خاص " icon news"
بقلم الدكتورة رشا ابو حيدر
مبدأ المناصفة في الدستور اللبناني: الأساس الدستوري، الأبعاد القانونية ،
والإشكاليات المرتبطة
مبدأ المناصفة في الدستور اللبناني يُعدّ أحد الركائز الأساسية للنظام السياسي اللبناني، ويعود إلى خصوصية النظام الطائفي الذي يعتمد على توزيع السلطات والمناصب بين الطوائف المختلفة لضمان التوازن بين مكونات المجتمع اللبناني المتعدد.
أولاً: الأساس الدستوري لمبدأ المناصفة
أ. اتفاق الطائف)1989(: تم إق ارر مبدأ المناصفة كجزء من الإصلاحات الدستورية المنبثقة عن اتفاق الطائف، الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية. وقد نص الاتفاق على توزيع المناصب في السلطة التشريعية والتنفيذية بين المسلمين والمسيحيين بالتساو ي.
ب. المادة 24 من الدستور اللبناني )التعديل بعد الطائف(: المادة 24 من الدستور اللبناني تنظم
كيفية توزيع المقاعد في مجلس النواب اللبناني، وهي تنص على التوزيع الطائفي والمناطقي للمقاعد النيابية .وقد خضعت هذه المادة لتعديلات بموجب اتفاق الطائف 1989، الذي أدخل تغيي ارت جوهرية على النظام السياسي اللبناني.
- النص الأساسي للمادة 24:
تنص المادة 24 بعد تعديلها بموجب اتفاق الطائف على ما يلي:
1. التوزيع الطائفي بالتساو ي: يتم توزيع المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين بالتساو ي %50للمسلمين و50% للمسيحيين.
2. التوزيع داخل الطوائف: تقسم المقاعد بالتناسب بين مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية.
o الطوائف الإسلامية: السنة، الشيعة، الدروز، والعلويو ن.
o الطوائف المسيحية: الموارنة، الأرثوذكس، الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، البروتستانت، والأقليات المسيحية.
3. التوزيع المناطقي: يتم توزيع المقاعد أيضًا بشكل مناطقي )جغ ارفي( بحيث يكون هناك تمثيل لجميع المناطق اللبنانية.
4. مارعاة الشاركة الوطنية: تنص المادة على الت ازم مجلس النواب بتمثيل كافة الطوائف بشكل عادل لضمان التوازن والش اركة الوطنية.
- التفسير العملي للمادة 24:
1. تكريس مبدأ المناصفة: المادة تهدف إلى تعزيز التوازن الطائفي بين المسيحيين والمسلمين عبر اعتماد التساوي التام بينهما في مجلس النواب، بغض النظر عن التغي ارت الديموغ ارفية أو العددية.
2. النسبية داخل الطوائف: المقاعد النيابية توزع بالتناسب بين مختلف الطوائف. على سبيل المثال ،لا يمكن لطائفة واحدة، مسيحية أو إسلامية، أن تستحوذ على نصيب أكبر من غيرها خارج النسب المتفق عليها.
3. تمثيل المناطق: المادة تعكس حرص المشرع على تمثيل مختلف المناطق اللبنانية لضمان مشاركة الجميع في الحياة السياسية، مع ربط التوزيع المناطقي بالتوزيع الطائفي.
4. التحديات الدستورية: المادة 24 تضع قيودًا على النظام الديمق ارطي التقليدي، إذ تجعل الطائفة معيا ار أساسيًا في تحديد هوية النواب بدلًا من ترك الانتخابات مفتوحة للمنافسة السياسية العامة.
- العلاقة مع المادة 95:
• المادة 95 من الدستور تشير إلى مبدأ "إلغاء الطائفية السياسية"، لكنها تعتبر المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مجلس النواب جزءًا من مرحلة انتقالية.
• لذلك، المادة 24 تمثل إجارءً مؤقتًا وفقاً للمادة 95، لكن هذا الإج ارء لا ي ازل قائمًا، مع عدم وجود تقدم عملي نحو إلغاء الطائفية السياسية.
- الإشكاليات المرتبطة بالمادة 24:
1. التقيد بالطائفية السياسية: يكرس التوزيع الطائفي فكرة الولاءات الطائفية، مما يعيق تطور مفهوم المواطنة.
2. تجاهل الكفاءة: التركيز على التوازن الطائفي يؤدي أحيانًا إلى تغييب معايير الكفاءة أو الخبرة لصالح التوازن العددي.
3. التفاوت الديموغارفي: التوزيع الحالي قد لا يعكس التغي ارت الديموغ ارفية، مما يؤدي إلى جدل سياسي دائم حول العدالة في التمثيل.
4. إبطاء الإصلاح السياسي :يجعل المادة عائقًا أمام التحول إلى نظام ديمق ارطي مدني كامل يعتمد على التنافس الحر بين المرشحين دون اعتبا ارت طائفية.
ثانياً: الأبعاد القانونية لمبدأ المناصفة
أ. التوازن الطائفي: المناصفة تعتبر وسيلة لضمان تمثيل عادل لجميع الطوائف، مما يحدّ من هيمنة طائفة واحدة على السلطة.
ب. تقييد المساواة السياسية: رغم أن المناصفة تهدف إلى تحقيق العدالة بين الطوائف، إلا أنها تقيد المساواة بين المواطنين، إذ تجعل الانتماء الطائفي معيا اًر أساسياً لتولي المناصب بدلاً من الكفاءة الفردية.
ت. التأثير على الديمقارطية: يؤدي مبدأ المناصفة إلى قيود على العملية الديمق ارطية، حيث تصبح الانتخابات النيابية محكومة بمعايير طائفية، وليس بالمنافسة الحرة بين الأف ارد أو الأح ازب.
ث. الطابع الانتقالي للمبدأ: وفق المادة 95، يعتبر مبدأ المناصفة إج ارءً مؤقتاً في انتظار إلغاء الطائفية السياسية، إلا أن الجهود لتحقيق هذا الهدف لا ت ازل متعثرة.
ثالثاً: الإشكاليات المرتبطة بالمبدأ
أ. تعزيز الطائفية السياسية: مبدأ المناصفة قد يُكرّس الانقسامات الطائفية بدلاً من التخفيف منها، إذ يعزز الشعور بالانتماء الطائفي على حساب الهوية الوطنية.
ب. غياب الكفاءة :التركيز على الهوية الطائفية للمسؤولين قد يؤدي إلى إهمال معايير الكفاءة والخبرة.
ت. عرقلة الإصلاح السياسي: التمسك بالمناصفة يجعل من الصعب إدخال إصلاحات سياسية تمكّن من تجاوز النظام الطائفي.
من وجهة نظر قانونية، يعتبر مبدأ المناصفة وسيلة لضمان استق ارر النظام السياسي في ظل التعددية الطائفية اللبنانية، لكنه يُواجه تحديات عدة تتعلق بالتوفيق بين متطلبات العدالة الطائفية ومتطلبات الدولة المدنية التي تعتمد على المساواة والكفاءة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :