أعادت أحداث اليومين الماضيين في محيط دمشق تسليط الضوء على الصراع بين تركيا و”إسرائيل” في الساحة السورية، وعلى ما يبدو فإن محادثات أذربيجان “التقنية” (09-04-2025) بين أنقرة وتل أبيب لم تصل إلى هدف وضع “آلية لخفض التوتر بهدف منع وقوع أحداث غير مرغوب فيها في سوريا”، كما كانت تأمل وزارة الدفاع التركية، فبين صحنايا وجرمانا بريف دمشق تشاركت، وإن لم تشتبك، مسيّرات “هيرمز 450” للجيش الإسرائيلي ومسيّرات “الشاهين” تابعة للسلطات السورية التي قيل إن استخدامها ما قبل سقوط النظام السابق ما كان ليتم لولا “تطويرها” و”تدريب مهندسيها” في تركيا.
*لكن تصادم أنقرة ـ وتل أبيب في هذا الساحة المشتركة ليس حصراً على مشهد “هيرمز 450″ و”الشاهين” التي رآها السوريون فوق أجوائهم، بل إنه بدأ يتلمس خطواته منذ 08-12-2024 وقيام سلاح الجو الإسرائيلي بضرب كل المقدرات العسكرية منعاً لوصولها إلى النظام الحالي، وهو النظام الوليد الذي ترعى ولادته السياسية والعسكرية والأمنية أنقرة منذ اللحظات الأولى، حتى وصل الصدام إلى مستويات غير مسبوقة مع الغارات العنيفة على مواقع عسكرية كان من المقرر أن يستلم إدارتها عسكريون أتراك تمهيداً لتدريب نواة الجيش السوري الجديد والتأسيس لـ”مظلة جوية” تعمل على حماية أجواء سوريا.*
وعلى ما يبدو، فإن محادثات أنقرة وتل أبيب في أذربيجان رست، *بحسب ما سُرب في وسائل إعلام تركية، على منع تمدد السيطرة الإسرائيلية من جنوب سوريا باتجاه الشمال بمحاذاة الشريط الحدودي مع العراق وصولاً إلى شمال شرق سوريا (حيث سيطرة “قسد”)، وهو المخطط المعروف باسم “ممر داوود”، مقابل فرملة الاندفاعة التركية نحو القواعد في الوسط خاصة نحو أكبر مطار عسكري في هذا البلد (تي فور)،* مع رغبة إسرائيلية، لم تحسم موافقة أنقرة عليها بعد، بتقسيم الجغرافية السورية إلى مناطق عسكرية بحسب قربها أو اعتبارها تهديداً لـ”إسرائيل” (منزوعة السلاح في الجنوب ومحدودة السلاح في الوسط).
غير أن الميدان في صحنايا وجرمانا بريف دمشق، بغض النظر عن فتيل انفجاره الذي لا يستبعد أن يكون مشغولاً في تل أبيب، تحول إلى حرب بالوكالة بين اللاعبَين الأساسيين، فالاقتراب الإسرائيلي (ولو جواً) من العاصمة السورية ومؤازرة الجماعات الدرزية المسلحة المناوئة لقوات الأمن العام، يطيح بـ”إنجازات” تم الترتيب والتحضير لها على مدى أكثر من عقد من قبل أنقرة، وهو يهدد بشكل أو بآخر سلطة الإدارة السورية المدعومة منها، *فمن يحكم العاصمة هو من يحكم سوريا أو يمثلها فعلياً، إن بقوة الأمر الواقع أو بقوة الشرعية، والتعامل الإقليمي والدولي مع النظام الحالي يرقى إلى مستوى الاعتراف بحكمه، وهو اعتراف مدعوم برافعة قوية على المستوى الخارجي تمثلها تركيا* التي عملت منذ 2011 للمشهد الجديد الذي توّجه احتساء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الشاي رفقة الرئيس السوري أحمد الشرع على جبل قاسيون.
وأكثر من ذلك، فإن دخول تل أبيب على خط النزاعات الأهلية في سوريا و”جرها إلى مستنقع عدم الاستقرار” أثار “استفزاز” أنقرة، التي توعدت بـ”رد فعل عبر طرق مختلفة” على ما تفعله “إسرائيل” في سوريا، كما قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يتقن اللعب على التوازنات الدولية والإقليمية، وهو لا شك سيلجأ كما قبل إلى “تحكيم” الولايات حليفته الأطلسية لردع “إسرائيل” حليفتها الاستراتيجية في المنطقة، وإرجاعها إلى طاولة المحادثات والتفاوض بهدف “خفض التوتر” في الساحة، والزيارة “المخيبة” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (14-04-2025) إلى البيت الأبيض شاهد على مفاتيح لا تزال واشنطن بحاجة إلى الاتراك فيها، ليس أقلها قدرة أنقرة على جمع الفصائل السنية المقاتلة المتعددة تحت سقف إدارة واحدة في دمشق… فهل تنجح تركيا بإبعاد “إسرائيل” عن قلب الشام؟
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي