سبق وصدر قرار وزاري في أيار 2019 أوقفت بموجبه جميع كسارات بلدة التويتة بالقرب من مدينة زحلة، وتم ختمها بالشمع الأحمر، ومنعها نهائيا عن تشغيل محركاتها. لكن يوم أمس أوقفت النيابة العامة الإستئنافية في البقاع بأمر من النائب العام منيف بركات، كل من فيصل. و مالك. أ. ح. وهما يملكان واحدة من أكبر الكسارات الموجودة في هذه البلدة، التي تقع ضمن نطاق بلدية زحلة. إذ تبين أنهما استغلا إذناً إستثنائياً مُنح لهما بقرار قضائي، نزولاً عند رغبة الجيش، يسمح ببيع مخلّفات سابقة لكسارتيهما، لاستخدامها بتعبيد طريق نفّذه الجيش اللبناني. فعمدا إلى تشغيل الكسارة خلسة وتحت جنح الظلام. لكن فضح أمرهما بعد إنفجار ضخم في نفق داخل إحدى الجبال، وسمع دويه في كل المنطقة.
تفجيرات بالقرب من المناطق السكنية
وكان انفجار كبير قد دوى عند الرابعة والثلث من صباح يوم الإثنين في 13 كانون الثاني الجاري في "التويتة". وسمعت أصداؤه في مختلف ارجاء مدينة زحلة وجوارها. ما أدى إلى امتعاض أبناء المنطقة، الذين رفضوا هذه الممارسات وعبروا عن ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وثق أهالي البلدة حدوث الإنفجار في واحدة من ست كسارات موجودة في بلدتهم، هي الأقرب الى كنيستها. وأكد سكان من المنطقة للـ"المدن" أنهم نجحوا بتوثيق هذه الارتكابات، بعد محاولات عدة لرصد عمليات التفجير، التي تجري بحذر في جميع كسارات بلدتهم بعيد منتصف الليل. وذلك رغم القرارات القضائية الصادرة بإقفالها.
جشع أصحاب الكسارة أوقعهما أخيرا في المصيدة، بعدما نهشا الجبال. فقد تبين أنهما نجحا بالاستحصال على إذن قضائي استثنائي منذ فترة، للسماح لهما بنقل مخلّفات كسارتيهما حصراً (أتربة وبحص ورمال)، بغرض توفير حاجة الجيش اللبناني لاستحداث وتعبيد طريق بين منطقة التويتة- مراح الديشار- بسكنتا. ووافق القضاء على الرخصة على اعتبار أن تعبيد الطريق تخدم حاجات المؤسسة العسكرية، وتحقق مصلحة عامة. إلا أن صاحبي الكسارة خالفا تعهداً قضائياً لهما بعدم إحداث أي تفجيرات جديدة في المكان، والإكتفاء بنقل الكميات المتراكمة من مخلفات الكسارة سابقاً. لكنهما عمدا إلى استغلال الفرصة لمراكمة أرباحهما من قضم الجبال، إلى أن وقع الإنفجار الأخير بعد أيام من إنتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. فوقعا بشر فعلتهما.
تجاوزات لم ترصدها الأجهزة الأمنية!
أمّن أصحاب الكسارة حاجة الطريق لكميات المواد الأولية المطلوبة. لكن كانت هناك تجاوزات عديدة بتشغيل الكسارة لأغراض تجارية، وفق ما أكدت مصادر من المنطقة لـ"المدن". والأجهزة الأمنية المكلفة بمراقبة عملية نقل المخلفات لم تتمكن من ضبط التجاوزات، على اعتبار أن كميات المخلفات كانت تخرج من الكسارة على أساس أنها تشكل حاجة للطريق المذكورة! إلا أن الواقع كان مغايراً لأن الجزء الأساسي منها لم يكن لحاجة الطريق بل لأغراض تجارية. وعلى رغم المحاولات التي جرت للضغط على صاحبي الكسارة للإلتزام بتعهداتهما، فإنهما إستمرا بتجاوزاتهما.
دوي "التجاوز الأخير" الذي اقترفاه، فضح أمرهما. فأمر النائب العام الإستئنافي منيف بركات باستدعاء صاحبي الكسارة فورا، وأوقفهما رهن التحقيق، بعدما تأكد وفقاً لكشف أجراه خبير متفجرات حصول تفجيرات حديثة في أحد الأنفاق، قبل ان يتم الإدعاء عليهما أمام قاضي التحقيق.
والإنفجار الأخير في الكسارات، ذكّر أبناء المنطقة بانفجار سابق كان قد أحدث دوياً أكبر قبل أكثر من عام، إلا أن مصدراً قضائياً أكد أنه حينها أيضاً تحركت الأجهزة الأمنية وخبراء المتفجرات، ولم يرصد أي عمل مشابه.
الكسارات الموجودة بالمنطقة
وفقا لتأكيدات أهالي التويتة فإن جميع الكسارات الموجودة في بلدتهم تعمل وإن بشكل جزئي تحت جناح الليل، وهي تستخدم كميات صغيرة من الديناميت التي قد لا تسمع أصداؤها في باقي المنطقة، ولكنها تسمح لهم باستخراج كميات من الترابة ينقلونها في جناح الليل أيضاً. ويحدد أهالي البلدة هذه الكسارات على الشكل التالي:
كسارة مالك وفيصل. وأحمد أ.ح. وتقع قرب عين العبد ومغارتها الأثرية، وعلى رأس الجبل مقابل الكنيسة والمنازل والكروم. منعت من العمل في ايار 2019، ولكنها عادت للعمل تحت جناح الظلام، منذ رأس السنة عام 2024، أي قبل أن تبدأ بنقل المخلفات علناً في تموز 2024، بعد الإذن الاستثنائي الذي حصلت عليه لذلك. ويؤكد الأهالي أنه منذ أكثر من سنة باعت الكسارة كل "الستوك" الذي كان متجمعاً لديها، وطحنت أضعافه من الجبال.
أما باقي الكسارات الخمس فتتجمع في الوادي، وهي كسارة اسعد ت. وحبيب ر. وكسارة محمد أ.ح. المخفية داخل الوادي، وكسارة كمال أ.ح. أما الأبعد فهي مخفية داخل كهف وتعود لورثة ناظم أ.ح.
أضرار بيئة جسيمة
جميع أصحاب الكسارات، كما يؤكد الأهالي، ليسوا من أبناء التويتية. بل يقيمون في بلدات بعيدة عن الضرر الذي تسببوا به، وعندما يعترض الأهالي أمامهم يتعرضون لهم بشكل ميليشياوي.
ويؤكد الأهالي أن "الكسارات خلّفت أضراراً جسيمة وقضمت قمم وسفوح الجبال، وشوهتها بشكل كبير، ولوثت كل البيئة بدءاً من السفح الشرقي للسلسلة الغربية لجبال لبنان الى الوادي الممتد منها شرقا (وادي بلودة) والذي كان يتمتع بمواصفات المحمية الطبيعية، لما كان يحضنه من تنوع زراعي وإيكولوجي".
أطماع أصحاب الكسارة وما حصل من بلبلة وتوقيفات فتحت عيون الأجهزة الأمنية على سائر الكسارات الموجودة في المنطقة. فقد لاحظ الأهالي أن الكسارات توقفت عن العمل في اليومين الماضيين، على خلفية توقيف صاحبي الكسارة المذكورين. لكنهم يتخوفون من عودة الأمور إلى عهدها السابق ولو بعد حين.
لوسي بارسخيان - المدن
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :