أميركا تفتح رحلة لبنان نحو التطبيع: ترامب يستعدّ لافتتاح السفارة وينتظر إضعاف حزب الله أولاً

أميركا تفتح رحلة لبنان نحو التطبيع: ترامب يستعدّ لافتتاح السفارة وينتظر إضعاف حزب الله أولاً

 

Telegram

 

قل الجميع ما يقولون، لكنّ الحقائق صارت أقوى من أن تحل مكانها ألاعيب وشيطنات الصغار في قومنا. فملف تشكيل الحكومة، ليس سوى ملحق لانتخابات رئاسة الجمهورية، وكل ما يمكن لنواف سلام أن يفعله، لا يمكن أن يخرج عما هو مرسوم أصلاً من دور للعهد الجديد. ومع مرور الأيام، تتكشف التفاصيل عن المشروع الكبير الذي يُعد للبنان، حيث تخطط الإدارة الأميركية لخلق واقع لبناني «يناسب مشروع التطبيع الواسع» في المنطقة بين العرب وإسرائيل.

الأميركيون كانوا شركاء كاملين في الحرب على لبنان، وتظهر تباعاً التفاصيل عن دور أمني وعسكري مباشر في الحرب أيضاً. وثمة برنامج تقوده الولايات المتحدة من أجل بناء الإدارة العامة في لبنان، بما يساعد على كبح جماح أي قوة تريد مقاومة مشروع التطبيع، ما يجعل شعار الحرب الآن، هو كيفية إخضاع لبنان لطلبات العدو بتنفيذ النسخة الإسرائيلية من القرار 1701، والسير في مهمة نزع سلاح المقاومة في كل لبنان.

لكنّ الجانب الأميركي لا يقف عند حد معين، بل هو يذهب بعيداً في الاستعدادات والتحضيرات. وكل فكرة الحكومة الجديدة الخالية من الحزبيين والسياسيين، والتي يكون فيها الوزراء مجرد موظفين في مجلس إدارة يُعهد بإدارته إلى الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام، لهي مجرد مقدمة لكثير من الخطوات الداخلية، التي تتصل بتعيين القيادات العسكرية والأمنية على اختلافها، ومن يشغل مناصب القضاء وإدارة المؤسسات المالية ومصرف ولبنان. إضافة إلى نشر «فرق اختصاصيين» ستشرف على إعادة هيكلة قطاعات الطاقة والاتصالات. ومن دون إهمال أكثر الملفات حساسية، وهو المتعلق بإعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية، حيث المسعى الدائم لمنع وصول الأموال لمساعدة الناس على إعادة بناء منازلهم.

لكنّ المفاجأة التي يريدون تحويلها إلى رشوة كبيرة للبنان، تتعلق بإبداء الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعداده لزيارة لبنان، بعد تحديد موعد افتتاح أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط، أي المجمع الاستخباراتي والقاعدة اللوجستية لعمل وكالات الدفاع والأمن الأميركية في منطقة المشرق العربي، وخصوصاً في لبنان وسوريا. وهو مجمع ضخم، سيستوعب نحو ألفي موظف أميركي بين دبلوماسي وأمني وعسكري إلى جانب الفريق العامل في مجالات العلاقات العامة، حيث ستنطلق أكبر ورشة لجذب الشباب اللبناني المهتم بتطوير مهاراته وخدماته ضمن عمل المنظمات غير الحكومية، علماً أن إدارة الجامعة الأميركية في بيروت، أنجزت شراء مستشفى في كسروان وبدء تجهيزه ليكون مخصصاً للأميركيين. إضافة إلى اختيار مرفأ بحري خاص يخضع لإشراف الأمن الأميركي.

لكنّ ترامب الذي يتميز بصراحته الواسعة، يريد أن يزور لبنان بعد أن يكون حزب الله قد أُضعف إلى أبعد الحدود، وقد تمت إزالة السلاح من كامل المخيمات الفلسطينية وفق برنامج يعمل عليه بالتعاون مع عواصم عربية، ويتولاه الموظف في رئاسة الحكومة باسل الحسن، وصولاً إلى رفع شعار تحسين الشروط الحياتية للاجئين الفلسطينيين ضمن برنامج يقود إلى توطينهم في لبنان على غرار ما سيحصل في سوريا ودول عربية أخرى.

ما يجري ليس إلا استكمالاً للحرب التي بدأها العدو في غزة ولبنان ويستكملها في سوريا وربما يخطط لما هو أكثر خطورة ضد العراق وإيران واليمن أيضاً.

ثمة وقائع ثلاثة، هي جزء من وقائع أكثر، تؤشر إلى ما يفكر به الأميركيون، تعرضها «الأخبار» في ما يلي:

وقائع قاسية من اجتماعات في واشنطن وميامي وعمان ودمشق
الواقعة الأولى: امتحان المرشحين للرئاسة اللبنانية

كان المرشحون لرئاسة الجمهورية في لبنان يعرفون أن الامتحانات الرئيسية معهم ستكون في مكانين: الأول في واشنطن والثاني في حارة حريك. ظلت هذه القاعدة قائمة حتى بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان. ولما أراد العماد جوزيف عون تسوية تسمح بحصوله على 85 صوتاً، قال للأميركيين إنه لا مناص من تفاهم مع حزب الله. تصرّف الرجل على أن الرئيس نبيه بري لن يكون معارضاً بقوة. وهو لمس مرونة رئيس المجلس خلال المفاوضات على اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب. صحيح أن الاتفاق لم يرد فيه بند يتعلق بانتخاب العماد عون، لكن بري تعهّد على هامش المفاوضات، بأن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء مهلة الستين يوماً. هذا التعهد الذي ينفي بري وجوده، يستدل عليه الآخرون، بنوعية التفاهمات التي أجريت على عجل مع العماد عون قبل منحه الأصوات التي نقلته إلى القصر الجمهوري.

في واشنطن، حصلت لقاءات مع عدد من المرشحين الجديين للرئاسة. كان الأميركيون يصرحون بأن مرشحهم هو العماد عون، لكنهم أخذوا برأي حلفاء لهم في المنطقة، من الذين أبدوا تخوفاً من قدرة حزب الله على تعطيل العملية، ما يوجب أن يكون هناك خيار بديل. فاستغل المرشحون للرئاسة الفرصة الميتة بين رحيل إدارة ومجيء أخرى، من أجل بناء الأرضية المناسبة. لكن بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، انتقل المرشحون دفعة واحدة صوب الجمهوريين لمعرفة ما إذا كان هناك تغيير في وجهة السير. وطبعاً، استفاد المرشحون من وجود مسعد بولس إلى جانب الرئيس المنتخب، ولو كان هناك تفاوت في تقدير حجم الرجل وحقيقة تأثيره على قرار البيت الأبيض. لكن بولس ظل على الدوام، إحدى قنوات التواصل.

أما ما بقي حبيس الغرف المغلقة، فيتعلق بأسئلة صريحة وجّهها صقور الإدارة الجديدة إلى مرشحين أو وسطاء يعملون من أجل مرشحين محتملين. ولم يكن النقاش يتعلق بالإصلاحات الداخلية كما يظن كثيرون، بل كان جدول الأعمال يختلف مع الوقت، وعشية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار، صارت الأسئلة مباشرة جداً: ماذا ستفعل من أجل تطبيق القرار 1701 ومندرجاته في كل لبنان؟ كيف ستتعامل مع سلاح حزب الله شمال نهر الليطاني؟ ما هو موقفك من عدم إدخال حزب الله إلى الحكومة الجديدة؟ كيف يمكن خلق مناخ سياسي عام في لبنان يقود إلى إعلان إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، والاستعداد للحظة يكون فيها السلام أمراً ممكناً... إلى آخره من الأسئلة التي تصب في خدمة الهدف الأوحد: كيف نضمن أمن إسرائيل، وكيف يمكن محاصرة حزب الله ودفعه إلى التراجع عن فكرة المقاومة؟

بعض المرشحين، كانوا يعتقدون بأن هذه الأسئلة، سوف يكون لها ما يقابلها تماماً عند حزب الله. وأن تكون أسئلة الحزب على شكل: كيف ستطبق القرار 1701 حصراً جنوب الليطاني؟ وكيف ستضمن التزام إسرائيل بتطبيق القرار والانسحاب ووقف كل أنواع الاعتداءات على لبنان بما فيها الخروقات على أنواعها؟ وكي ستحيل ملف السلاح إلى لجنة الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية؟ وما هي خطتك لأجل ضمان أن تلعب الدولة دوراً عملانياً فعالاً في عملية إعادة الإعمار؟ وهل ستعمل من أجل تسهيل وصول الدعم الإيراني المباشر أو غير المباشر إلى لبنان؟ وأي وضعية تريدها للجيش اللبناني في المرحلة المقبلة ومن هو مرشحك لمنصبَي قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان؟

لا أحد يصرّح فعلياً بما أجاب المرشحون على أسئلة الأميركيين، ولكن الأكيد، أن أسئلة حارة حريك لم تُطرح بالصيغة التي تخيّلها المرشحون، حتى جاء موعد 9 كانون الثاني الماضي، كان الجميع أمام أمر واقع. اكتشف القوم بأن لا وجود لمرشح آخر عند الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية سوى العماد عون، وقطر أنهت مناورتها وسارت في الركب. وعندما أُسندت مهمة التبليغ إلى المسؤول السعودي يزيد بن فرحان، سأل الأخير عن كيفية مخاطبة المسؤولين السوريين سابقاً للنواب اللبنانيين. فاعتبرها تجربة رائدة في التحدث مع اللبنانيين، وهو ما فعله عندما جاء إلى بيروت. صحيح أنه كان فجاً مع بعض الكتل وبعض المستقلين، إلا أنه لم يكن مرناً مع آخرين من الكتل الكبيرة مثل «القوات اللبنانية»، أما وليد جنبلاط فقد أعفاه من المهمة قبل وصوله، لكن المسؤول السعودي وجد نفسه أمام نقاش صعب نسبياً مع الرئيس نبيه بري، والأخير لم يستسغ اللغة ولا الطريقة التي يتكلم فيها المسؤول السعودي، وأحاله بعد أول لقاء إلى معاونه النائب علي حسن خليل، واعتذر عن الاجتماع به من جديد.

لم يمر وقت طويل على انتخاب العماد عون رئيساً، حتى تبيّن أن التفاهمات التي جرت بينه وبين حزب الله لم تكن قوية ومتينة بالقدر المطلوب. في هذه النقطة، بدت المناورة ناقصة من جانب رئيس المجلس. وثمة من اقترح على الثنائي بعد جلسة التصويت الأولى التي لم يحصل فيها عون على 85 صوتاً، أن يصار إلى تجميد عملية التصويت، وأن يصار إلى الاتجاه صوب مفاوضات من نوع جديد، على أن تجري هذه المرة مع الأميركيين مباشرة وليس مع العماد عون. وأن يكون عنوانها: حسناً، نحن على استعداد للسير بانتخاب قائد الجيش، ولكن بعد أن تضمنوا لنا التزاماً إسرائيلياً تاماً بالانسحاب عند نهاية مهلة الستين يوماً، وأن لا تضعوا أي عقبات أمام عملية إعادة الإعمار.

لم يأخذ لا بري ولا حزب الله بهذه النصيحة، والتزما السيناريو المتفق عليه، فعُقد اجتماع أخير مع قائد الجيش، قبل أن يعود النواب إلى مقاعدهم للتصويت، وقبل ذلك بدقائق، برّر الثنائي قرار التصويت لمصلحة عون، بأنه جرى التفاهم معه على أمور أساسية، من بينها الإبقاء على نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، وإسناد وزارة المالية إلى شيعي، والتفاهم على التشاور قبل اختيار المرشحين لمنصبي قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان.

مرة جديدة، سبب هذا السرد، هو القول، بأنه لم يحصل أي نقاش له بعده الاستراتيجي، والمتصل بالوضع في لبنان وعلاقته بما يجري في المنطقة، وآثار سقوط النظام السوري على المقاومة، وبدا أن التفاهم بين حركة أمل وحزب الله يسير على هُدى التعاون في مواجهة «من يريد إقصاء الشيعة عن الدولة».

الواقعة الثانية: ماذا قال ترامب لتميم عن الأردن؟

قبل انتقاله إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، جرى تأمين اجتماع «مصيري» بين أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب في منتجعه بولاية فلوريدا. انتظر كثيرون عودة «الشيخ» من ميامي لمعرفة اتجاهات «رجل المفاجآت» سيما أن الغالبية كانت واثقة من فوزه بالرئاسة. لكن الصدمة حلّت، عندما قال لهم تميم: لقد سألني ترامب عن الملف الفلسطيني، وقال لي، بماذا تفسر التظاهرات التي تحصل في الأردن هذه الفترة؟ فأجاب تميم: هو احتجاج على ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة؟ فقاطعه ترامب: لا، إنها تظاهرات ضد الملك الأردني. فالوضع في الأردن ليس جيداً على الإطلاق، وهناك رغبة قوية لدى الشعب بالتغيير. وربما يجب أن يأخذ الجميع هذا الأمر في الاعتبار. وأكمل ترامب حديثه عن أنه سيدعم وقفاً سريعاً للحرب في الشرق الأوسط، لكنه تحدّث عن أنه لا يريد وقفاً لإطلاق النار فقط، بل يريد إقرار السلام في المنطقة، وأن يكون هناك تفاهم عربي – إسرائيلي، وقد نصح أمير قطر بأن لا يكون خارج قطار التطبيع مع إسرائيل.

في هذه الأثناء، تصاعد الحديث في عمان حول تعاظم نفود الملكة رانيا في إدارة العرش، وأن ابنها ولي العهد الحسين بن عبدالله، صار ينشط أكثر في العلاقات الداخلية، وصار أبوه يجلسه إلى جانبه في استقبال أي ضيف. كما طلب منه الذهاب لبناء العلاقات مع أعيان المملكة، من شرق أردنيين وفلسطينيين أيضاً. صحيح أنه تجاوز عمر الثلاثين، لكنه تدرّب كفاية لتولي المسؤولية، ثم بدأ الهمس عن استعداد الملك للإقدام على خطوة إصلاحية كبيرة في الأردن، تبدأ بإعلان تنحيه عن الحكم لابنه، ثم إطلاق سياسات داخلية جديدة، تلغي المزيد من الفوارق التي لا تزال موجودة بين الشرق أردنيين والفلسطينيين، علماً أن الملك عبدالله، الذي عانى الأمرّين مع قادة دول الخليج العربي، صار يموّل عرشه من دعم توفره أساساً العائلات الفلسطينية صاحبة النفوذ المالي الكبير. إضافة إلى مساعدات تقدّمها الولايات المتحدة وأوروبا، مقابل دوره الأمني في مواجهة المقاومة في الضفة الغربية من جهة، ومساعدة حكومات حليفة في المنطقة. لكنّ الملك يريد أولاً الحصول على مباركة الإدارة الأميركية لهذه الخطوة.

لعبة الحظ ناجحة عند الملوك. فجأة، برزت إلى الواجهة من جديد، سيدة أميركية من أصول أردنية، هي جوليا النشيوات. الصبية التي درست في أميركا واليابان قبل أن تبدأ مسيرتها المهنية كضابط استخبارات عسكرية في الجيش الأميركي، ثم تتحول إلى خبيرة في المسائل الأمنية وفي السياسات الحكومية، لتحتل موقع مستشارة الأمن الداخلي في إدارة ترامب من عام 2020 إلى عام 2021، بعدما تولّت منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأسبق ريكس تيلرسون... لكن الأهم من كل ذلك، في كونها زوجة مستشار ترامب للأمن القومي مايك والتز.

سارع ديوان الملك الأردني إلى طلب النجدة من السيدة والتز، والتي عملت على ترتيب اجتماع بقي بعيداً عن الأضواء بين الملك عبدالله والرئيس ترامب. وخلاله، سمع ملك الأردن تصوّر الرئيس الأميركي لمستقبل السلام في المنطقة. وفي ذلك الاجتماع، كان عبدالله أمام الطلب الأول والأكثر سخونة: عليك أن تستعد للمساعدة في معالجة المشكلة الفلسطينية، وأن تفتح بلادك لاستقبال نحو ربع مليون فلسطيني جديد!

تلك الليلة، لم ينم الرجل، وقد بدا القلق واضحاً عليه، وفي وقت لاحق التقى وفداً من وجهاء عشائر أردنية، وكان صريحاً جداً معهم بالقول: يبدو أننا نجونا من صفقة القرن، ولكن التحدي الجديد، قد يكون صعباً، ولا أعرف إن كنا سننجو منه مرة أخرى!.

الواقعة الثالثة: الشرع يسأل عن السادات يريد تجنيس الفلسطينيين

ثلاثة أيام فقط على إعلان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. والفرق العسكرية والأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام، تعمل على تثبيت انتشارها في العاصمة السورية. وتبعد المسلحين التابعين لفصائل درعا أو مجموعات السويداء عن ريف العاصمة. لكن أركان أحمد الشرع، سارعوا لعقد أول الاجتماعات مع قيادة الفصائل الفلسطينية في مخيم اليرموك. كان الكلام حاسماً وجازماً وسريعاً: عليكم أن تفهموا أن السلاح الفلسطيني ممنوع من الآن فصاعداً. سلّموا الأسلحة الثقيلة، وأخلوا جميع المقرات العسكرية والمعسكرات في أي مكان في سوريا، واحفظوا سلاحاً خفيفاً مع عناصر لا يخرجون من المراكز. ثم فتحت «الهيئة»» الباب أمام وساطة رئيس إقليم الخارج في حركة «حماس» خالد مشعل لضمان عدم التعرض لقيادات فلسطينية كانت محسوبة على النظام. لكن هذا النشاط، سرعان ما انتقل إلى التنفيذ، خصوصاً في المنطقة الحدودية مع لبنان، حيث أُخرجت مجموعات الجبهة الشعبية – القيادة العامة من مقراتها على الحدود مع البقاع الشرقي في لبنان، بينما تبلّغ لبنان بأنه صار بمقدور الجيش اللبناني التوجه إلى منطقة قوسايا وختم كل هذا الملف بالشمع الأحمر.

انشغل السوريون بالحدث الداخلي. فيما كانت قوات الاحتلال تحتل المزيد من الأراضي والمواقع في الجنوب، وتنتشر عسكرياً في محافظة القنيطرة، وتوسّع حضورها الأمني في مناطق درعا والسويداء، وترسل فرق كومندوس إلى الخط الحدودي وصولاً حتى قاعدة التنف. بينما كانت القيادة السورية الجديدة، لا تعلّق على هذا الحدث، وأكثر ما اضطُر المسؤولون في هيئة تحرير الشام إلى الحديث عنه تجلّى في الحديث عن «تقدم القوات الإسرائيلية» وأنه «فعل غير مبرر طالما طردنا إيران وحزب الله من سوريا». وإذا كان السوريون يمرون اليوم في لحظة خاصة، قد لا تجعل مواجهة الاحتلال أولوية، فهذا أمر لا يدوم في حالة دوام الاحتلال. ولكن، لنتعرف أكثر على الإطار العام للحكم الجديد. وهو يرى الاستقرار ممكناً إذا حصل على اعتراف الغرب وعربه به، ثم الحصول على مساعدات وإلغاء العقوبات، وهذا ما ساعد على فهم التوجه الفعلي لأحمد الشرع تجاه إسرائيل.

كان نجيب ميقاتي جالساً يستمع «مدهوشاً» إلى أحمد الشرع في قصر الشعب. اضطر ميقاتي إلى الإنصات جيداً، لمن يريد أن يتعرف إليه بصورة مباشرة. قبل أن يباغته الرجل بسؤال صعب: قل لي دولة الرئيس، هل أنور السادات في نظرك يُعتبر خائناً؟. صمت ميقاتي ولم يرد، كمن ينتظر أن يواصل الرجل حديثه، لكن الشرع كرّر: سألت ولم تجب، هل تعتبر أنور السادات خائناً؟ أيضاً ابتسم ميقاتي بما يجعل الرجل يفهم أن لا جواب لديه. فأخذ الشرع نفساً ليكمل: فكّرت بالأمر طويلاً، وأنا درست كل ثورات العالم، وراجعت ما مر على الأمة العربية من أفكار وقوى، والآن، أفكر، لو أنني كنت مكان السادات في حينه، لفعلت الأمر نفسه!.
في إدلب، وخلال عمله على «تمكين حكم الهيئة» هناك، كان الشرع يوسّع من قنوات التواصل بينه وبين الغربيين. لم يكن يريد حصر الأمر عبر الأتراك و القطريين. وهو استفاد من إلحاح الاستخبارات البريطانية للحضور مباشرة على الأرض، وفتح معهم ومع أوروبيين وأميركيين علاقات، من باب المساعدات الإنسانية. لكنه ظل يستمع إلى النصائح حول ما يجب عليه القيام به، من أجل انتزاع اعتراف الغرب به.

الشرع نفسه، فاجأ بعض المساعدين له، بأن طلب إليهم عدم استفزاز القيادات الدرزية في السويداء. وبعد اجتماعين غير ناجحين عقد أحدهما في دمشق والآخر في السويداء، طلب الشرع من مساعديه ترك الأمر إلى وقت لاحق. ولما قيل له، بأن إسرائيل بدأت تعزز نفوذها هناك من خلال شخصيات دينية درزية موجودة في فلسطين المحتلة لم يعلّق، بل أصر على تأجيل ملف السويداء إلى وقت لاحق. والمهم، أن تمنعوا توسع نفوذهم، وحاولوا إيجاد الأطر لمنع وقوع اشتباكات بينهم وبين أهالي حوران. وقال إن منع النفوذ الإسرائيلي أمر صعب جداً.

يعرف الشرع جيداً أن الحكم في سوريا لم يكن سهلاً الآن. وأمامه خيارات ضيقة. فإما أن يبني تحالفاً سياسياً عريضاً وهو ما لا يبدو راغباً فيه، وإما البديل، فهو الذهاب نحو تفاهم جدي مع الولايات المتحدة الأميركية. ومتى نجح في انتزاع اعتراف واشنطن به، سوف تفتح الأبواب أمامه داخلياً وخارجياً.

حتى اللحظة، يبدو أن دونالد ترامب يلاقي الشرع بإيجابية نسبية. ويخضعه لامتحان تلو آخر. وترامب لم يطلق أي موقف تجاه ما يجري في سوريا. بعد الهجوم على حلب، قال إنها مسألة لا تخص أميركا، ثم أوضح لاحقاً أنه يقدر على البحث في الأمر مع الأتراك. وهو يترك الأكراد والمقاتلين في البادية في حالة قلق. لا يقول إنه يريد الانسحاب، ولكنه لا يحسم أنه سيقاتل إلى جانبهم إن تعرضوا للهجوم من جانب تركيا. لكن ترامب، أرسل من يحمل طلبه الرئيسي المتعلق بخطته نفسها: كيف نصنع السلام مع إسرائيل؟

لا يريد أحد الحديث عن هذا الأمر الآن. فقط في تركيا يوجد قلق من «القنوات الخلفية» التي يتعامل معها الشرع. وقطر تركز اهتمامها على ضمان مقاعد لشخصيات وقوى حليفة لها في الحكم السوري. لكنّ أحداً لا يناقش الشرع في خطته لإرضاء الأميركيين. لكن يأتيك من الغرب من يحمل «الأخبار الطيبة»، حيث أرسل الشرع إلى العاصمة الأميركية، موافقته على الدخول في مشروع معالجة مشكلة الفلسطينيين. وهو يدرس الآن قراراً، بمنح الجنسية السورية لكل الفلسطينيين المسجّلين كلاجئين في سوريا. وبعدها، سيقول لهم: لقد أصبحتم مواطنين كاملي الأهلية، تحصلون على الحقوق كاملة، لكن تخضعون لنفس القوانين. وعليكم ترك أمر الصراع مع إسرائيل إلى الدولة كي تقرر المطلوب فعله. وهو لا يمانع، أنه في إطار برنامج إعادة الإعمار في سوريا، أن يجري العمل على إزالة المخيمات نهائياً ونشر من بقي من فلسطينيين على طول الجغرافيا السورية. لكن ما لم يفصح الشرع بعد عنه، هو ما إذا كان أجاب أم لا على طلب واشنطن، بأن يستقبل المزيد من اللاجئين الآتين من الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو حتى من بلدان عربية أخرى.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram