مع سقوط النظام السوري وتفكّك أجهزة الدولة، وانكفاء الوحدات العسكرية السورية، التي كانت تقوم بضبط الحدود مع لبنان نسبياً، سقطت أيضاً معظم المعابر غير الشرعية بيد المهرّبين، في الجانبين اللبناني والسوري. وبرغم جهود الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ونجاحها في إقفال العشرات منها، تحوّل ما بقي منها شغالاً وعصيّاً على المراقبة، إلى مسارب تضخ كميات هائلة من السلع والمواد الاستهلاكية، وأكثرها نشط في تهريب جميع أنواع الخضار والفواكه إلى لبنان، بسبب من اثنين: ارتفاع الأسعار، والدفع بالدولار.
ومع استثناء الموز اللبناني الذي يدخل غالبيته إلى سوريا عبر البوابات الشرعية، متحمّلاً عبء الرسوم السورية الباهظة، وبعضه عبر المعابر غير الشرعية، مستعيناً بالمهربين، يدخل في المقابل إلى الأسواق اللبنانية يومياً آلاف الأطنان من المنتجات الزراعية السورية، مطعّمة بمنتجات تركية المنشأ، معظمها من الفواكه، وجدت طريقها إلى لبنان عبر السوق السورية، بعد الانفتاح التركي الكبير، إثر تبدّل النظام في سوريا وتحوّل الحكم فيها من خصم إلى صديق.
مصادر وزارة الزراعة أكدت لـ”النهار” أن حركة الاستيراد بين لبنان وسوريا لم تتوقف يوماً، وخصوصاً المنتجات الزراعية المشمولة بالروزنامة الزراعية، بيد أن المشكلة الكبيرة هي في ضخامة كميات المنتجات الزراعية واختلاف أنواعها، التي تُهرَّب عبر المعابر غير الشرعية عند الكثير من البلدات الحدودية. وكان وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عباس الحاج حسن، قد وجّه كتباً رسمية إلى وزارتي الدفاع والداخلية، والمجلس الأعلى للجمارك، والمديرية العامة للجمارك، والقوى الأمنية، وقيادة الجيش اللبناني، يحث فيها على التصدّي المتزايد لظاهرة تهريب المنتجات الزراعية إلى لبنان، ولا سيما البطاطا والحليب الطازج، التي تشكل تهديداً مباشراً للقطاع الزراعي المحلي، وتؤثر سلباً على المزارعين، واستقرار الأسواق الوطنية والأسعار، والأمن الغذائي.
وتؤكد المعلومات أن لا تواصل حالياً بين وزارتي الزراعة في لبنان وسوريا، ويقتصر الأمر على القطاع الخاص الذي “رتّب أوضاعه” مع التغيرات الحاصلة في سوريا، بما تيسّر له من علاقات خاصة، بعدما بقي التواصل طبيعياً بين التجار اللبنانيين والسوريين.
رئيس نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة نعيم خليل أكد لـ”النهار” أن وزارة الزراعة تسمح بدخول المنتجات الزراعية إلى لبنان من سوريا فقط للمنتجات التي لا تتوافر حالياً في السوق الللبنانية، مثل الكوسا والبندورة والقنبيط والخيار والملفوف والرمان، حيث يدخل يومياً نحو 4 برادات، فيما لا تستورد سوريا من لبنان إلا الموز. ولكن المشكلة برأي خليل أن لبنان لا يستوفي أي رسوم على المنتجات السورية المستوردة إلى لبنان، فيما سوريا تستوفي رسوماً على براد الموز الواحد حمولة 25 طناً، بين 400 دولار و1000.
ولفت إلى أن عمليات التهريب من سوريا ناشطة جداً، بعكس الرائج إعلامياً عن ضبط الحدود وخلافه، حيث تُهرَّب كميات كبيرة من البطاطا والتفاح والحمضيات، مشيراً إلى أن “كميات البطاطا السورية التي تُهرّب إلى لبنان تعوق عملية تصريف الإنتاج المحلي الذي لا يزال في البرادات. وما سيزيد الطين بلة هو أن موعد دخول البطاطا المصرية وفق الروزنامة الزراعية حان موعده في الأول من شباط المقبل”.
وفيما لم يقدّر خليل كمّيات المنتجات الزراعية التي تدخل لبنان عبر المعابر غير الشرعية، يؤكد رئيس “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع” إبراهيم الترشيشي أنه يدخل إلى لبنان يومياً نحو 300 طن من البطاطا السورية، فيما نحتاج فعلياً الى ما بين 500 إلى 700 طن.
ووفق الترشيشي فإنه “يتوافر في المستودعات ما يقارب 20 ألف طن، محذراً من أن العمليات غير الشرعية “تحرم المزارع البقاعي من تصريف إنتاجه قبل موعد دخول البطاطا المصرية بتاريخ الأول من شباط المقبل”.
نسخ الرابط :