مكبّ كفرتبنيت يعود للاشتعال: أي حلول جذرية مطلوبة؟
منذ خمسة أيام، يشتعل المكبّ العشوائي للنفايات في بلدة كفرتبنيت (قضاء النبطية).
وكلّما تمدّد الحريق، ازداد الدخان الأسود والروائح الكريهة المنبعثة منه، لتصل إلى المناطق المجاورة.
والخطير أنّ الحريق بلا نار، إذ إنّ التّعفن والتّخمُّر في أعماق المكبّ نتيجة تحلّل المواد العضوية المطمورة عشوائياً، أدّى إلى اشتعال الغازات فيه وانبعاث الدخان الأسود، الذي يُنذر بعواقب بيئية وصحية خطيرة.
دفع ذلك وزيرة البيئة تمارا الزين إلى التحرّك، فاتصلت بمحافظ النبطية، هويدا الترك، والمحامي العام الاستئنافي في النبطية، رمزي فرحات، للاطّلاع على التفاصيل، وكلّفت خبيرَين بيئيَّين سيُباشران اليوم الكشف على المواد الموجودة لاتخاذ القرار المناسب.
وقالت الزين: «حتى لو جزمنا أنّ ما حدث كان عرضياً ونتيجة عوامل تتعلّق بطبيعة النفايات، إلّا أنه لا يمكن إقرار الحلول دون الكشف عليها»، مع تأكيد أنّ أي حلّ للمشكلة الراهنة سيكون مؤقّتاً، بانتظار إقرار الحلول الجذرية المتمثّلة بمعامل الفرز والمطامر الصحية.
وتشير الزين في هذا السياق إلى سعي اتحاد إقليم التفاح، إلى إنشاء معمل فرز للنفايات بعد تأمين التمويل اللازم له، إضافةً إلى إقامة مطمر «على أمل إدارتهما بشكل سليم».
وبما أنّ المنطقة لا يكفيها معمل ومطمر واحد، يُعمل اليوم على تأمين تمويل لإنشاء معمل ومطمر آخر في دير الزهراني لاتحاد بلديات الشقيف.
حلول غير ناجعة
أعادت قضية مكبّ كفرتبنيت العالقة منذ 15 عاماً إلى الأذهان، ما جرى في صوامع مرفأ بيروت، حيث تسبّبت الرطوبة والعفن في القمح المُخزّن باشتعال النيران فيها.
حينها، دار الجدل حول آليات السيطرة على الحريق، إذ رأى البعض أنّ إطفاء الحريق بالمياه سيزيد الرطوبة حتماً، ما سيُفعّل عملية التخمير، التي سينتج عنها غازات ستشتعل مع ارتفاع درجات الحرارة. أمّا الرأي الثاني، فدعا إلى تبريد الصوامع عبر رشّها بالمياه. وهو ما قام به فوج الإطفاء، وفشل.
واليوم، وخلافاً للآراء العلمية، وتحت وطأة تمدّد الحريق، يتكرّر السيناريو في كفرتبنيت، إذ لجأت البلدية إلى تبريد الحريق بالمياه، لتزداد الرطوبة في عمق المطمر ويشتعل مجدّداً.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشتعل فيها النيران، في المكبّ الذي لم يُنشأ بناءً على دراسات علمية أو حتى بشكل قانوني، كمختلف المكبّات العشوائية المنتشرة في لبنان.
وبات اليوم يخدم معظم قرى النبطية، وتُرمى فيه كمّيات تفوق قدرته الاستيعابية.
ومع استفحال أزمة النفايات وانفلات الأمور من الرقابة، صارت تُحرق النفايات «في أرضها»، فصار موضع نزاع قانوني.
وقد صدر بشأنه أول قرار قضائي قضى بإقفاله في عام 2021، ثم صدر قرار ثانٍ في عام 2023 عن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية، أحمد مزهر، قضى بإقفاله وختمه بالشمع الأحمر.
ومنذ ذلك الحين، أُقفل المكبّ من دون أن تنتهي المشكلة، مع اشتعال النيران فيه بشكل متكرّر.
وهي وفق ما يوضح رئيس البلدية محمد فقيه، «لا تشتعل بمعنى أنّ النيران تخرج منه، وإنما تعسّ وتنفث سحب من الدخان تغطي المنطقة، إذ إنّ هذه المواد المطمورة تخلّف غاز الميثان وغيره من الغازات التي تتفاعل مع العوامل الطبيعية وتتخمّر وتحترق».
ولأنّ المعالجة تفوق قدرته المادية واللوجستية، عمدت البلدية إلى التواصل مع المعنيّين، والتقت لهذه الغاية أمس محافظ النبطية. أمّا الإطار الأوسع للحراك، فيكمن في «مطالبة الوزارات والجهات المعنيّة بالتدخّل العاجل والمساعدة في إيجاد حلّ جذري ونهائي».
الحلول الجذرية المطلوبة
يفتح هذا الحريق اليوم الباب مجدّداً على قضية المكبّات العشوائية والمخالفة، في ضوء «ملف النفايات الشائك»، وفق الزين، لأنه يرتكز على ثلاث معضلات أساسية: الأولى «ما يتعلّق بحوكمته وإدارته»، إذ إنه يخضع لأكثر من جهة، فمنه ما يدار مركزياً ومنه ما يدار لا مركزياً، ومنه ما يديره مجلس الإنماء والإعمار أو مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، ما يستدعي وضع تحت إدارة موحّدة.
والمعضلة الثانية تتعلّق بالإستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، التي يؤخذ عليها أنها «كانت متسرّعة جداً ولم تلحظ المتغيرات التي حدثت نتيجة الأزمة الأخيرة، ولذلك نعمل اليوم على تحديثها قبل إعادة إطلاقها والعمل بها».
أما المعضلة الثالثة، فتتعلّق بالجهة التنفيذية، «إذ إننا عندما نتحدّث عن حوكمة وإدارة، فهذا يعني تعيين الجهة التي ترعى وتُعنى بفضّ العروض وغيرها»، أي الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة.
إضافةً إلى كل ذلك، تبرز مشكلة التمويل، الناتجة من الأزمات المتلاحقة. وأوضح تجليّاتها توقّف الشركات المكلّفة بكنس وجمع النفايات.
وعلى المدى البعيد، لن تكون الدولة قادرة على استكمال التمويل من خزينتها.
ولذلك فثمة حاجة اليوم إلى ضرورة إقرار قانون استرداد الكلفة الذي يقوم على قاعدة أنّ المُلوِّث يدفع، بمعنى أن يصبح هذا القطاع قادراً على أن يُموِّل نفسه بنفسه.
وتشير الزين إلى أنّ العمل يجري اليوم على تعديل مشروع القانون ليصبح أكثر قبولاً من كافة الكتل النيابية، تمهيداً لإقراره.
وتُشكّل هذه الحلول في حال إقرارها نقطة تحوّل في قضية النفايات، على أن تترافق على الأرض مع إجراءات عملية، منها زيادة كل البنى التحتية اللازمة للفرز والطمر وغيره.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي