احتفال تنصيب ترامب: الله «يحمي أميركا»

احتفال تنصيب ترامب: الله «يحمي أميركا»

 

Telegram

 

شاهد العالم كلّه احتفال تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، في قاعة مغلقة بحضور رؤساء سابقين وقضاة، وجنود من أصول أفريقية وآسيوية يلتفّون بشكل دائري حول الرئيس بحيث أنّنا نرى ترامب في الخلفية عندما تلقي خطيبة الاحتفال كلامها. كان لافتاً في الاحتفال خطابين لقسّين خطبا على شكل عظة بينما كان الجميع واقفين كأنّهم يصلّون.

يقول الأسقف تيماثي دولين (دعونا نتذكّر جورج واشنطن وهو يجثو على ركبتيه)، مظهراً خشوع أحد مؤسسي الولايات المتحدة أمام الله، مبجّلاً الإنجيل الذي سيضع دونالد ترامب يده عليه لكي يؤدّي اليمين من أجل حماية تطبيق الدستور الأميركي. ويستذكر الأسقف الملك سليمان الذي دعا الله إلى توجيهه بحكمته لكي يحكم بعدل وقدسية، والحكمة التي لا تأتي من الله لا يريدها، والله هو من يحمي الولايات المتحدة عبر الرئيس ترامب. ثمّ يأتي دور الأسقف فرانك الذي يرتدي طقماً مدنياً مع ربطة عنق. يلقي خطابه مستهلّاً بذكر النبي دانيال الذي قال إنّ الأمّة التي تستند إلى كلام الله مباركة، فالله هو الذي يطيح بالملوك ويأتي بملوك، وهو مصدر الحكمة للحكّام الذين هم مستعدّون لفهم كلام الله. ويطلب من الله أن يعطي ترامب القوّة من علياء عرشه لكي يحمي (أمّة) الولايات المتحدة الأميركية، ثمّ يشكر الله بشكل مفاجئ على جمال السيّدة ميلانيا ترامب زوجة الرئيس ولباقتها، ويدعو نائب الرئيس إلى الوقوف إلى جانبه كما وقف كثيرون من اليهود أمام النبي موسى حين أخرج شعبه من ظلم الفرعون في مصر.

يثير هذا الخطاب الديني بلبلةً فكرية وهوياتية عن فكرة الولايات المتحدة الأميركية. إنّ وجود دستور في أيّ دولة قائم على عقد اجتماعي اتفّق عليه جميع الأفراد، وسلّموا حقوقهم للسلطة التي تحكم الجميع ولا يحكمها أحد. من المستغرب أن نرى السلطة في الولايات المتحدّة التي تحكم شعبها وتحكم العالم بأسره خاضعةً لإله الإنجيل حصراً، كأننا في دولة أوروبية في العصور الوسطى حيث يحكم الملك باسم الله الكاثوليكي. ويترافق هذا كلّه مع نظرة محافظة لترامب، إذ يريد الأمّة الأميركية على صورة الأخلاق المسيحية المحافظة والمقاتلة باسم الله، مخالفاً رؤية بايدن المنفتحة على أخلاق الحداثة، حيث أعلن الولايات المتحدة البلد الأوّل الحاضن للمثليين جنسياً، بينما أعلن ترامب أنّه يريد طرد المتحوّلين والمثليين من الجيش وحتّى من المدارس العامة.

إنّ تشبيه الرئيس الأميركي بالنبي موسى يُعيد سردية الدولة اليهودية، بحيث أنّ الله أوحى لموسى بتعاليمه العشرة لكي تكون الدستور الأوّل للدولة اليهودية. إلا أنّه وبحسب سردية الإنجيل، طمع اليهود بدولتهم القوية وصاروا يحتلّون أراضي غيرهم، فصاروا مِللاً وتناهشوا على السلطة وحكم عليهم بالشتات أبداً إلى حين ظهور المسيح من جديد. لم يروِ الأسقف الرواية كاملةً، توقّف عند وحي الله للنبي موسى وجعل من الولايات المتحدّة أمّةً مقدّسة تستلهم قوّتها من الله، وتبغى السيطرة على العالم باسمه. قد تبدو هذه الصورة لإظهار أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحتكم لأخلاق دينية محافظة بعكس الشرق الحديدي واللاديني مثل الصين وروسيا، وأراضيها مكان آمن للعائلة والفرد.

الا أنّ هذا الاحتفال بدا كمسرح عبثي، فبلد هوليوود والاستهلاك باعنا صوراً حداثوية أباحت كلّ الأفكار وأدخلت أعرافاً عالمية اخترقت كلّ المجتمعات، بحيث أنّ منظّري الدستور الأميركي بنوا القوانين على قاعدة أنّه يحقّ للإنسان أن يفعل أي شيء من أجل الوصول إلى رغبته طالما لم يمنعه الآخر. ومن هنا جاءت فكرة الحلم الأميركي. لذلك يبدو غريباً جدّاً وغير منطقي أن يُقسم الرئيس الأميركي واضعاً يده على الإنجيل، فمن عيّن الهاً على أكبر إمبراطورية نيوليبرالية ألغت وجود شعب على أراضيه وصارت تحكم باسمه؟!

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram