السويداء.. جدلية الداخل والخارج

السويداء.. جدلية الداخل والخارج

 

Telegram

 

أية امتيازات ستمنح لأبناء السويداء ستجعل الحكومة في موقف محرج في كيفية تعاطيها مع جميع مكوّنات الشعب السوري، وبالتالي فإنّ العبرة ليست بالاتقاق، بل في الرغبة والقدرة على تنفيذه واحترامه.
لا يمكن قراءة المشهد الجاري في السويداء على أنه جاء نتيجة لخلاف بين شخصين تطوّر ليأخذ أبعاداً طائفية، بقدر ما هو استجابة لتنفيذ مخطّط جرى الإعداد له مسبقاً، وجرى العمل على توظيف "الورقة الدرزية" لتكون إحدى أدوات تنفيذه.
 
لقد أريد للسويداء أن تكون بوابة "إسرائيل" لتنفيذ مشروعها "الشرق الأوسط الجديد"، الذي جرى العمل عليه منذ طرحه من قبل رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" الذي كتبه في العام 1992.
 
مشكلتنا أننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم، لذا سرعان ما نعتقد أنّ هذا المخطط قد فشل، طالما أنه لم يطبّق في الوقت الذي طرح فيه، متناسين أنّ المشاريع تقاس بـ "أعمار الدول" لا الأشخاص.
 
مشكلة السويداء ليست جديدة، ولم تكن مع الحكومة الحالية فقط، لكنها كانت موجودة منذ قيام الحرب في سوريا، لذا قام النظام السابق بمنح المحافظة بعض الامتيازات، مقابل التخلّي عن دعم الثورة السورية منذ قيامها في العام 2011.
 
هذا لا يعني أنّ السويداء لم تشارك في الحراك الشعبي لإسقاط نظام الأسد، و"ساحة الكرامة" خير دليل على الاعتصامات السلمية التي شارك فيها العديد من أبناء هذه المحافظة، في مسعى منهم لإسقاط نظام الأسد بالطرق السلمية.
 
مع وصول الحكومة الجديدة إلى دمشق، وجدت نفسها أمام عدة تحدّيات، أهمّها استعادة كامل أراضي الجمهورية العربية السورية تحت سيطرة الدولة، وصولاً إلى استكمال بناء الدولة الوطنية.
 
استكمال بناء الدولة يتطلّب أولاً وقبل كلّ شيء، حصر السلاح بيد الدولة، وحلّ جميع الميليشيات، فكان "مؤتمر النصر" الذي أعلنت فيه هيئة تحرير الشام وعدد كبير من الفصائل حلّ نفسها، والانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع.
 
ما حدث في الساحل زاد من مخاوف الدروز، فبادرت الحكومة إلى مدّ جسور الحوار مع شيوخ هذه الطائفة، سعياً منها للتوصّل إلى توافقات تساعدها في استعادة كامل الأراضي السورية، وصولاً إلى خلق بيئة آمنة في سوريا قادرة على تشجيع الاستثمارات الأجنبية لتحقيق إعادة إعمار سوريا الذي يعدّ أولوية بالنسبة للشعب السوري والحكومة في دمشق. 
 
البعض فسّر موقف الحكومة على أنه حالة من الضعف، فرفع سقف المطالب، وازدادت الاستفزازات التي وصلت حدّ التهجّم على محافظ السويداء، وطرده من مكتبه.
 
مع الإشارة إلى الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها المحافظ بين أبناء السويداء، والتي ساعدت على خلق مواقف مخالفة لموقف الشيخ الهجري، الذي أبدى تعنّتاً ورغبة في منع تسليم السلاح، مشترطاً قيام "دولة مدنيّة" ممثّلة لجميع أبناء الشعب السوري. متناسياً أنه لا يمكن الحديث عن" الدولة"، في ظلّ وجود ميليشيات خارجة عن القانون، وامتلاكها للسلاح الذي توجّهه ضدّ الدولة كلما احتاجت لذلك.
حصر السلاح بيد الدولة هو الطريق للوصول إلى بناء الدولة لا العكس، بمعنى أنّ اشتراط وجود الدولة أولاً ومن ثم نزع سلاح الميليشيات، هو خطيئة منهجية، وعدم القدرة على فهم المعنى الحقيقي للدولة. كما أنّ الحديث عن "دولة مدنية" لا يمكن تحقيقه، طالما أنّ رجال الدين والمرجعيات الروحية وشيوخ العشائر وسواهم، هم المتحدّثون عن تلك الدولة.
 
قلب للمفاهيم...
مع رغبة الدولة في بسط سيطرتها على السويداء نتيجة لمطالبات شعبية، سمعنا أصواتاً تصف أفراد الجيش والقوى الأمنية بالإرهابيين، في حين أنّ التوصيف القانوني للإرهاب يعني أنّ الإرهابي هو من يحمل السلاح في وجه الدولة.
 
عدم الاعتراف بالحكومة القائمة في دمشق حقّ لأيّ شخص، لكنه لا ينفي صفة الشرعية الثورية عنها، وعليه انتظار قيام الانتخابات للحكم على شرعيّتها أو عدمها لاحقاً.
 
الحديث عن "عصابة الجولاني" لا يفيد بشيء، بل يعيدنا إلى المربّع الأول، والعمل على تغيير الحكومة بالقوة، وهو ما لا يريده الشعب السوري بكلّ تأكيد، بعد أن عرف تبعات ذلك.
 
الاستقواء بالخارج أمر مرفوض وهو ما كان الكثير منا يعيبه على حكومة دمشق في سعيها لإسقاط نظام الأسد، فكيف لنا المطالبة بشيء كنا ننكره.
أما إذا كان الخارج هو الكيان الصهيوني، فإنّ ذلك يجعل من يطالب به موضع شكّ في نظر الكثير من أبناء الشعب السوري، ومنهم أبناء السويداء بكلّ تأكيد، حيث سمعنا مواقف مخالفة لموقف الشيخ الهجري، حتى من قبل شيوخ العقل الآخرين (الجربوع والحناوي).
 
الحديث عن أنّ السويداء باتت محاصرة، ومطالبة التحالف الدولي بفتح "ممر إنساني" يربط السويداء بقوات قسد أمر خطير جداً، فهو يكرّس "ممر داود" الذي تسعى "إسرائيل" لوجوده.
سايكس بيكو مذهبي...
حديث المبعوث الأميركي توم برّاك عن نهاية سايكس بيكو فيه الكثير من المخاوف التي يتوجّب علينا جميعاً الحذر منها، فهو نعي ونهاية للدولة القُطرية، والتبشير بدول جديدة قائمة على صبغات طائفية وعرقية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram