نَهم الذكاء الصناعي لاستهلاك الطاقة الكهربائية
بات الكثيرون منّا على درايةٍ تامّة بتعطّش الذكاء الصناعي لاستهلاك الطاقة الكهربائية.
بغض الطرف عن حجم الاستهلاك بدقّة، إلّا أنّ "اتهام الذكاء الصناعي بالإضرار بالبيئة" أضحى موثّقًا بالأدلّة القاطعة، وتتصاعد هذه التحذيرات من كل الجهات كالصحف الكبرى، ومنصات يوتيوب العلمية منها والترفيهيّة، إضافةً إلى وسائل الإعلام المتخصصة بالتقنيات الحديثة.
إلا أنّ صناعة الذكاء الصناعي لا تزال حديثة العهد، فعملت الشركات التقنية الناشئة والشركات القديمة على نماذج لغوية كبيرة LLMs منذ العقد الثاني من الألفية الثانية، مما أحدث ثورة هائلة في العالم التقني بعد إطلاق أدوات الذكاء الصناعي التوليدي للمستهلكين في أواخر عام 2022، التي ساعدت على انتشاره انتشارًا لم يسبق مثله.
في غضون أقل من ثلاث سنوات، جذب الذكاء الصناعي الإنفاق التقني العالمي بطرق يجهل الباحثون حجمه. حيث قفزت حصة شركات الذكاء الصناعي الأمريكية من رأس المال الاستثماري التجاري من 9% في العام 2022 إلى 45% في العام 2024.
على المدى المتوسط، تتوقع الشركات الكبرى مثل ماكنزي Mckninsey أن يرتفع الإنفاق على البنى التحتية لشركات الذكاء الصناعي إلى 6.7 تريليون دولار بحلول العام 2030، مقارنةً ب450 مليار فقط في العام 2022.
وفي ظل هذه الظروف، تتصف البحوث المتعلّقة بتأثير الذكاء الصناعي على المناخ والبيئة بنتائجها المتضاربة والضبابية، لكن يسعى الباحثون جاهدين لفهم هذه الآثار وتحديدها في خضمّ هذا الاستفحال لصناعة الذكاء الصناعي.
لذا أطلقت مجلة إم آي تي دراسة جديدة تهدف إلى سدّ هذه الهوّة وتحديد الآثار بدقّة. وقد استشار فيها الباحثون آراء عشرين خبيرًا في الذكاء الصناعي عملوا على كشف تأثير هذه التقنية على البيئة، واستطلعوا "مئات الصفحات" من البيانات والتقارير، وسألوا كبار مطوري الأدوات اللغوية LLM، لتقديم نظرة "شاملة" عن هذه التأثيرات.
ثمّ إنّ مؤلفو الدراسة كتبو: "في نهاية المطاف، اكتشفنا أنّ التصورات عن استهلاك الذكاء الصناعي للطاقة الكهربائية تكشف عن الكثير من الفجوات"، مما دفعهم لتحليل أمر وحيد من نماذج اللغات الكبيرة LLM، مستهلّين بالنصوص الكبيرة لهذه النماذج، فوجدوا أنّ حجمها يتنبّأ مباشرةً بالطلب على الطاقة. إذ تستخدم النماذج الأكبر عدد رقاقات أكثر لمعالجة الأوامر، أي استهلاك طاقة أكبر.
بينما تستهلك النماذج الصغيرة مثل ميتا "Llama3.188"
نحو 57 جول لكل استجابة أو (114 جول بعد احتساب طاقة التبريد والاحتياجات الأخرى)، في حين أنّ النماذج الضخمة تطلّبت 3,353 جول (أو 6,706 جول)، أي ما يعادل طاقة تكفي لتشغيل مايكرويف لمدة 8 ثوان، وفقًا لدراسة MIT tech.
وتحتاج 1,141جول خاصية توليد الصور بالذكاء الصناعي مثل Stable Diffusion 3 Meduim، (أو2,282 عند احتساب التكاليف الإضافية)، وذلك لتوليد صورة قياسية بدقة 1024-1024 بيكسل، وهو النوع الذي انتشر على النت انتشار النار في الهشيم.
غير إنّ مضاعفة دقّة الصور، سيضاعف استهلاك الطاقة إلى 4,402 جول، أي تشغيل المايكرويف لأكثر من 5 ثوانٍ، لكنه يبقى أقل من طاقة أكبر نماذج اللغة.
والمدهش، أنّ توليد الفيديو يستهلك طاقة بأعلى معدّل، حتى تلك البرامج البسيطة، ذات الإصدار القديم ل 9 أشهر سبقت من code carbon، فتتطلّب 109,000 جول لإنتاج فيديو منخفض الجودة بسرعة 8 صورة/ الثانية، ما يسميه الباحثون: "Gift وهي أقرب إلى صورة متحركة منه إلى فيديو".
وكلما تطورت النماذج زادت استهلاكًا للطاقة، فبعد التحديث الأخير، احتاجت أداة code carbon إلى 3.4 مليون جول لتوليد مقطع فيديو مدته 5 ثوان، 16 صورة/ ثانية، أي ما يشغّل مايكرويف لأكثر من ساعة.
إنّ هذه الأرقام سواء كانت صغيرة أم كبيرة فهي باتت محلًّا للنقاش.
فقد لا نرى أنّ تشغيل المايكرويف لثوانٍ أمرًا مهمًّا، ولكن إن فعلناه مئات المرات يوميًا ولساعات طوال، فسيكون تأثيره هائلًا على الطاقة الكهربائية المستهلكة عالميًا. وبالطبع، تتجه صناعة الذكاء الصناعي نحو نماذج مستهلكة أكثر للطاقة لا أقل.
وبرؤية أشمل، سلّطت دراسة MIT Tech الضوء على المؤشرات الخطيرة لحجم الطاقة الهائلة المستهلكة في الذكاء الصناعي.
ومن هذه الاتجاهات، ارتفاع استهلاك الطاقة المرتبط بتطور الذكاء الصناعي، في حين استمرّت مراكز البيانات الأمريكية بالاستهلاك الثابت بين عامي 2017-2005، ولكن سيتضاعف استهلاكها للطاقة الكهربائية بحلول عام 2023، وهو العام الذي سيتوفر فيه الذكاء الصناعي للمستهلكين بالجملة.
وبحلول العام 2024، ستستحوذ مراكز البيانات على 4,4% من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، سترتفع كثافة الكربون لهذه المراكز، يعني أن كمية الانبعاثات المسببة لذوبان الجبال الجليدية مقارنةً بالطاقة المستخدمة، لتصل إلى نسبة أعلى ب48% من المتوسط الأمريكي.
ومع كل ما سبق، لا تخلو الدراسة من بعض المحاذير المهمّة.
أولًا، لا يمكن التحقق من النماذج ذات المصدر المغلق كالشات جي بي تي Chatgpt التابع ل أوبن إي آي OpenAI، إذ ترفض معظم شركات الذكاء الصناعي الرائدة المشاركة في مبادرة رسم الخرائط المناخية بحسن نية كمقياس طاقة الذكاء الصناعي AI Energy score، باستمرار هذا الوضع، ستظل محاولات رصد الأثر المناخي لهذه الشركات تكهّنًا في أحسن الأحوال".
إضافةً إلى ذلك، أشار كاتبو الدراسة إلى أنّ مراكز البيانات بطبيعتها غير ضارّة بالبيئة. وقالوا: "لوأن جميع مراكز البيانات تعمل نهارًا على الطاقة الشمسية وحدها، سينخفض استهلاك الذكاء الصناعي للطاقة الكهربائية كثيرًا، ولكن للأسف ليس هذا واقع الحال".
حيث لا تزال بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تعتمد فيها مراكز البيانات على الوقود الأحفوري اعتمادًا كبيرًا، ويفاقم المشكلة الطلب المتزايد على الطاقة الفورية. فعلى سبيل المثال: يعمل مركز إكس إي آيXAI التابع لإيلون ماسك قُرب ممفيس ب 35 مولّد من غاز الميتان لتشغيل شرائحه على مدار الوقت، بدلًا من انتظار الموافقة على الاتصال بشبكة الطاقة المحلية.
وهذا لن يكون سوى بداية موجة مدمّرة من الانبعاثات المناخية، ما لم تُلزم شركات الذكاء الصناعي بخطوات فعلية لتقليل تأثيراتها على المناخ، على غرار ما نصّ عليه إعلان باريس.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي