في أعقاب كارثة تشيرنوبيل النووية عام 1986، لم تصبح المنطقة مجرد صحراء إشعاعية، بل تحولت تدريجيًا إلى ساحة تجارب طبيعية للتكيف البيولوجي، ومن بين الكائنات التي أثارت دهشة العلماء، هو فطر أسود يُدعى (Cladosporium sphaerospermum)، إلى جانب أنواع أخرى من الفطريات السوداء التي تمتلك صبغة الميلانين، والتي أظهرت قدرة على الاستفادة من الإشعاع كمصدر للطاقة في عملية تُشبه التمثيل الضوئي تُعرف بـ radiotrophy. ومع أن هذه الآلية لا تزال قيد الدراسة، فإن الميلانين يلعب دورًا في تحويل الإشعاع المؤين إلى طاقة كيميائية تعزز نمو الفطر.
وفي عام 2018، أُرسل هذا الفطر إلى محطة الفضاء الدولية ISS، وبيّنت النتائج أن طبقة منه بسمك 1.7 ملم استطاعت تقليل كمية الإشعاع بمعدل 2.17%، مما يشير إلى إمكانية استخدامه كدرع حي بيولوجي في بيئات ذات إشعاع عالٍ مثل الفضاء أو على سطح المريخ.
ولم يكن الفطر وحده من تأقلم، فقد أظهرت نباتات مثل (Arabidopsis thaliana) قدرتها على البقاء في تربة تشيرنوبيل، مع تطوير آليات إصلاح للحمض النووي بشكل أسرع وأكثر كفاءة... كما لاحظ العلماء تغيرات جينية في بعض الحشرات، منها تسارع في دورة الحياة أو مقاومة متزايدة للطفيليات.
لكن الأهم من ذلك أن الإشعاع سرّع معدل الطفرات الجينية، مما جعل عملية الانتقاء الطبيعي تعمل بوتيرة أسرع من المعتاد. الكائنات غير المتكيفة تختفي، فيما تبقى الكائنات التي طورت آليات دفاع أو استفادة من البيئة المشعة.
تخيّل الآن، ماذا يمكن أن يحدث إن استمرت هذه الكائنات بالتكيف في هذه البيئة لمدة 200 أو 300 سنة؟ هل سنرى أنواعًا جديدة من الكائنات الحية تعتمد كليًا على الإشعاع؟ هل يمكن أن تظهر فطريات أو نباتات لا تحتاج إلى الشمس، بل تتغذى فقط على الإشعاع المؤين؟ المستقبل سيكون مليئا بالغموض.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي