تصنف العاصمة الفرنسية باريس كأول وأهم القبلات السياحية العالمية حسب موقعي فوربيس (Forbes) ويورومونيتور (Euromonitor)، حيث تتميز هذه المدينة بتنوعها الثقافي وتاريخها العريق ومعالمها التاريخية ومتاحفها.
وحسب التقديرات، زار باريس عام 2024 ما يزيد عن 36 مليون سائح من مختلف أرجاء العالم. ويحل هؤلاء السياح عادة لمشاهدة معالم باريس كبرج إيفل وقوس النصر بالشانزيليزيه والمتاحف كمتحف ليزانفاليد العسكري ومتحف اللوفر وحدائق قصر فرساي الواقعة بمنطقة إيل دو فرانس (Île-de-France) التي تنتمي إليها باريس.
كانت السياحة في باريس مختلفة قليلا خلال القرن التاسع عشر، وضمن قائمة معالم العاصمة الفرنسية تواجدت حينها المشرحة، أو كما تسمى أيضا بمستودع الجثث، التي استقبلت يوميا أعدادا كبيرة من الزوار المحليين والسياح.
الإعدامات العلنية في باريس
وفي الأثناء، اعتاد الباريسيون منذ قرون على مشاهدة الجثث والموتى بشكل علني. في السابق، جرت عمليات الإعدام بشكل علني بشوارع العاصمة. وطيلة فترة طويلة، جذبت عمليات الإعدام عددا كبيرا من المشاهدين الذين حلوا لمتابعة أطوارها والتمتع أحيانا بمشاهدة عمليات تعذيب بعض المحكومين قبل موتهم. وقبل المقصلة والمشنقة، فضلت السلطات الفرنسية في الغالب استخدام طرق أخرى مثل الإعدام بالعجلة أو تقطيع الأطراف أو الحرق. وفي خضم الثورة الفرنسية، جذبت عمليات الإعدام بالمقصلة أعدادا كبيرة من الباريسيين وتحولت لفترة ما لأحد أهم العروض اليومية بباريس.
وإضافة لعروض عمليات الإعدام، سجلت باريس مطلع القرن التاسع ظهور ما وصف بعروض جثث الموتى. سنة 1804، نقل مسؤول الأمن والشرطة لويس نيكولا دوبوا (Louis Nicolas Dubois) المشرحة نحو quai du marché neuf التي تواجدت بالقرب منها بعض المباني الإدارية.
عرض جثث الموتى
ومع نقلها لهذا المكان، تحولت المشرحة لمعرض يومي مفتوح للزوار حيث عرضت بها جثث الأشخاص الذين غرقوا بنهر السين (la Seine) وضحايا العمليات الإجرامية والمنتحرون والأطفال المقتولون.
وحسب مفاهيم تلك الفترة، كانت الجثث المعروضة، غالبا، مجهولة الهوية. وقد تم وضعها بالمشرحة حينها ليشاهدها الزوار ويتعرفوا على أصحابها. من جهة ثانية، تحدثت بعض المصادر عن عرض جثث أشخاص نفذت بحقهم أحكام بالإعدام. وقد كان الهدف من ذلك إرسال رسالة لعامة الناس للحفاظ على الأمن لتجنب مصير مشابه.
عام 1868، افتتح المهندس المعماري، الذي أعاد تهيئة قسم كبير من باريس أثناء فترة نابليون الثالث، جورج يوجين هوسمان (Georges-Eugène Haussmann) مشرحة جديدة خلف نوتردام (Notre-Dame). وفي تلك الفترة، كانت هذه المشرحة مفتوحة لعامة الناس حيث وضعت بداخلها الجثث على 12 طاولة كبيرة مصنوعة من الرخام الأسود. فضلا عن ذلك، تم وضع زجاج للتفريق بين الجثث والزوار لتجنب لمسهم لها. من ناحية أخرى، عرضت هذه الجثث عارية لمدة أيام قبل إزالتها. ويوميا، يتم رش بعض المياه عليها ضمن إجراء بسيط ضد الرطوبة.
يوميا، حل ما يزيد عن 40 ألف شخص لمشاهدة جثث الموتى المعروضة. وأواخر القرن التاسع عشر، أصبحت المشرحة مركزا سياحيا رئيسيا بباريس حيث جاء عدد كبير من السياح، خاصة البريطانيون، لمشاهدة الجثث المعروضة.
وبقرار صادر عن مسؤول شرطة باريس لويس ليبين (Louis Lépine) منتصف مارس (آذار) 1907، أغلقت المشرحة أبوابها أمام عامة الناس. وبعد جدل كبير حول حرمة الموتى ووصف المشرحة بأنها غير أخلاقية، عرف ما وصف بمسرح الجثث نهايته بشكل رسمي. وبحلول عام 1914، سجل معهد الطب الشرعي ظهوره على ضفاف نهر السين بالدائرة الثانية عشر في باريس.
نسخ الرابط :