يشعر المجتمع الدولي بالقلق من أن يتبع النظام الإيراني مسار كوريا الشمالية ويفكر في اختبار قنبلة نووية لردع الخصوم. ويتلخص التحدي الذي يواجه واشنطن في إقناع طهران بأن تكاليف هذا الخيار، سواء كانت حقيقية أو وجودية، ستكون مرتفعة للغاية.
واشنطن - بعد الانتكاسات الكبرى التي عانى منها “محور المقاومة” على مدى العام الماضي، تقف الجمهورية الإسلامية عند مفترق طرق، فالاتجاه الذي ستختاره الإدارة الأميركية الجديدة في التعامل معها محل نقاش في واشنطن وفي طهران أيضا.
ويرى كثيرون في إيران أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ويحب عقد الصفقات ولكنه مستعد أيضا للهجوم على طهران بشدة.
وإذا تم التعامل مع هذا المزيج بمهارة، فقد يمنحه نفوذا لدى نظام يناقش بالفعل كيفية التعامل مع إدارته. وطالما استمر هذا النقاش، فمن غير المرجح أن تخوض طهران مقامرة جريئة بتطوير قنبلة نووية.
ويتساءل محللون: هل ستتبنى إدارة ترامب سياسة الضغط الأقصى أم ستلجأ إلى مسار الدبلوماسية مع إيران؟ وكيف ستتعامل مع نظام إيراني ضعيف ولكنه لا يزال يشكل تهديدا خطيرا؟ وهل يمكن تحقيق توازن بين منع إيران من امتلاك السلاح النووي والحد من نفوذها الإقليمي؟
وستظل هذه التساؤلات تطرح نفسها على الرئيس القادم لاسيما في ظل المتغيرات التي طرأت على المشهد في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
ويقول المحلل لورانس هاس في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إن مع مواجهة إيران انتكاسات جيوسياسية، سيجد الرئيس ترامب نفسه قريبا أمام قرار مهم: هل يزيد الضغط على طهران لإضعاف النظام أكثر، أم يستغل هذا الضعف لمحاولة التفاوض على اتفاق بشأن القضايا النووية وغيرها؟
وبدأ خبراء السياسة الخارجية بالفعل في تقديم آرائهم حول الخطوات المفضلة. فعلى سبيل المثال، اقترح رئيس مجلس العلاقات الخارجية الفخري ريتشارد هاس أن يسعى ترامب إلى “تحقيق الهدف الطموح المتمثل في إعادة تشكيل سياسة إيران الأمنية الوطنية من خلال الدبلوماسية، ولكن دبلوماسية تمارس على خلفية الاستعداد والقدرة على استخدام القوة العسكرية إذا رفضت طهران معالجة المخاوف الأميركية والغربية بشكل كاف.”
ويرى هاس أن هذا الاقتراح يبدو معقولا، على الأقل ظاهريا. ومع ذلك، فإن تاريخ السنوات الاثنتي عشرة الماضية يشير إلى أنه ينبغي على الرئيس الجديد عدم التسرع في دعوة طهران إلى التفاوض على أمل التوصل إلى اتفاق يخدم المصالح الأميركية.
ويقول إن استنزاف قوة إيران منذ خريف 2023 كان مذهلا بكل المقاييس. وعندما عبرت حركة حماس حدود إسرائيل مع غزة وقتلت 1200 شخص، وعندما أطلق حزب الله وابلا متواصلا من الصواريخ من لبنان، بدت طهران واثقة بشكل متزايد من تحقيق هدفها المتمثل في تدمير الدولة اليهودية.
ولكن بعد خمسة عشر شهرا، نجحت إسرائيل في تدمير قدرة حماس على شن هجوم كبير آخر، بينما قضت على قيادات حزب الله، وقللت من أعداد مقاتليه، ودمرت ما يصل إلى 80 في المئة من ترسانته الصاروخية.
ومع انشغالها بمصاعب حماس وحزب الله وضعفها بسبب تبادل الصواريخ المباشر مع إسرائيل، الذي أظهر قوة تل أبيب وضعف إيران، لم تتمكن طهران من منع سقوط بشار الأسد، أهم حلفائها الإقليميين.
والآن، سحبت إيران معظم قواتها من سوريا، حيث لا يتمتع المتمردون الذين أطاحوا بالأسد بأي ود خاص تجاه الجمهورية الإسلامية، مما ترك طهران بدون “الجسر البري” لتسليح حزب الله.
هل ستتبنى إدارة ترامب سياسة الضغط الأقصى أم ستلجأ إلى مسار الدبلوماسية مع إيران؟
ومع ذلك، يرى هاس أن إيران تظل تهديدا خطيرا ليس فقط لحلفاء ومصالح الولايات المتحدة الإقليمية، بل أيضا للاستقرار العالمي، مما يجعل طهران في مقدمة جدول الأعمال السياسي الخارجي لفريق ترامب الجديد.
ومع قيام إيران الآن بتخصيب المزيد من اليورانيوم بالقرب من درجة نقاء تستخدم في تصنيع الأسلحة، صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون قريبا من “نقطة اللاعودة”، مما يترك للغرب وقتا أقل وخيارات محدودة لمنع الواقع المزلزل المتمثل في امتلاك إيران أسلحة نووية.
وفي الوقت نفسه، يواصل الحوثيون في اليمن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بينما يعطلون الشحن العالمي في الممرات المائية الإقليمية، ما يضيف مليارات الدولارات إلى تكاليف الشحن الدولية، ويرفع أسعار السلع الاستهلاكية، ويدفع ما لا يقل عن تسع وعشرين شركة شحن عالمية كبرى إلى تجنب قناة السويس والإبحار حول أفريقيا، مما يؤثر على ما يصل إلى خمسة وثمانين دولة.
ويتساءل هاس: كيف ينبغي لترامب أن يتعامل مع إيران التي أصبحت أضعف ولكنها لا تزال تشكل خطرا، ومع الوكلاء في “محور المقاومة” الخاص بها؟
وفي أوائل عام 2013، واجه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما معضلة مشابهة. فقد تركت سنوات من العقوبات وقرار نظام “سويفت”، خدمة الرسائل المالية العالمية، بوقف تعاملاته مع البنوك الإيرانية، الاقتصاد الإيراني في حالة انهيار.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 6 في المئة، وارتفع التضخم إلى 45 في المئة، بينما بلغت البطالة 10 في المئة. وبحلول مايو 2013، انخفضت صادرات النفط إلى 700 ألف برميل يوميا (بعد أن كانت 2.2 مليون في نهاية عام 2011).
ومع تعثر الاقتصاد الإيراني وتعرض نظامه المكروه لوضع خطير محتمل، خفف أوباما من ضغطه وركز على التفاوض للتوصل إلى اتفاق يقيد البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
وسواء قبل توقيع الاتفاق أو بعده، عبّر أوباما عن أمله في أن يؤدي الاتفاق (خطة العمل الشاملة المشتركة) الموقع في يوليو 2015 بين إيران وست قوى عالمية، إلى تقليل التوترات بين واشنطن وطهران وتعزيز التعاون بشأن قضايا إقليمية أخرى.
ونتيجة ذلك هي صفقة مليئة بالثغرات تفتقر إلى الوسائل التي تمنع طهران من تطوير برنامجها النووي سرا والتي ستنتهي صلاحيتها تدريجيا على مدى عشرين عاما أو نحو ذلك، واقتصاد إيراني معزز أدى إلى استقرار النظام، وبفضل تخفيف العقوبات، نظام لديه مليارات الدولارات الإضافية لتوسيع جيشه وتمويل “شبكته الإرهابية” ومتابعة طموحاته في الهيمنة.
ويتساءل هاس: ماذا ينبغي أن يفعل ترامب، الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، الآن؟ أولا وقبل كل شيء، يجب ألا يكرر خطأ أوباما بالسعي إلى اتفاق مع طهران بأي ثمن، مما يؤدي إلى إبرام اتفاق معيب.
وفي الوقت الحالي، ينبغي عليه إعادة فرض حملته “الضغط الأقصى” من القيود المالية على إيران (كما وعد)، وإيضاح استعداده لاتخاذ جميع الخطوات العسكرية وغيرها لمنع إيران نووية (كما ألمح)، وحشد الدول ذات التفكير المماثل لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الحوثيين لحماية الشحن العالمي، وتحميل طهران مسؤولية السلوك المدمر لعملائها الحوثيين. ويخلص هاس إلى أن الوقت لم يحن بعد للدبلوماسية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :