفوضى بيئة مثالية لمدِّ نفوذها.
إن الواجب الوطني يقضي بترحيل هذه الحكومة فوراً، لأن بقاءها يتناسب عكسياً مع بقاء لبنان. والقول إن إسقاط الحكومة سيؤدي إلى فراغ سياسي هو قلب للحقائق، فالفراغ الحقيقي هو في وجود سلطة تعمل ضد ميثاق العيش المشترك، وتدفع نحو المواجهة الداخلية بدلاً من حماية الحدود والسيادة.
هذه ليست حكومة إنقاذ ولا حكومة إدارة أزمة، بل حكومة إدارة انهيار، إذ إنها تغضّ النظر عن الخرق الإسرائيلي المستمر للسيادة، بينما تتهيأ لتسخير الجيش في مواجهة شعبه. وحين يتحول الجيش من مؤسسة جامعة إلى طرف في نزاع داخلي، تكون آخر ركائز الكيان اللبناني قد بدأت بالتداعي.
من يريد لبنان واحداً موحداً، عليه أن يرمي هذه الحكومة حيث يجب أن تكون: في زاوية الخيانة من التاريخ. فهنا الخيانة ليست مجازاً لغوياً، بل توصيف لفعل يضرب أسس السيادة، ويهدد الوحدة الوطنية، ويضع البلاد على طريق الانتحار الجماعي.
إن الخيار أمام اللبنانيين بات واضحاً: إما إسقاط هذه الحكومة قبل أن تُسقِط لبنان، أو القبول بأن نصبح جميعاً شهوداً على النهاية الرسمية لفكرة الوطن. وفي الحالتين، سيحكم التاريخ بلا هوادة على من صمتوا وعلى من شاركوا في جريمة التفريط بلبنان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي