الدولة المدمرة لصناعتها: لبنان نموذجاً

الدولة المدمرة لصناعتها: لبنان نموذجاً

تسبّب فاتورة الطاقة «أرقاً» للصناعة عالمياً، إذ تشكّل نسبة 10% من كلفة البضائع. هذا في البلدان حيث تتوافر الكهرباء بانتظام.

 

Telegram

 

تسبّب فاتورة الطاقة «أرقاً» للصناعة عالمياً، إذ تشكّل نسبة 10% من كلفة البضائع. هذا في البلدان حيث تتوافر الكهرباء بانتظام.

أمّا في لبنان، فبسبب إهمال الدولة المزمن للقطاع الصناعي والتعامل الحكومي معه على أساس فولكلوري، يتحوّل «الأرق» إلى «وجع» ناجم عن غياب «كهرباء الدولة» ما يرفع كلفة الطاقة إلى 15% من سعر البضاعة في الصناعات العادية وإلى 50% في الصناعات التي تحتاج إلى «طاقة مكثّفة» مثل إعادة التدوير وصناعة الورق...

أبعد من الطاقة ومشاكلها، تدفع الطريقة المحاسبية المتجذّرة في عقل السلطة السياسية في لبنان إلى التعامل مع القطاع الصناعي بتغافل، فكلّما أرادت السلطة تحصيل أموال إضافية تفرض رسوماً وضرائب بـ«خبط عشواء».

فحين فرض مجلس الوزراء ضريبة على المحروقات، لم يدرس انعكاسها على الصناعة التي تسهم في إدخال نحو 3 مليارات دولار سنوياً من تصدير المنتجات إلى الخارج.

ولم يدرس المجلس فرض رسوم حمائية على السلع التي يستوردها لبنان وينتج لها مثيلاً محلّياً. فعلى سبيل المثال، صدّرت الصناعات الغذائية منتجات بقيمة 424 مليون دولار عام 2023 وهي القطاع شبه الوحيد الذي تتمتّع بعض منتجاته بحماية مثل المعكرونة التي نالت رسماً حمائياً على المستوردات المماثلة بنسبة 40%.

وبسبب اعتماد القطاع الصناعي على نفسه في توليد الطاقة التي يحتاجها لتشغيل معامله، تركت الضريبة على المحروقات التي فرضتها الحكومة في نهاية أيار الماضي، ندوباً على وجه الصناعة في لبنان.

فمادة المازوت تحديداً تُعدّ بمثابة الدم في عروق المصانع وتستخدم في مختلف مراحل التصنيع من تشغيل الآلات إلى النقل وتوليد الطاقة.

ففي بلد يعدّ فيه تيار الكهرباء الرسمي، أو «كهرباء الدولة»، هو الغائب الأثقل والأكثر تأثيراً على المصانع، يستخدم المازوت بشكل أساسي لتعويض هذا الغياب إمّا لتوليد الكهرباء، أو لتشغيل آليات النقل وعدد من الآلات الصناعية. ورغم حساسية هذه المادة وتأثيرها على إنتاجية المصانع في لبنان وقدرة منتجاتها التنافسية في السوق، سواء المحلّي أو ما يصدّر للخارج، لم تتوانَ الحكومة عن رفع سعر الصفيحة بنسبة 14.65% من مليون و215 ألف ليرة إلى مليون و393 ألفاً.

نظرياً، لا تعدّ الزيادة بمثابة «ارتفاع كبير» على سعر المازوت، فثمن الصفيحة الواحدة (20 ليتراً) لم يرتفع أكثر من 178 ألف ليرة، أي أقل من دولارين. ولكن تأثيراتها حادّة لدرجة يشبّهها الصناعيون بـ«البلاطة على الصدر».

رغم ذلك، لم تتحرّك جمعية الصناعيين في اتجاه القضاء الإداري للطعن بالقرار، بل تركت المهمة على عاتق جمعيات القطاع السياحي مثل أصحاب الفنادق. أثمر الطعن في 15 تموز الجاري، بتعليق مفاعيل مرسوم الزيادة، فأنقذت النقابات السياحية نفسها من الأكلاف الإضافية في «عزّ موسم الصيف»، وخفّفت من وطأة تقلّبات سعر المازوت على الصناعيين.

مجلس الشورى
أوقف تنفيذ الضريبة على المحروقات
بشكل مؤقّت


هنا، يؤكّد الصناعيون تحرّكهم على خط موازٍ لتحرّك النقابات السياحية، إذ يشير رئيس تجمّع الصناعيين في البقاع نقولا أبو فيصل إلى اجتماع وفود من جمعية الصناعيين مع عدد من الكتل النيابية وتحميلها مسؤولية حماية الصناعة.

ولكن في النتيجة، «سيتقدّم الطعن من جهة واحدة»، يقول رئيس نقابة أصحاب الصناعات الغذائية منير البساط. وعند تقديم الطعن، قام تجمع الصناعيّين بزيارتين أساسيّتين للاعتراض على قرار رفع أسعار المحروقات، يضيف البساط، الأولى لرئيس الجمهورية جوزاف عون والثانية لرئيس الحكومة نواف سلام.
في النتيجة، «رفعت البلاطة عن صدر الصناعيّين»، ولكن يُحتمل أن تعود للإطباق عليهم بأيّ لحظة.

فقرار مجلس الشورى أوقف تنفيذ الضريبة على المحروقات بشكل مؤقّت إلى حين الانتهاء من دراسة الطعن المقدّم، يقول البساط الذي يرى أنّ «اللّعب بسعر المازوت ليس نزهة».

ويشرح فكرته بأنّ 90% من المصانع في لبنان تعتمد على المازوت بشكل أساسي لتوليد الكهرباء، فيما تستخدم المصانع الضخمة مادة الفيول، إنّما عددها قليل ولا تزيد نسبتها عن 10%، وفقاً للبساط. أمّا في الصناعات الغذائية، تتوسّع مروحة استخدام المازوت من توليد الكهرباء إلى توليد البخار في غلّايات المياه، والتي تعدّ أساسية لاستكمال عدد من العمليات الصناعية، ما يضاعف الكلفة أكثر.

ويقدّر البساط نسبة ارتفاع كلفة الإنتاج من 15% في الصناعات الغذائية، إلى 50% في مصانع التغليف وإعادة التدوير التي تحتاج إلى ما يعرف بـ«الطاقة المكثّفة».

وبحسب أبو فيصل «أحد مصانع البلاستيك في منطقة البقاع زادت كلفة الإنتاج عليه بمقدار مليون دولار سنوياً بسبب رفع تسعيرة المحروقات».

وأدّت هذه الزيادة إلى تقلّص قدرته على تصريف إنتاجه في الأسواق الخارجية، إذ يعمد إلى تصدير إنتاجه إلى بريطانيا. وللإشارة إلى أزمة الطاقة وتأثيراتها السلبية على القطاع الصناعي، يذكّر البساط بإقفال معمل «سوليفر» للزجاج وهو المصنع الوحيد الذي كان ينتج هذه المادة في لبنان بسبب غياب الكهرباء عن أفران الصهر فيه.

«أعدمت الزيادة على أسعار المازوت الصناعات»، بهذه العبارة يختصر البساط أثر زيادة سعر المازوت على الصناعة، إذ ارتفعت أسعار المنتجات المحلّية في السوق اللبناني، كما ارتفعت أسعار الصناعات اللبنانية في الأسواق الخارجية، فانخفضت قدرتها التنافسية، لا سيّما في الأسواق حيث تدعم الدول أسعار الطاقة.

على سبيل المثال، في أحد مصانع الجلد، أو «الدباغات»، في الضاحية الجنوبية، أدّت الزيادة على أسعار المازوت إلى ارتفاع وصل إلى حدود 4 دولارات على كلّ «قطعة خام من الجلد» يبيعها المصنع. ووفقاً لصاحب المصنع «تواجه هذه الصناعة منافسة شرسة أمام البضائع المستوردة من الصين، وارتفاع تكلفة الجلود يساوي حتماً ارتفاعاً إضافياً على أسعار المصنوعات الجلدية كالأحذية والحقائب والتي تتعرّض بدورها أيضاً لمزاحمة شديدة من البضائع المستوردة».

صفر استخدام للمازوت
في مقابل أنين المصانع التي تستخدم مادة المازوت في توليد الكهرباء لتشغيل الآلات، يشير صاحب مصنع «فوما» للمفروشات أسامة الحلباوي إلى اعتماد مصنعه بشكل كامل على الكهرباء المولّدة من محطات الطاقة الشمسية. بالنسبة إلى حلباوي «لا يمكن التعويل على الدولة في الصناعة، لذا خرجنا من تحت مظلّة المازوت، وحتى آلات النقل المستخدمة داخل المصنع تعمل على الكهرباء، ولا نستخدم المازوت إلا في شاحنات النقل على الطرقات». أمّا تغطية كلفة التحوّل الكهربائي، فيؤكّد حلباوي أنّها ستتمّ خلال مدّة تراوح من 18 شهراً إلى سنتين ويصفها بـ«البسيطة أمام تكلفة المازوت المخصّص لتشغيل المولدات».

720 مليون دولار
هي قيمة الصادرات اللبنانية من المعدّات الصناعية مثل المولدات الكهربائية والمحرّكات، أو ما نسبته 18% من إجمالي الصادرات. وتحتّل هذه الصناعة المركز الأول في الصادرات وتعدّ من الصنف التجميعي، إذ تستورد المصانع مكوّنات المولدات الكهربائية من الخارج وتقوم بتجميعها في لبنان على شكل محرّكات أو مولّدات. ثمّ تقوم الشركات المنتجة بتصدير صناعاتها إلى دول مثل العراق وعدد من الدول الأفريقية حيث مشاكل إنتاج الكهرباء.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram