لا يمكن فصل موجات الهجرة المتصاعدة بين الشباب اللبناني عن الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد. البطالة المستفحلة، الانهيار الاقتصادي الذي أطاح بمدخرات العائلات، وتدهور قيمة العملة المحلية، كلها عوامل دفعت بالعديد من الشباب إلى حزم حقائبهم بحثًا عن فرصٍ تعليمية ومهنية لم يعد لبنان قادرًا على توفيرها. الشعور بالإحباط من الطبقة السياسية، وغياب أي بوادر للإصلاح، يعزز من قناعة هؤلاء بأن مستقبلهم مرهون بالخروج من هذا الواقع المتردي. إنها هجرة قسرية، مدفوعة باليأس لا بالحلم، وبتحدي البقاء لا بتطلعات النمو.
الهجرة، وإن بدت حلاً فرديًا للبعض، إلا أن تكلفتها باهظة على المستويين الشخصي والوطني. على الصعيد الفردي، يواجه الشاب المهاجر تحديات نفسية واجتماعية جمة: الغربة، صعوبة الاندماج في مجتمعات جديدة، والحنين الدائم إلى الوطن والأهل. أما على الصعيد الوطني، فلبنان يخسر يوميًا خيرة شبابه، العقول والكفاءات التي كان يمكن أن تساهم في بنائه ونهضته. إنها هجرة الأدمغة التي تُفرغ البلاد من طاقاتها الخلاقة، وتُعمق من أزماته الهيكلية. فكيف يمكن لدولة أن تتعافى وهي تفقد أغلى مواردها البشرية؟
في المقابل، هناك من اختاروا البقاء، ليس بالضرورة قناعةً منهم بأن الأمور ستتحسن، بل ربما لعدم قدرتهم على الهجرة، أو لتمسكهم بأرضهم وجذورهم. هؤلاء الشباب يخوضون معركة يومية من أجل الصمود. يواجهون تحديات لا تحصى: صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ورعاية صحية، التكيف مع التضخم الجنوني الذي يلتهم ما تبقى من دخلهم، والبحث الدائم عن فرص عمل في سوق مشبع ومحدود. البعض منهم يلجأ إلى مبادرات فردية أو مشاريع صغيرة، يحاولون من خلالها خلق فرصهم الخاصة وتوفير لقمة العيش، في إصرار على عدم الاستسلام لليأس.
نبيل، أحد هؤلاء الشبان، كان حظه وفيراً بامتلاك قطعة أرض أجبرته على التمسك بوطنه، فاختار أن يحوّلها إلى باحة كبيرة يلهو فيها الأطفال مع استراحة لأهاليهم.
وقال لـ”لبنان 24″: “صحيح أن المشروع لا زال في طور البناء، إلا أنه سيفتح فرصاً للعديد من الشابات والشبان للعمل في جوّ طبيعي وجميل”، معتبراً أن الفرصة تحصل مرة واحدة في الحياة ولا بدّ من اغتنامها.
وأضاف: “العديد من أبناء جيلي يختارون الهجرة أو السفر ولو موقتاً للانطلاق بحياتهم المهنية وتأمين انفسهم وعائلاتهم في ظل غياب الأمان في لبنان”، مؤكداً أنه لو لم يرث هذه الأرض من والده لكان اختار السفر من دون أن يفكّر.
“الجيل الضائع” ليس مجرد تسمية، بل هو وصف دقيق لحالة مجتمعية تستدعي وقفة جادة. إن مسؤولية الدولة والمجتمع تقع على عاتقهم لإيجاد حلول حقيقية تحفظ كرامة هذا الجيل، وتوفر له فرصًا حقيقية للبقاء والنمو في وطنه. وإلا، فإن لبنان سيستمر في خسارة أغلى ما يملك: شبابه.