السويداء… بين براثن "إسرائيل"

السويداء… بين براثن

 

Telegram

 



خلال معركة زحلة في 1981 بين القوات اللبنانية والجيش السوري، طلب بشير الجميل من الإسرائيليين مهاجمة الطيران الحربي السوري فكان رد رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، مناحيم بيغن:

«… السوريون استخدموا حوامات زودهم بها السوفييت والفرنسيون. الجبل هو نقطة استطلاع أساسية يمكن منها قصف مدينة جونية وهي الميناء الوحيد الذي يستخدمه المسيحيون، ولذا يكون بإمكان السوريين ـ من وجهة النظر المسيحية- فرض حصار على لبنان. المسيحيون يواجهون الآن خطراً داهماً، ونحن ملتزمون أخلاقياً بإنقاذهم وسوف ننجدهم.» على إثر ذلك تدخل الطيران الإسرائيلي وقام بإسقاط طوافتين سوريتين وأصبح بشير الجميل بعد هذه المعركة من اهم القادة المسيحيين.

كانت إسرائيل في 1978 قد اجتاحت الشريط الحدودي في لبنان وخلقت «جيش لبنان الجنوبي» المعروف بجيش لحد وادعت حماية المسيحيين. بعد ذلك في حزيران 1982 غزت إسرائيل كل لبنان ووصلت إلى بيروت. بعد احتلالها الشوف وعاليه دخلت القوات اللبنانية بقيادة حليفها بشير الجميل واقامت الثكنات والحواجز على مداخل القرى ذات الأغلبية الدرزية وبدأت حملة اعتقالات واهانات ضد أهالي هذه المناطق الدروز والمسيحيين المناوئين لهم.

 بعد مقتل بشير على يد المقاومة الوطنية، زادت حدة التجاوزات وزاد التذمر الدرزي منها واعتبروها تهديد وجودي. في ذات الوقت كان الجيش الإسرائيلي قد زج بالكثير من الجنود الفلسطينيين الدروز المجندين في الجيش الإسرائيلي إلى المناطق الدرزية وكذلك سمح للعائلات الدرزية في فلسطين المحتلة بزيارة اقربائهم والتعرف عليهم في الشوف وعاليه. أمام هذه الواقع اشتكى الدروز امرهم للسلطات الإسرائيلية التي تجاوبت مع طلباتهم وكان ردهم بأنهم غير منحازين لاحد وما معناه «اللي بيضربكم كف اضربوه عشرة». على الأرض غضّ الجيش الإسرائيلي النظر عن التسليح الآتي من المناطق الغير-محتلة في المتن والبقاع ومن سوريا، وبذلك حضروا الأرضية اللازمة لاشتعال حرب الجبل. نتيجة هذه الحرب كانت طرد الميليشيات المسيحية بقيادة سمير جعجع وجيش امين الجميل من الجبل وارتكاب أفظع المجازر وتطهير طائفي أدى إلى إقامة كانتون درزي في الشوف وعاليه والى تجميع المسيحيين في كانتونهم في بعبدا، والمتن، وجبيل، وكسروان. هذا كان اول نواة تأسيسية لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي رسمته إسرائيل وأميركا لهذا المشرق.

ما اشبه الأهداف اليوم بالبارحة ولو اختلفت الظروف وحماية المسيحيين استبدلت بحماية واستمالة الدروز. ها هو الجيش الإسرائيلي يحتل شريط حدودي كبير من جنوب الجمهورية السورية واعلى قمة في جبل الشيخ، وها هي إسرائيل تكثف جهودها لاستمالة دروز سوريا بعد سقوط نظام البعث فتعمل وتسهل تواصل دروز فلسطين المحتلة مع قرى جبل الشيخ المعزولة وتنظم زيارات دينية لمقام النبي شعيب في الجليل المحتل ويسمح للشباب العاطل عن العمل بالعمل في الجولان المحتل لقاء مبلغ 100$ يوميا (أي ما يوازي معاش شهر كامل في سوريا). كذلك يأمر نتنياهو جيشه بالاستعداد للدفاع عن الدروز ويعلن هو ووزير دفاعه بعدة تصريحات بانه «لن نسمح للنظام المتطرف الجديد في سوريا بإيذاء الدروز في ريف دمشق وفي حال أذاهم ستؤذيه إسرائيل» وانه «يجب ان تكون منطقة جنوب سوريا منزوعة السلاح».

من ناحية أخرى، الدعوات المبطنة من بعض القوى في السويداء للحكم الذاتي ورفض سلطة دمشق بدأت منذ اندلاع الحراك ضد نظام البعث السابق في 2011، واشتدت في السنتين الاخيرة قبل سقوط النظام وكان الشيخ حكمت الهجري أحد قادتها الأساسيين في ذلك الوقت. بعد سيطرة جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على الحكم، استمر الهجري برفض وضع السويداء تحت سلطة النظام الجديد في دمشق واشتد اعتراضه وبعض القوى المحلية الأخرى بعد الإعلان الدستوري والمجازر الطائفية الني ارتكبها الامن العام والقوى التكفيرية الموالية له في مناطق الساحل العلوية.

بعد اعلان الشرع انه «لدينا وإسرائيل أعداء مشتركين» وانه «يريد سلاما نابعا من الاحترام وليس الخوف» وبعد لقائه مع الرئيس الأميركي ترامب في الرياض جرت عدة لقاءات بين المسؤولين السوريين والاسرائيليين في أذربيجان وغيرها وجرت تفاهمات امنية أو تنازلات سورية عن الجنوب السوري لم يعلن عنها. بعد هذه اللقاءات قرر الشرع مهاجمة محافظة السويداء لإخضاعها لسلطة الدولة بالقوة. إسرائيل التي لم تفوت فرصة للإعلان عن حماية الدروز لم تتدخل فعليا لردع الشرع وتركت القوى المنضوية تحت اسم الامن العام ووزارة الداخلية تدخل السويداء وتنكل باهلها قتلا ونهبا واهانات من حلق شوارب للمسنين وغيرها. بعد هذه الانتهاكات الكبيرة، التي اشعلت الصف الدرزي ضد السلطة في دمشق وعززت من شعبية الهجري، قصفت إسرائيل القصر الجمهوري ووزارة الدفاع وبعض المراقع الحكومية في السويداء بحجة الدفاع عن الدروز. الاميركيون تدخلوا دبلوماسيا أيضا واجبروا قوات الامن العام على الانسحاب إلى خارج حدود محافظة السويداء. بعدها غير الشرع أسلوبه وحاول السيطرة على السويداء عبر عشائر البدو العربية وعبر اعلان «النفير العام»، لكن التهديدات الإسرائيلية والأميركية جعلته ينسحب بعد ان وقع على اتفاق مذل مع إسرائيل برعاية أميركية، ينص حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان على (1) انسحاب جميع قوات العشائر وقوات الأمــن العام إلى ما بعد القرى الدرزية (2) ونزع الــسـلاح من القنيطرة ودرعا وتشكيل لجان أمــنــيــة محلية من أبناء تلك المناطق بشرط أن لا تمتلك الأسـلــحــة الثقيلة (3) ومنع دخول أي منظمة أو مؤسسة تابعة للحكومة السورية إلى السويداء، مع السماح بدخول منظمات الأمم المتحدة. بهذا وصلت اسرائيل إلى غايتها بجنوب سوري منزوع السلاح وفاقد للسيادة السورية، وتكونت النواة التأسيسية للكانتون الدرزي في سوريا وأصبح الشيخ حكمت الهجري بشير الجميل آخر، أو بالأحرى القائد الفعلي لدروز جبل حوران.

هذه الواقع ادى إلى تكاثر دعوات «تقرير المصير» أو بالأحرى الحكم الذاتي أو الانفصال بين الدروز «لصون الكرامة» وحتى بين الذين كانوا يؤيدون ارتباط السويداء الطبيعي بدمشق. أشك إذا كان من يدعو إلى هذا الطرح يعرفون الواقع الجغرافي والديمغرافي للسويداء قبل ان يتنطحوا ويدعوا اليه، وماذا سيكون المصير على المدى البعيد وهل ستصان الكرامات؟ أن محافظة السويداء نفسها تتكون من تنوع طائفي درزي، سني ومسيحي وهي محاطة بتجمعات سكانية كبيرة تعتنق المذهب السني واي انفصال «درزي» سيعني حروب عبثية متواصلة مع هذه التجمعات وخاصة في محافظة درعا. إذا كان بعض هؤلاء يظن انهم يستطيعون السيطرة على درعا في المستقبل (بدعم اسرائيلي طبعا) لكي تتصل السويداء بالقرى الدرزية في جبل الشيخ ولبنان فهذا فخ إسرائيلي خطير قد يودي إلى تطهير عرقي درزي من السويداء، يقابله تطهير عرقي سني من مناطق لبنانية غرب جبل الشيخ وينتج عنه الكانتون أو الدولة الدرزية، الحامية لحدود إسرائيل من جبل الشيخ إلى سواحل الشوف.

أن الدعوة إلى تقرير المصير هي دعوة خطيرة على وجود دروز السويداء بالأخص، ولن تصون كرامتهم على المدى البعيد فهم سيصبحون رهينة بين براثن إسرائيل، وستتقاذفهم مصالحها التي قد تتغير ضدهم (كما تغيرت ضد غيرهم) في اي وقت.

السؤال الملح الآن هو هل بالمكان مواجهة المشروع الإسرائيلي في جنوب الجمهورية السورية بعد كل التغييرات الكبيرة التي حصلت لمصلحة إسرائيل واذعان السلطة قي دمشق لمطالبها؟ الجواب هو نعم إذا وجدت الإرادة والتقت القوى المعارضة لهذا المشروع من قيادات وطنية في حوران كليث البلعوس ومشايخ العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع وقيادات بدو حوران وقيادات في لبنان كوليد جنبلاط وطلال أرسلان وشخصيات وقوى وأحزاب وطنية وعلى راسها الحزب القومي. ان وحدة هذه القوى في جبهة واحدة سيخلق معارضة وازنة لا يستهان بها ضد الانفصاليين الذين يقودهم الهجري للهاوية، وستسعى هذه الجبهة إلى عدم التفريط بانتماء السويداء الطبيعي والأصيل إلى سوريا ونسعى للوصول إلى تفاهم بالحد الأدنى مع السلطة في دمشق، يحاكم على أساسه مرتكبو الجرائم من الامن العام في السويداء وتصان كرامة أهلها من الدروز والبدو السنة وغيرهم. في خط موازي، لا يجب اغفال الاحتلال الصهيوني لجنوب سوريا فعلى القوى والأحزاب الوطنية العمل لمقاومة سورية وطنية لطرد آخر جندي صهيوني من الجنوب.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram