يشبه البيان الوزاري لحكومة نوّاف سلام دولتنا اللبنانية؛ فهو يتضمّن كل شيء وفي الوقت نفسه يفتقد إلى كلّ شيء!
نظريّاً، يتمّ تعريف البيان الوزاري على أنه خطة العمل أو خارطة الطريق التي تعمل الحكومة على تطبيقها، ويتمّ عرضها على المجلس النيابي لنيل الثقة على أساسها. وفي قراءة أوليّة لمسودة البيان المُسرّب، يُخيّل للقارئ أنه أمام نصّ خطابيّ جماهيريّ يستهلك المصطلحات نفسها التي عكفت على استخدامها كل الحكومات السابقة، مع اعتماد المنهجية نفسها في اللعب على المصطلحات حسب الظرف السياسي الذي تمرّ به البلاد.
بدايةً، تُعرّف الحكومة نفسها في البيان على أنها “حكومة تضامن”، وهو مصطلح تستخدمه هذه الحكومة في محاولة من أقطابها للالتفاف على بدعة “حكومة الوحدة الوطنية” التي باتت مرفوضة شعبياً، ذلك أنها شكّلت عامل تعطيل وشلل بدل أن تكون منتجة، وهو أمر مألوف، إذ لا يوجد نظام سياسي في نظم العلوم السياسية يقوم على ما يسمّى بـ”الوحدة الوطنية”، باستثناء لبنان والدول التي تشبهه.
في الشكل، يتناسب البيان الوزاري مع الأجواء الاحتفالية الإيجابية التي واكبت انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون وتسمية رئيس الحكومة القاضي نواف سلام، ومع الحملة الإعلامية التي رافقت تسمية الوزراء بالتركيز على كفاءاتهم وتصريحاتهم الواثقة بأنهم سيقدّمون نمطاً جديداً في الممارسة على قاعدة أولوية تطبيق الإصلاحات الضرورية لإعادة تفعيل مؤسسات الدولة في الاقتصاد والأمن والقضاء والغذاء والصحة والبيئة والسياسة وغيرها.
في المضمون، يُمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات والنقاط التي تطرح علامات استفهام حول سياسة الحكومة المرتقبة والقدرة على تطبيق الأهداف التي وضعتها:
أولاً؛ بعد تسريب المسوّدة الأولية، ركّزت معظم الوسائل الإعلامية على عدم استخدام اللجنة المكلّفة للمعادلة الثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” في البند المتعلّق بالسيادة والدفاع عن الأرض ضد الاحتلال الإسرائيلي، علماً أنّها ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها الاستغناء عن اعتماد عبارة “المقاومة”. فمنذ العام ٢٠١٤ يتمّ اعتماد صيغة حقّ لبنان في مقاومة الاحتلال أو حق اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم وغيرها من الصيغ التي لا تتبنّى العبارة الحرفية للمعادلة الثلاثية (راجع مقالة الزميل نبيل الخوري في 180 بوست). من هنا، فإن التركيز على هذه الجزئية يتمّ غالباً باستخدام أسلوب التصويب السياسي على موضوع سلاح حزب الله في وقت شهدت الأيام القليلة الماضية توتّراً بين جمهور المقاومة وبين الحكومة والعهد، بسبب أزمة الطائرة الإيرانية، قبل أن يتوجّه أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى تهدئة الشارع. في هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى تماهي بعض الوزراء الجدد في الحكومة مع هذا الخطاب الإعلامي، وهو ما يُناقض جوهر البيان الوزاري الذي يدعو إلى التضامن والوحدة، بينما المطلوب حلّ مسألة سلاح المقاومة في المؤسسات الدستورية حصراً وليس على المنابر الإعلامية.
يتوجّه البيان الوزاري بصيغة “نريد” بينما ينتظر المواطن كلمة “هكذا سنعمل وسنفعل”، أي صيغة الفعل وليس التمنّي. يفتقد البيان بالكامل وبكل بنوده إلى هذه الجزئية، وهو لم يجب على السؤال الأساسي حول كيفية تحويل الشعارات إلى وقائع، باستثناء طلب المساعدة الدولية، ولا يمكن لأي دولة أن تبني سياستها أو أن تستقيم بالاعتماد بشكل أساسيّ على الخارج
ثانياً؛ لا يُقدّم البيان الوزاري استراتيجية رسمية واضحة بشأن كيفية مواجهة الإحتلال الإسرائيلي وكيفية الحفاظ على الأراضي اللبنانية والدفاع عنها. في هذا الإطار، لا تُقدّم الحكومة أي خطة عمليّة سوى التشديد على ما أسمته “تعبئة الأسرة العربية وعموم الدول لحماية لبنان”. بالطبع، يُشكّل دعم الدول العربية والتنسيق والتعاون مع الدول “الصديقة” للبنان جزءاً أساسياً وطبيعياً في السياسة اللبنانية، لا سيّما في الوقت الراهن مع وجود القرار ١٧٠١ وتشكيل لجنة دوليّة لمتابعته. غير أن عدم وجود أي خارطة طريق يضع الدولة اللبنانية في موقع الضعيف وغير القادر على مواجهة الإحتلال الإسرائيلي وتفلّته من الالتزام بالاتفاقيات الدولية، في حين كان على الحكومة، ولو بالشكل، الإضاءة على نقاط القوة التي يُمكن للبنان استخدامها إضافة إلى الدعم العربي والدولي، وليس الانطلاق من موقع العاجز الذي يستجدي مساعدة الآخرين.
أضف إلى ذلك، لم يُحدّد البيان الوزاري من هي “عموم الدول” التي سيطلب منها المساعدة وبأي آلية وما مدى إمكانية الاعتماد حصراً على مساعدة الدول دون الانتقاص أكثر من سيادة الدولة اللبنانية.
فهذه العبارة، أي “الدعم العربي والدولي”، تكاد تطغى على معظم بنود البيان دون تقديم أي رؤية أو خطة عملية، ما يفتح النقاش حول إشكالية الاعتماد الكلّي والمفرط على “الدول” ما قد يؤدي إلى الارتهان أكثر لا سيّما في ظل إعلان بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ربط مساعداتها للبنان بخطوات سياسية وليس إصلاحية، الأمر الذي يحتاج إلى مقاربة تُجنّب البلد مخاطر الإنقسام السياسي والطائفي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :