أن التطورات الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك ضعف الحكومة المؤقتة في سوريا، والتوترات الداخلية في لبنان، والدعم الواسع من الولايات المتحدة، قد وفرت فرصا كبيرة للكيان الإسرائيلي لمتابعة خططه التوسعية على حدوده.
وبالتزامن مع استمرار العمليات البرية للكيان في غزة، أصبحت المناطق الحدودية لسوريا ولبنان جزءا من خطة أوسع لإعادة بناء الهيكل الأمني لهذا الكيان.
منذ خريف 2024، ومع تصاعد التوتر تدريجيا بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله، واتساع العمليات في الأشهر التالية، فرض الكيان الإسرائيلي عمليا سيطرته على خمس نقاط استراتيجية جنوب “الخط الأزرق”. وتشمل هذه النقاط مناطق اللبونة، جبل البلاط، العويدة، الأعيزه، والحمايمس، وهي مرتفعات مشرفة تستخدم للمراقبة، وإطلاق النار المباشر، والأنشطة الهندسية العسكرية.
خطة الكيان الإسرائيلي لإنشاء منطقة عازلة في المثلث الحدودي لفلسطين المحتلة، ولبنان، وسوريا، تعرف باسم “المثلث الحدودي” أو “الحزام الأمني”.
وفي الأيام الأخيرة، تقدمت قوات الكيان أيضا نحو 17 منطقة داخل الأراضي السورية، لا سيما في ريف القنيطرة ودرعا، وأحكمت سيطرتها على عدة قرى وطرق ونقاط حيوية.
وتشير التقارير إلى أن هذه التحركات جرت في ظل صمت تام من قبل الحكومة السورية الجديدة، ما يعكس غياب المعارضة أو حتى وجود تنسيق ضمني من بعض المجموعات السورية مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما قد يشير إلى وجود تفاهمات سرية أو مصالح مشتركة لإضعاف قوى المقاومة.
منطقة عازلة
خطة الكيان الإسرائيلي لإنشاء منطقة عازلة في المثلث الحدودي بين فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا تعرف باسم “المثلث الحدودي” أو “الحزام الأمني”.
وتشمل هذه المنطقة العازلة النطاقات الحدودية في جنوب لبنان (مزارع شبعا)، وغرب محافظة القنيطرة في سوريا، وأجزاء من مرتفعات الجولان المحتلة، والتي تكتسب أهمية خاصة بسبب موقعها الاستراتيجي وقربها من القواعد العسكرية للكيان الإسرائيلي.
ويتيح الحزام الأمني، الذي يضم أجزاء من جبل حرمون والقنيطرة، للجيش الإسرائيلي السيطرة على نيران مباشرة نحو المناطق المجاورة في سوريا ولبنان، كما يعزز قدراته في المراقبة والتدخل السريع في حال وقوع أي تصعيد أمني أو عسكري.
وذكرت بعض المصادر المحلية أن الكيان الإسرائيلي قد شرع فعلا في خطوات تنفيذ هذه الخطة عبر توسيع شبكة الطرق العسكرية في المناطق الحدودية للبنان وسوريا، وإنشاء منصة لهبوط المروحيات الحربية قرب مرتفعات راشيا في محافظة البقاع اللبنانية. وتتيح هذه الإجراءات للجيش الإسرائيلي نشر قوات التدخل السريع في المنطقة، وتنفيذ دوريات جوية منتظمة على امتداد الحدود.
و يعدّ مشروع “المثلث الحدودي” جزءا من الاستراتيجية العامة للكيان الإسرائيلي لتعزيز الأمن، وإضعاف محور المقاومة، وتثبيت هيمنته الجيوسياسية في المنطقة. ويستغل هذا المشروع حالة عدم الاستقرار الإقليمي، والدعم الغربي، وصمت بعض الأطراف الإقليمية، بهدف قطع التواصل بين أضلاع محور المقاومة والسيطرة على تحركاته العسكرية.
ومن خلال إنشاء هذه المنطقة العازلة، يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تقليص الهجمات الصاروخية، والطائرات المسيّرة، ومحاولات التسلل البري من أراضي لبنان وسوريا من قبل قوى المقاومة. وقد ازدادت وتيرة هذا النهج بعد العمليات مثل “طوفان الأقصى” و”والوعد الصادق”، والتي كشفت عن نقاط ضعف دفاعية لدى الكيان الإسرائيلي.
المنطقة الاستراتيجية
كما تتيح هذه الخطة للكيان الإسرائيلي تثبيت احتلاله لمرتفعات الجولان، وتعزيز وجوده العسكري في هذه المنطقة الاستراتيجية نظرا لأهمية ارتفاعاتها وقربها من دمشق.
ويشمل تنفيذ الخطة تعزيز البنى التحتية العسكرية، وبناء حواجز مادية مثل الجدران والأسوار المتطورة، واستخدام تقنيات مراقبة حديثة. إضافة إلى ذلك، ينفذ الكيان الإسرائيلي ضربات جوية وصاروخية متكررة على مواقع المقاومة لمنع تمركزها قرب الحدود، ويستفيد من الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي والغربي لتوفير الشرعية الدولية لهذا المشروع، مدعيا أن المنطقة العازلة ضرورية لـ “الدفاع المشروع”.
ومن خلال إنشاء هذه المنطقة العازلة، يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تقليص الهجمات الصاروخية، والطائرات المسيّرة، ومحاولات التسلل البري من قبل قوى المقاومة من أراضي لبنان وسوريا.
ورغم أن العمليات العسكرية الأخيرة للكيان الإسرائيلي تنفذ في نطاق زمني وجغرافي محدود، إلا أنها تمثل تحولا مهما في نمط المواجهة، ويمكن أن تشكل مقدمة لتوسيع الوجود العسكري للكيان تدريجيا في هذه المناطق. وتشير المعطيات الحالية إلى سعي الكيان الإسرائيلي إلى ترسيخ وجود طويل الأمد، خاصة في ظل غياب أي مؤشرات على انسحاب سياسي، وضعف الحكومات المركزية في لبنان وسوريا بفعل الأزمات الداخلية والحروب الممتدة.
وفي الواقع، يمكن اعتبار خطة الكيان الإسرائيلي لإنشاء منطقة عازلة في المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة شكلا من أشكال الاحتلال الزاحف والتدريجي دون إعلان رسمي للحرب. وتتيح هذه الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي فرض واقع ميداني جديد دون تحمل تبعات الاحتلال المباشر، بما يقيّد قدرة حزب الله على الرد، ويمهّد لتعديلات واقعية في الحدود.
المصدر: موقع راهبرد معاصر
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :