تتّجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى اللقاء المقرّر بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الابيض، من أجل استكشاف النتائج التي يمكن أن يفضي إليها، في مرحلة تفيض بالخيارات الصعبة. وإن كان لكل منهما أولوياته على المستوى الداخلي، فهما يلتقيان في تشدّدهما حول ما يعني منطقة الشرق الأوسط، وإن اختلفا حول الآلية الواجب اعتمادها للوصول إلى الهدف عينه. وعليه ما الذي يفسّر هذه المعادلات؟
قبل ساعات قليلة على اللقاء المنتظر بينهما، جال رئيس الحكومة الإسرائيلية على الفريق الأميركي المحيط بترامب في أروقة البيت الابيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، في موازاة مجموعة من اللقاءات التي جمعته بأركان الجالية اليهودية ومنظماتها، من أجل ترتيب جدول أعمال اللقاء وفهم الخلفية التي تعمل بهديها الإدارة الجمهورية العائدة إلى البيت الابيض في أجواء من الانتصارات الكبرى التي حققها الجمهوريون في مواقع الإدارة العميقة كما في مجلسي النواب والشيوخ، وأمسكوا بالأكثرية فيهما. وباتوا على تماس مع مجموعة من الخيارات الهادفة إلى نسف ما بناه الديموقراطيون على أكثر من مستوى، في مرحلة أعقبت خسارته الجولة الرئاسية الثانية في مواجهتهم. وهي محطة أُبعدوا فيها قسراً عن المكتب البيضاوي لأربع سنوات قبل العودة إليها بفريق كامل ومتكامل لم يترك اياً من المتشددين في دعمهم للدولة العبرية خارج أي دائرة من الدوائر الفاعلة فيها، في موازاة فتح الدفاتر القديمة لاستئصال المعارضين له، ومعهم الذين تضامنوا مع الفلسطينيين حتى في المعاهد والجامعات الأميركية، لما تسببوا به من بلبلة زادت من ضعف الديموقراطيين، وسمحت ببروز أزمات كبيرة يعاني منها الأميركيون.
على هذه الخلفيات تقرأ مراجع ديبلوماسية ما يمكن أن تعكسه القمة الأميركية – الاسرائيلية، التي عُدّت الاولى على هذا المستوى منذ أن تسلّم ترامب مهماته في العشرين من الشهر الماضي. وتوزعت الرهانات في اتجاه من سيفرض أولوياته على الآخر، وخصوصاً في المناطق الساخنة من كل زوايا الشرق الأوسط، في ضوء التحولات الأخيرة التي قلبت الامور رأساً على عقب، من قطاع غزة إلى لبنان وسوريا امتداداً إلى العراق وإيران، من دون إغفال ما يجري في اليمن من استعدادات تناقضت فيها الطروحات بين المصالحة مع المملكة العربية السعودية التي تبعت إعلان «وثيقة بكين» بين الرياض وطهران، إلى المرحلة الأخيرة التي باتت فيها المملكة قبلة الشرق والغرب، وباتت المقصد الأول في مطلع التحولات الكبرى في المنطقة والعالم.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، قالت التقارير الديبلوماسية الواردة من واشنطن، إنّه ليس هناك أي سرّ في جدول أعمال اللقاء. فالجميع يدرك انّ ما يجري في إسرائيل وغلاف قطاع غزة والضفة الغربية كان وسيبقى في أولويات نتنياهو. فهو يبحث عن وسيلة تخرجه من عنق الزجاجة التي دخلت بلاده فيها قبل توقيع التفاهمات الأخيرة مع حركة «حماس» برعاية قطرية ومصرية، تظللها الإدارة الاميركية قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، من دون القضاء على حركة «حماس» التي عادت إلى ممارسة استعراض عضلاتها في القطاع تزامناً مع تطبيق برنامج تبادل الأسرى بالمعتقلين في السجون الإسرائيلية. وكل ذلك يجري قبل أن تقفل التفاهمات فصول الحرب في لبنان التي اختُتمت على زغل، بموجب اتفاق بقيت جوانب كثيرة منه غامضة لو لم تحصنه تل ابيب بوثيقة الضمانات الاميركية التي نسفت كثيراً مما ورد في النقاط الـ13 من تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، وسمحت لها بكثير مما تقوم به في لبنان وسوريا برعاية أميركية مباشرة، تترجمها اللجنة المشكّلة لمراقبة الإجراءات التي نصّ عليها التفاهم برئاسة ضابط انتدبته قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، بطريقة بقي فيها الوضع معلّقاً على توجّهاتها، إلى مرحلة لا يمكن التكهن بما قد تؤدي اليه إن حاولت اسرائيل التفلّت منها في ظل التشدّد الذي تبديه الادارة الاميركية الجديدة وتحديداً من جانب وزيري الخارجية والدفاع وموفدي ترامب إلى المنطقة، لما لهم من أفكار متشدّدة تريد ان تبقى المبادرة في يدهم مهما بلغت قوة دول المنطقة.
وتعترف التقارير انّ هذا الوضع غير المستقر الذي سيكون حاضراً على طاولة البحث بين الرجلين وسط علامات استفهام متعددة تجاه طريقة التعاطي مع طهران. فالإدارة الأميركية العميقة التي تتجاوز في قوتها الفوارق بين توجّهات بايدن ـ ترامب ـ طهران لن تسمح بأي ضربة عسكرية ضدّ طهران قبل ان تتثبت من نتائج عروضها الجديدة تجاه قادتها، وما يمكن أن تناله من تعهدات إيرانية مطلوبة بالدرجة الاولى. فقبل البحث في اي تفاهمات يمكن ان ترفد النظام الإيراني بالاكسيجين المالي المطلوب لمواجهة أزماتها الداخلية بالدرجة الأولى، لتستكمل خروجها نهائياً من الساحتين السورية واللبنانية كما من اليمن، فإنّها ما زالت تمسك ببعض الخيوط الرفيعة التي تسمح لها بزرع القلاقل على هذه الساحات مجتمعةً، عدا عن المخاوف مما بلغه التطور في ملفها النووي وما يمكن أن تقدّمه من عروض جديدة ما زالت خافية على عيون المراقبين الدوليين والأمميين اياً كانت الكلفة المقدّرة على النظام. فالمسألة في نظرهم بلغت حدوداً تتراوح بين الحياة والموت، ولا يمكنها ان تقدّم اي تنازلات قبل ضمان ديمومة النظام وفكفكة العقوبات القاسية بحقه.
عند هذه المؤشرات تترقب المراجع الديبلوماسية أن تنتج القمة الأميركية – الإسرائيلية آلية جديدة للمنطقة تعزز التوجّه إلى توفير الظروف التي تسمح بإطلاق برامج التطبيع مع اسرائيل وجرّ السعودية إليها بالثمن الذي ترغب به. وإن كان ترامب مستعداً للتراجع عن خططه الأخيرة تجاه إبعاد الفلسطينيين من قطاع غزة في اتجاه الأردن ومصر لقاء الإسراع في برامج الاعمار في القطاع، فإنّه قد يطورها لتتحول مرحلة ترحيلهم موقتة إلى حين إعمارها كما قال في توضيحات تسرّبت من إدارته اللصيقة، إن بقي الرفض الفلسطيني والعربي والخليجي مجتمعاً تجاه نقل أي فلسطيني من دون إرادته من القطاع إلى أي بقعة خارجه. وهي مؤشرات دلّت إليها الخيارات المصرية ـ السعودية التي ظهرت مؤشراتها في اللقاء الوزاري السداسي في القاهرة، الذي رفض مبدأ «الترانسفير» نهائياً وربط أي خطة للتطبيع باتجاه إعادة تكوين الدولة الفلسطينية.
وتضيف هذه المراجع، انّ لهذه التوجهات خلفيات عربية وخليجية واضحة، تقول انّ استئصال النفوذ الإيراني من المنطقة لن يكتمل قبل ولادة هذه الدولة لإسقاط اهدافها إن وجدت، ويستعيد الفلسطينيون الحدّ الأدنى من حقوقهم بالدولة، فإنّ توحيد القطاع مع الضفة الغربية تحت إدارة السلطة الفلسطينية هو الطريق الأقصر للقضاء على نفوذ «حماس» فيهما. وهي عملية لها تأثيراتها الكبرى مباشرة على الساحة اللبنانية، بحيث تسقط كل مشاريع نصرة فلسطين المحتلة إن ولدت هذه الدولة المنتظرة بأي شكل من الأشكال، والتي تتلاقى من حولها الإرادات الدولية مع العرب والخليجيين تحديداً. وإلى تلك المرحلة تتعدد السيناريوهات التي تحاكي هذه الصيغة، وقد لا تكون الفترة الفاصلة عن ولادتها بعيدة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :