سعاده.. هو هذا الأثير الذي تسطره عمق الملامح دون هوادة أو استئذان..
الانطباعات المتلاحقة لذاك الحضور وتوسعه في النفس.. مصفوفة الخلود في الزمن وكأن جلجامش حمّل تلك النظرات سرّه فغدت تبصر الحياة كيفما دارت.. محورية الفكر والتجدد والنضال والعمل ووقفات عزّ لم تنتهِ بالاستشهاد في الثامن من تموز، أنطون سعاده جذر يمتد في حياة سورية حتى غدا عصيٌ على الغياب.
لا رحيل يطال من طوعوا الزمن، يتركون بصماتهم وأفكارهم تمضي في إثبات صوابيتها، كذا كان سعاده يسبغ التاريخ بنعمة سورية.
سعاده الأمة وشخصيتها ومستقبلها وحركتها التفاعلية وتكاملها حتى بات كل زمن في هذه الأرض زمنه، وكل معبرٍ نحو غدٍ مشرقٍ معبره، وكل أفق يراد به مجد سورية متصل به، دورة متكاملة في صيرورة الحياة وامتدادها لا تقطعه أخطاء الماضي والحاضر وفرصة الغد التي لم تخبو بعد شمسها لتخطي عهود كثيرة من الظلمة هيمنت على العقل السوري.
لم يرد سعاده أن يكون زعيماً تقليدياً لحزب تقليدي، بل يمكن أن يشكل سلوكه نموذجاً عزّ نظيره في الفهم الاجتماعي والسياسي والنضالي والعملي والفكري لمفهوم "القيادة" فهو لم يأل جهداً ليثبت معنى الانتماء والعطاء حتى الاستشهاد. ويبقى الأساس في عمل سعاده أن كل ما ذهب إليه كان في سبيل القضية السورية، بكليته أثبت أن أهم أثر له أنه "صاحب قضية سورية" حيث لا تهاون ولا تراجع ولا مساومة.
قد يظن البعض أن شخص سعاده كان محور الفكر القومي الاجتماعي، أو أن القوميين الاجتماعيين يذهبون إلى تقديس هذا الرجل احتفالياً كل حين وحين، وكل ما يساق يجافي نهج سعاده ومذهبه.
حقيقة ما فعله سعاده يعاكس تقديس الشخص باتجاه تثبيت مصالح المجتمع والأمة، فعمل على:
- اطلاق حركة العقل في المجتمع السوري والقومية الاجتماعية تعبير عن فعل العقل وقراءاته واستهدافاته في إدراك مصالح الحياة.
- ولأن العقل هو الأساس في النظر إلى المسائل حرص سعاده على نبذ كل ما يخالف العقل من أساطير وأضاليل وخرافات وانقسامات سواء دينية أم مذهبية أم اتنية وذهب باتجاه وحدة الحياة، وحدة المجتمع والأرض.
- وضع القضية السورية، أي وحدة سورية ومجتمعها واطلاق نهضة تعيدها إلى موقعها الطبيعي بين الأمم، أمة رائدة وفاعلة ومستقلة وقادرة، عبر مشروع قومي عام قائم على فهم للمسائل القومية وفهم عميق للبنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية في سورية.
- خطّ النهج القومي الاجتماعي في التعامل مع الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
فكر سعاده، وتميّزه ونبذه الشخصنة والزعامة الفارهة الفارغة نحو الزعامة بالمفهوم المؤسساتي ونموذج القدوة أرعبهم، فتآمروا عليه وفجر ذاك الثامن من تموز سيبقى شاهد على اغتيال الجسد أما فكر سعاده وقضيته وقدوته حاضرون ويمتدون في التاريخ ويبصرون النور كلما هتفت الحناجر بحياة سورية وكلما تأكد الشعب السوري أن استعادة حياته المنهوبة طريقها فكر سعاده، ويصح أن يكون عنواناً للمستقبل.
الحال التي وصلت إليها الأمة السورية والضعف المستشري فيها ولأسباب ليست متعلقة بالخارج فقط، بل جلّها داخلي نتيجة الانقسامات التي تضربها والتشرذم والأمراض الطائفية والكيانية وتراجع مستوى الوعي العام لمفاهيم الهوية والسيادة وخطر الفساد والفردية والمكاسب المنتشرة على حساب الخير العام، كلها آفات وجد سعاده الحلول لها بالمشروع القومي الاجتماعي الوحدوي القادر على صهر طاقات الأمة في بوتقة الوحدة الاجتماعية والعمل المجتمعي الموحد والمنتج، القائم على المواطنة والتساوي أمام القانون والعدالة الاجتماعية والتعاون الاقتصادي وفي كل المجالات.
إن الأزمات التي تغزو سورية اليوم بكل كياناتها وناسها تقتضي دراسة سعاده من منطلقات مختلفة، والنظر إلى الفكر القومي الاجتماعي من باب ايجاد الحلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخدماتية وأزمة الطاقة والأهم السيادة ووضع حد للاعتداءات والتدخلات الخارجية في بنية سورية الطبيعية.
سعاده القدوة والذي يمثل إعادة الاعتبار لشخصية الامة السورية بكل معانيها ومضامينها فكره يصح أن يكون خارطة الطريق لاستعادة الخط الثقافي السوري وريادته ومنطوق القوة تجاه الخارج وحماية المكتسبات على كل الصعد لا سيما انتصار الشام والمحور المقاوم وصولاً إلى تحرير فلسطين والأراضي السليبة شمالا وجنوباً شرقاً وغرباً وكل شبر من التراب السوري، فإما أن نحول الأزمات التي نمر بها فرص وجب اغتنامها لبعث الحياة في أوصال الأمة والخروج من مفاعيل الإرادات الاجنبية وخرائطها وإما أن يكون المقبل بعد أشد حلكاً.
الرفيقة داليدا المولى
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :