في أكبر انتصار لأجهزة الاستخبارات الايرانية في معركتها ضد أجهزة استخبارات الكيان المحتل، نجحت أجهزة الاستخبارات الايرانية، في عملية “ميدانية” و”سيبرانية” معقدة، بنقل كمية كبيرة من الوثائق الاستراتيجية الإسرائيلية، وخاصةً البرنامج النووي للكيان، إلى البلاد، حيث وصفها وزير الأمن الايراني بالكنز.
كشفت الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية الإسلامية الايرانية، يوم السبت 7 يونيو/حزيران 2025، نقلاً عن مصادر مطلعة، عن أكبر انتصار لأجهزة الاستخبارات الايرانية في معركتها ضد أجهزة استخبارات الكيان المحتل في القدس.
ووفقاً للمعلومات المنشورة في وسائل الإعلام، نجحت أجهزة استخبارات البلاد، في عملية “ميدانية” و”سيبرانية” معقدة، في جلب كمية كبيرة من الوثائق الاستراتيجية الإسرائيلية، وخاصةً البرنامج النووي للكيان، إلى البلاد من الأراضي المحتلة، في عملية معقدة وفريدة من نوعها، ودراستها وفحصها في مكان آمن.
ويبدو أن الاعتبارات الأمنية المتعلقة بنقل هذه الوثائق إلى البلاد وحجمها الكبير دفعت طهران إلى الكشف المبكر عن هذا النجاح الاستراتيجي في الوقت الحالي.
وفقًا لروايات أمنية إسرائيلية، يبدو أن الوثائق المذكورة قد سُرقت من وزارة الأمن الداخلي، وخوادم مرتبطة بالبرنامج النووي، وبعض الوثائق في “هاكاريا”، ونُقلت إلى إيران.
إن نطاق هذا الانتصار الكبير في “حرب الظل” عميق وواسع لدرجة أن بعض المحللين يتحدثون عن احتمال حدوث زلزال في جهاز الأمن الإسرائيلي وإقالة رؤساء الشاباك (الموساد) وحتى محاكمتهم.
ولعل هذا هو سبب وصف السيد إسماعيل الخطيب، وزير الامن الايراني، لهذه الوثائق بأنها “كنز المعلومات الاستراتيجية للكيان الصهيوني”!
تغيير التوازن في المجال الرمادي
خلال حملة “حرب الظل” بين إيران والكيان الصهيوني، عرّف المحللون قوة إيران بأنها تعتمد على شبكة مقاومة ومعركة غير متكافئة مع الكيان الصهيوني قائمة على استراتيجية “حلقة النار”.
من جهة أخرى، يسعى الكيان الصهيوني، منذ أواخر القرن العشرين، إلى تحقيق نوع من التوازن في هذه المعركة التآكلية، وأحيانًا يُغيّر المعادلة لصالحه بشن حملة اغتيالات وتخريب وتزوير ملفات وسرقة وثائق ضد البرنامج النووي الإقليمي الإيراني.
وتتجلى ذروة هذه الخلافات في “أمننة الملف النووي الإيراني” من جهة، و”عملية طوفان الأقصى” والتغيير الجيوسياسي في المشرق العربي من جهة أخرى.
في ظل هذه الظروف، زعمت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام اليمينية التابعة لتيار الحرب في واشنطن وتل أبيب أن إيران ستلجأ إلى ورقة “الردع النووي” في العصر الجديد، وأنها لا تملك أي أوراق أخرى لاستعادة التوازن في مواجهة إسرائيل! إلا أن مرور الزمن أثبت عكس هذا الادعاء.
وقد أدى الإنجاز الاستخباراتي الأخير في هذه المعركة المعقدة والمشتركة إلى تغيير موازين القوى بين إيران والكيان الصهيوني مرة أخرى.
بينما تواصل طهران دعم مقاومة الاحتلال على في لبنان والضفة الغربية وغزة، استطاعت أجهزة الاستخبارات الإيرانية أيضًا فتح جبهة جديدة ضد محتلي القدس من خلال استعراض قدراتها العملياتية في عمق الأراضي المحتلة.
رسالة العملية الإيرانية الأخيرة هي أنه إذا قررت طهران استهداف شخصيات بارزة أو أهداف حيوية في إسرائيل، فإن التحدي المتبقي الوحيد هو اختيار “الوقت” و”المكان” المناسبين! بعبارة أخرى، بعد العملية الأخيرة، لم يعد أي هدف استراتيجي في فلسطين المحتلة هدفًا بعيد المنال أو مستحيلًا.
وبالنظر إلى صحة هذه الافتراضات، فقد تغيرت معادلة القوة بين طهران وتل أبيب، وأصبحت إيران اليوم أمام إمكانيات جديدة لضرب الكيان الصهيوني.
زلزال في هاكريا
“الإنكار” و”السخرية” و”التشكيك” و”الصمت” هي أولى ردود الفعل المسجلة من المسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام والشخصيات الأمنية في مراكز الفكر والإعلام الإسرائيلية. قد يبدو الاعتقاد بأن أهم وثائق الكيان الصهيوني قد نُقلت إلى إيران أمرًا لا يُصدق حتى لأكثر المحللين الصهيونيين تشاؤمًا.
على مدى العقود الثمانية الماضية، ساهمت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بشكل كبير في بقاء الكيان الصهيوني من خلال تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال والتسلل والتخريب والسرقة. ومنذ الأيام الأولى للهجرة غير الشرعية للجماعات اليهودية من جميع أنحاء العالم إلى الأراضي الفلسطينية وحتى إبرام الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل وبعض الدول، استطاعت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لعب دور فعال وناجح وتوجيه ضربات قاصمة لأعداء الكيان ومنافسيه.
على سبيل المثال، منعت أعمال الموساد الإرهابية ضد العلماء في المنطقة العربية دولًا مثل العراق وسوريا من اتباع مسار سلس لتطوير برامجها النووية.
الآن، وفي خضم عملية “طوفان الأقصى”، تمكّن جنود إمام الزمان (عليه السلام) من اختراق أعماق الجهاز العسكري والأمني الإسرائيلي في عملية متعددة الأبعاد ومعقدة وفريدة من نوعها، ومن خلال نقلها، لأماكن آمنة وغير معروفة، أطاحوا بالهيمنة المعلوماتية للكيان الصهيوني.
يعتقد الخبراء أنه إذا نشرت إيران تدريجيًا وثائق إسرائيلية حيوية في المجالين العسكري والأمني خلال الأسابيع المقبلة، فإن احتمالات حدوث إجماع عالمي وفوضى داخلية في الأراضي المحتلة ستزداد.
وعليه، فإن إقالة أو استقالة شخصيات بارزة مثل ديفيد بارنه من منصب مدير الموساد ليست مستبعدة.
ومن خلال توقيت هذا الكشف التاريخي، يمكن لطهران زيادة مستوى الضغط السياسي والأمني على الترويكا الأوروبية الأمريكية، التي تسعى، بمساعدة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى تفعيل آلية الزناد ضد إيران.
خلاصة القول
في السابق، وصف المؤرخون والمحللون الأمنيون كشف مردخاي وانونو عن برنامج ديمونا النووي بأنه أكبر فشل لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في تاريخ هذا النظام، أما اليوم، فيمكننا الحديث عن فشل أكبر.
بعد مرور 20 شهرًا على معركة طوفان الأقصى، واتضاح اعتماد القادة الصهاينة على قوة أجهزة الأمن الإسرائيلية لتوجيه ضربات تكتيكية إلى هيكل القيادة والقدرات العسكرية للمقاومة، قررت أجهزة الاستخبارات الإيرانية، في عملية مشتركة، خلق نوع من التوازن الأمني في مواجهة الموساد والشين بيت وأمان، من خلال اختراق المراكز الحساسة للكيان الصهيوني عبر اختراق إلكتروني بشري.
الآن، لدى طهران إمكانية الوصول إلى ما لا يقل عن 7 غيغابايت من الوثائق الحساسة المتعلقة بالمنشآت النووية الحيوية الإسرائيلية، لإجراء تقييم أدق لموقعها، ومستوى قوة هذه المنشآت، وتعديل القوة الهجومية للبلاد لمهاجمة أهداف حيوية في الأراضي المحتلة.
إن تحقيق مثل هذا الإنجاز الكبير في المعركة الإعلامية مع الكيان الصهيوني لن يغير المعادلات في عملية حرب الاستنزاف بين طهران وتل أبيب فحسب، بل سيعزز أيضاً مكانة إيران الأمنية ومحور المقاومة في منطقة غرب آسيا.
نسخ الرابط :