منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، يحاول الاحتلال ترسيخ صورة "السيطرة الكاملة" على أجزاء من القطاع، لفرض وقائع ميدانية توازي ما فشل في تحقيقه سياسياً. لكن عملية بيت حانون الأخيرة، التي نفذّتها المقاومة الفلسطينية داخل منطقة يُفترض أنها "آمنة" وخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال، جاءت لتقلب هذه الصورة، وتفضح هشاشة المنظومة العسكرية الإسرائيلية.
في الوقت الذي تُعقد فيه مفاوضات في الدوحة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار، كان للميدان كلمة أخرى. حيث نفذّت المقاومة الفلسطينية إنجازاً عسكرياً مهماً خلال عملية محكمة زرعت فيها أربع عبوات ناسفة، إحداها فجّرت عن بُعد بدقة عالية. ما جعل الكلمة الفصل للميدان: فالمقاومة ليست في موقع الانكسار، والعدو لا يملك السيطرة التامة على أي من مناطق القطاع.
ماذا جرى خلال الكمين الناري؟
في منطقة بيت حانون شمال غزة، وفي المنطقة العازلة التي تخضع لسيطرة جيش الاحتلال منذ ما يقارب العام والنصف، تسللت مجموعة من المقاومين، وزرعت 4 عبوات ناسفة متطورة، إحداها فجّرت عن بُعد بدقة، مستهدفة قوات من لواء "نيتساح يهودا"، وهو لواء متشدد دينياً وذو سجل دموي في الضفة الغربية.
العملية أسفرت بحسب الإعلام العبري عن 5 قتلى وعدة إصابات خطرة، وسط تكتّم ومحاولة واضحة للتقليل من شأن الإنجاز.
التخطيط
تحليل ما جرى في بيت حانون يُظهر أن الكمين كان نتاج رصد معقّد، مراقبة ليلية، دراسة مسار القوات، وتنفيذ احترافي. حتى الإعلام الإسرائيلي بما فيه معاريف وإذاعة الجيش الإسرائيلي اعترفوا بأن ما حدث يشير إلى استخدام وسائل رؤية ليلية، واستباق متقن لمسار الوحدة العسكرية، وأن المقاومين كانوا قادرين على التسلل والتفخيخ ثم الانسحاب من داخل "منطقة آمنة" للجيش دون رصد حركتهم. وهذا تطور نوعي في إدارة المعركة يُحسب للمقاومة.
العبوات الناسفة: سلاح الغلبة الجديد
الاحتلال نفسه يقرّ بأن 70% من قتلاه منذ آذار/مارس 2025 سقطوا بسبب العبوات الناسفة. وهذه ليست مجرد أداة تفجير، بل جزء من تكتيك متكامل "لحرب العصابات" وتجري على مراحل تبدأ بإطلاق نار مفاجئ وبعدها عملية التفجير، ثم استهداف القوات التي تصل للإنقاذ أو النقل، بالإضافة إلى استخدام المباني المفخخة كمصائد لجنود الاحتلال.
تتبنى المقاومة هذا النموذج باحتراف وتكراره يؤكد على جهوزية المقاومة وقدرتها على التكيف في مختلف الظروف حتى لو كان هناك إطباق محكم على القطاع جواً وأرضاً وهذا ما يتسبب في كل مرة بصفعة للاحتلال تثبت له أن كل الادعاءات بشأن انتهاء المقاومة في قطاع غزة هي محض كذب. وهذا ما دفع إعلاميين ومحللين إسرائيليين للقول إن الجيش بات في أزمة استراتيجية، وإن عليه إعادة النظر في بقائه داخل غزة.
الأثر السياسي والعسكري للكمين
أحدث الكمين الناري أزمة على مستوى القيادة الإسرائيلية:
ما جعل نتنياهو يقطع لقاءه مع المبعوث الأمريكي ويتكوف في واشنطن عقب الكمين لتلقّي إحاطة عاجلة. كما وبّخ وزير الحرب كاتس رئيس الأركان زامير، والأخير هدّد بالاستقالة. كما أن انكشاف الكمين على وسائل الإعلام الإسرائيلية أثار حالة من الغضب والتشكيك بين المستوطنين في الرواية الرسمية، وخصوصاً في ظل الفشل المتكرر للاحتلال وعدم قدرته على استعادة أسراه من قطاع غزة بعد استنزاف سيبلغ عامه الثاني.
كل ذلك تزامن مع تحرك سياسي حساس يتعلق بمفاوضات وقف إطلاق النار، ما يجعل العملية بمثابة ضربة سياسية وعسكرية مركّبة.
المقاومة تتماهى مع الواقع
في ظل الضغط، الحصار، والاستهداف المستمر، تتفوّق المقاومة بأدواتها المحلية موظفةً الظروف لصالحها، فمثلاً الإعداد لهذا الكمين يتطلب جهداً أمنياً واسعاً بحيث يتم معرفة متى ستمر الآلية وما هو الخط الذي ستسير عليه وكم هو عدد جنودها وهذا يحتاج إلى مراقبة مستمرة لمعرفة كل هذه التفاصيل للتحقق بأن أي عملية ستنجح.
وبعدها تأتي مرحلة التنفيذ وهي مرحلة حساسة يكون فيها المقاوم الذي سينفذ بمثابة الاستشهادي إذ أنه لا يعرف إن كان سيعود ام لا وخصوصا التحرك في غزة في ظل وجود الطائرات المسيرة التابعة للاحتلال في كل حين وهي ترصد وتصور وكذلك وجود جنود للاحتلال في القطاع ما من شأنه أن يحد حركة المقاومين. الا ان هذا لم يحدث وأثبتت المقاومة أنها:
-قادرة على إعادة التموضع والتخفي.
-تملك استخبارات ميدانية فاعلة.
-لديها تفوق في المبادرة رغم التفاوت الهائل في الإمكانيات.
في الوقت الذي يضغط فيه نتنياهو لفرض شروطه عبر واشنطن، ويبحث عن صورة "نصر"، تنجح المقاومة في إفساد المشهد، وتفرض معادلة جديدة مفادها أن الدخول إلى غزة ليس كالخروج منها. وأن القضاء على حماس والفصائل المقاومة هدف لا يمكن أن يُنجز، وهذا ما اختبره نتنياهو طيلة الفترة الماضية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :