بقلم سامي سماحة
تفرح عندما تقرأ لمن رافقك في مسيرة نضالك رأيا وأنت تعرفه جيدا أنه كان قليل الكلام في شؤون السياسة والقضايا القومية، وتحزن عندما تتأكد أن الرأي المُنتج لا يرتكز الى رؤية، وتحزن أكثر عندما تكتشف ومن خلال الرأي أن رفيقك وصديقك أضاع البوصلة وحشر عقله في زاروب واحد وتعهّد أمام الله والملائكة وأولي الأمر أنه لن يرى بعد اليوم إلا الحشود المحتشدة في زاروبه حتى ولو كان يوجد في زواريب أخرى من يشبهها في الشكل والحجم وطريقة الحكي .
المشكلة في الانشقاق تكمن في لحظات البداية حيث تتم عملية الغاء الآخر على قاعدة أنا أو لا أحد او على قاعدة أنا الحقيقة والباقي باطل، هذا إذا رآه، لأنه في أكثر الأحيان لا يراه .
لقد مارسنا خطة إحراق المراكب، ولكن وللأسف أننا أحرقنا المراكب ولم يصل مركبنا الى مينا النجاة ، وكنا في كل مرة نقول أن التجربة بداية الانجاز أو بداية الاختراع، وتسقط التجربة ويسقط بعضنا ونكمّل بللي بقيو .
كنا نتعلم من أخطائنا لأن من سبقنا استشهد قبل أن تكتمل تجربته كي نتعلم منه .
الصفة المشتركة في تجاربنا هي أننا لم نكن يوما رافعة للفساد ولم نصمت يوما على انحراف، ولم تأخذنا سلطة ولا ألقاب، لذلك كانت تفشل تجاربنا ولا نسقط ومن يسقط منا يكون وقع في جب التعب والملل فاختار أن يستريح ، قلة قليلة كانت تعود الى المؤسسات وترضى أن تكون درجا للقيادات .
لذك قد نفشل غدا وهذا أصبح من المستحيل، ولكننا نقبل النتائج لأننا نخوض التجربة بالأمل والعمل وكل ما نملكه من إيمان .
أعتقد من طبيعة البشر الاختلاف ولكن الخطر كل الخطر عندما يحول بعضنا الإختلاف الى سلوك خلافي، عندها تسقط كل المقاييس وتسقط وحدة الاتجاه وتسقط المبادىء وكل أنواع العلاقات الإيجابية، عندها يكون الرأي ناتج عن سؤفي الرؤية، وبالتالي تسقط كل معايير العلاقات .
أعتقد من طبيعة البشر التطور والارتقاء ومن طبيعة البشر الراقية الوفاء فإذا ذهب الوفاء اختّل توازن العلاقات .
لصديقي الأفق الذي يريده، ولكن يغمرني الحزن عندما أراه في أفق لا يشبهنا، أحزن لأننا أُصبنا بدوار الحيرة، وأجهد في إيجاد المبررات التي دفعته الى اللجوء الى هكذا أفق .
أخاف عليه من قلة البرد في الشتاء وقلة الشوب في الصيف .
كثر هم أصدقائي الذين ماتوا قبل أن يموتوا وحزنت لأنني لم أودعهم على سلّم الفراق ، ليس خجلا منهم، بل خجلاً من ذاتي التي لم تكن تعرفهم، أو أنها ظلمتهم فتاهوا في طرقات لا يدرون إلى أين تأخذهم .
حزنت على صديقي لأنه زعم أن رأيه يستند الى رؤيته وأنا أعرف انه مصاب بداء ضُعف النظر الناتج عن ضعف أعصاب الدماغ المتمركزة ناحية الرؤية السياسية والقومية .
حزنت على صديقي لأنه صعد الى البوسطة وقرر أن يكون راكباً كبقية الركّاب وصفق للمثل الشعبي الذي يقول : حط راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس .
تعب من التفكير، تعب من رؤية الاشياء على حقيقتها، تعب من المدح والذم والنقد وحوار العقل، وكثرة المنطق وقلّة التعصّب، تعب من كل شيء فقرر ان يكون شيء، كرسي، كنبة، وسادة، أي شيء يريحه من التفكير .
حزنت على صديقي المُنبهر بالكثرة كيفما كانت هذه الكثرة، المهم أن البيد ر عال وليس من المهم كثرة السنابل، لأن البلاد تحتاج الى التبن بعد أن غزتها قطعان البشر . انبهر صديقي بالكثرة فعانى من القلّة في مواسم الكلام النافع .
تذكرون خبرية حزمة القضبان التي في وسطها فأس، هكذا حالنا فنحن حزم من القضبان فؤس تقطيعها داخلها ، لذلك سقطت كل الحُزم .
تذكرون المثل الذي يقول : دود الخل منه وفيه .
لا أعرف إن كانت معاني الأمثال الشعبية وأفعالها أقدر على الوصول إلى عقولنا من الأفكار والأخبار .
لست أدري إن كانت هذه الأمثال نتاج تجاربنا، أما أنها انكتبت على قياسنا فلبسناها ولبستنا .
لست أدري إن كنا نعيش ضمن برواز الأمثال ونحن بحالة من الارتخاء والسعادة والاطمئنان، وما أكثر الأمثال التي تدعونا أن نتطور الى الوراء، وتدفعنا إلى ابداء الرأي دون التفّكر بالرؤية .
نسخ الرابط :