لبنان 2025: خريطة الطريق نحو التعافي الاقتصادي

لبنان 2025: خريطة الطريق نحو التعافي الاقتصادي

 

Telegram

 

شهد لبنان في عام 2024 استمراراً للأزمات الاقتصادية والسياسية التي أرخت بظلالها الثقيلة على البلاد، حيث تعمّق الفراغ الرئاسي والشلل المؤسساتي. ما انعكس في غياب القيادة الفاعلة عن المشهد الوطني. كان الوضع الاقتصادي في طليعة المشهد، مع اتخاذ حكومة تصريف الأعمال خطوات محدودة في محاولة فاشلة لمعالجة الأزمة، أبرزها تعديل السعر الرسمي للدولار إلى 89,500 ليرة، ما أدى إلى تعجيل عملية الدولرة في مختلف القطاعات، وأهمها القطاع العام… فما هي أبرز الخطوات للعودة إلى طريق التعافي في 2025؟

رغم إقرار الموازنة العامة في مواعيدها الدستورية، استمرت أزمة الدين العام دون حلول. فيما تراجع استخدام الليرة اللبنانية لصالح الدولار، الذي بات العملة الرئيسية في السوق. ظلت التحديات المصرفية قائمة، مع غياب أي مبادرات جادة لاستعادة الثقة بين المصارف التجارية ومكونات القطاع الخاص من أفراد ومؤسسات. في وقت تكبّد الاقتصاد خسائر ضخمة نتيجة الحرب الإسرائيلية التي إرتفعت حدتها في ايلول من سنة ال 2024. وتراوح تقديرات الأضرار بين 9 و20 مليار دولار. وزاد الوضع تعقيداً وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) . ما سوف صعّب حتماً الحصول على دعم مالي دولي.

هذا المشهد الحرج، وإن تخللته بعض مؤشرات استقرار نسبي، كان هشّاً وغير مستدام. مع نهاية العام، بات لبنان على مفترق طرق، حيث حملت هذه الظروف دروساً قاسية وفرصاً محتملة تنتظر الاستفادة منها في عام 2025.

تحديات أمام الرئيس الجديد في 2025

أصبح لبنان على رئيس جديد للجمهورية في 9 كانون الثاني 2025 بعد طول إنتظار. إنها، وبعد الإستماع والاستمتاع بخطاب القسم، فرصة فريدة لتغيير مسار لبنان من الانهيار الاقتصادي إلى التعافي.

تأتي هذه الانتخابات الرئاسية في ظل أزمات عميقة، من انهيار العملة الوطنية وتفاقم أزمة المصارف إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. لذلك، لذلك هذه الانتخابات استحقاق اقتصادي بالدرجة الأولى، لا مجرد مشهد سياسي يغذي الانقسامات الطائفية.

وانتخاب رئيس يحمل رؤية اقتصادية شاملة وواقعية يمكن أن يشكل نقطة انطلاق لاستعادة الثقة محلياً ودولياً. مع التركيز على تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية واستقطاب الاستثمارات لدعم الاقتصاد.

بعدما أنجزت الانتخابات الرئاسية، يصبح الإسراع في تشكيل حكومة متخصصة ضرورة حتمية. هذه الحكومة يجب أن تكون قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية بفعالية وسرعة، بعيداً عن الجمود السياسي الذي عرقل أي إصلاح حقيقي في الماضي. إذا تم توجيه هذه الاستحقاقات نحو تحقيق استقرار اقتصادي مستدام، يمكن للبنان أن يبدأ مساراً جديداً يعيد الثقة في الدولة ومؤسساتها، ويضع أسساً لتطوير شامل يعيد للبلاد دورها ومكانتها الاقتصادية.

تصفية البنوك العاجزة…

أهم المحطات التي على الحكومة أن تركز عليها الحكومة اللبنانية في عام 2025:

إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية: يتطلب إعادة الإعمار تشكيل هيئة وطنية لإدارة العملية برؤية استراتيجية واضحة، تشمل حصر الأضرار وتحديد الأولويات. إضافة إلى تعزيز الشراكة مع المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الصديقة المانحة والمنظمات غير الحكومية، مع تفعيل وتسهيل دور المغتربين اللبنانيين في دعم المشاريع التنموية عبر صناديق إستثمارية مخصصة. ويُفضل اعتماد نظام رقابي صارم لضمان الشفافية في استخدام ما توفر من الموارد.

إعادة هيكلة القطاع المصرفي: تحتاج المصارف اللبنانية إلى خطة شاملة لإعادة رسملة نفسها، إما عبر إدخال مستثمرين أجانب أو شراكات استراتيجية مع مصارف إقليمية ودولية. وبانتظار هذا الاستحقاق علينا التوجه التوجه نحو “تصويب الأداء”، بالعودة الى تأمين الحد الأدنى من الخدمات المصرفية لإطلاق عجلة الإبتعاد عن الإعتماد على الأوراق النقدية في التبادل والتداول التجاري داخلياً. والعودة إلى وسائل الدفع المتاحة من خلال مؤسسات القطاع المصرفية. لإنجاح عملية إعادة هيكلة القطاع لا بد من تسهيل إجراءات تصفية البنوك العاجزة وتعزيز الإطار القانوني لضمان حقوق المودعين. يمكن أن تتضمن الخطة تطوير نماذج مصرفية جديدة تركّز على الخدمات الرقمية والابتكار المالي.

ضبط سعر الصرف واستقرار النقد: يتطلب ذلك تفعيل دور مصرف لبنان لضمان استقرار سعر الصرف من خلال إدارة احتياطيات العملات الأجنبية بحذر. ودعم الليرة اللبنانية تدريجياً من خلال تعزيز الإنتاجية المحلية وتوجيه تدفق الأموال الأجنبية نحو استثمارات حقيقية وليس المضاربات. كما ينبغي مراقبة حركة الأموال لضمان استقرار الأسواق النقدية.

إصلاح النظام الضريبي: يتطلب الإصلاح الضريبي إعادة هيكلة شاملة تشمل ضرائب تصاعدية عادلة، وضبط التهرب الضريبي، وإلغاء الإعفاءات الضريبية غير المبررة. وأن تكون الإصلاحات موجهة نحو تعزيز الإيرادات الحكومية مع حماية الفئات الهشة وتقديم حوافز ضريبية للاستثمارات في القطاعات الإنتاجية.

القطاع العام والفساد وصندوق النقد

إعادة هيكلة القطاع العام: تتطلب هذه الخطوة تقليص حجم القطاع العام غير المنتج وزيادة كفاءته. بإنتظار تحقيق هذا الهدف على أصحاب القرار والنفوذ ضمان “تصويب الأداء. من خلال تقديم الخدمات الأساسية للمواطن والوطن. قد تكون إعادة هيكلة القطاع العام صعبة ولكنها ليست مستحيلة. يمكن تحقيق ذلك من خلال دمج الوزارات والمؤسسات المكررة وتحسين التكنولوجيا المستخدمة في تقديم الخدمات العامة. وتخصيص استثمارات لتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، والتركيز على الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد.

مكافحة الفساد وتبييض الأموال: تشمل هذه الجهود اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وتطبيق قوانين مكافحة تبييض الأموال بصرامة. ينبغي دعم استقلالية القضاء وتعزيز دور هيئات الرقابة. على الصعيد الدولي، تبقى قنوات التواصل مع مجموعة العمل المالي (FATF) مفتوحة لإثبات تقدم لبنان في تحسين الامتثال لإجراءات مكافحة تبيض الأموال وتمويل الإرهاب.

تعزيز الإنتاجية المحلية: تحتاج هذه الخطوة إلى دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة عبر تحديث تقنيات الإنتاج. والصناعة من خلال تقديم قروض ميسرة وتسهيلات ضريبية، والطاقة المتجددة بإنشاء مشاريع كبرى بالشراكة مع القطاع الخاص. تهدف هذه الخطوات إلى توفير فرص عمل مستدامة وتقليل الفجوة في الميزان التجاري.
على التفاوض مع صندوق النقد الدولي أن يكون التفاوض مع صندوق النقد مبنياً على خطة إصلاح شاملة تنسجم مع احتياجات لبنان. يمكن أن يشمل ذلك طلب برنامج إنقاذ مرن يركز على إعادة هيكلة الدين العام وتخفيف أعبائه على المالية العامة، مع الالتزام بتنفيذ إصلاحات حقيقية لتحسين الثقة الدولية.

إدارة تداعيات سقوط النظام السوري: يشمل ذلك تأمين الحدود اللبنانية بشكل فعال لمنع الفوضى المحتملة، ووضع خطة وطنية للتعامل مع اللاجئين. سواء بتوفير مساعدات إنسانية أو تنظيم عودتهم تدريجياً. كما ينبغي دراسة تأثير المستجدات على التجارة الإقليمية لضمان عدم تأثر السوق اللبنانية سلباً.

تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص: يمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق مبادرات كبرى في البنية التحتية مثل الموانئ والمطارات والطاقة والنقل. يجب خلق بيئة قانونية وتشريعية تشجع الاستثمارات الخاصة وتعزز الشراكة مع القطاع العام، ما يساهم في تحسين الإنتاجية وخلق فرص عمل.
فرصة حقيقية للبنان

تمثل هذه النقاط أولويات ملحّة لمكونات السلطة الحاكمة في 2025. ليس فقط لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي قصير الأمد، بل أيضاً لوضع لبنان على مسار طويل الأجل نحو التعافي والازدهار.

التحديات الراهنة تتطلب رؤية استراتيجية وشجاعة في اتخاذ القرارات. خاصة في ظل تعقيد الأوضاع الإقليمية والداخلية. إن تحقيق هذه الأولويات يعتمد على استجابة متكاملة تشمل إصلاحات جذرية في القطاعات الاقتصادية والنقدية، جنباً إلى جنب مع تعزيز الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة.

لبنان بحاجة ماسة إلى بناء ثقة جديدة بين الدولة ومواطنيها، وبين المصارف والمودعين، وكذلك مع المجتمع الدولي. هذا البناء لا يمكن أن يتحقق دون اتخاذ خطوات ملموسة تُظهر التزام الحكومة بتغيير الواقع الحالي. من هنا، فإن العام 2025 يمثل فرصة حقيقية لإرساء أسس اقتصاد متوازن ومستدام، واستعادة دور لبنان كمنارة اقتصادية في المنطقة، شرط أن تتمكن القيادة السياسية من تجاوز الخلافات الداخلية وتوحيد الجهود لتحقيق هذه الأهداف.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram