تظهر المباحثات والنقاشات بين المسؤولين السوريين والأتراك بشأن تنظيم وسائل الإعلام في سوريا، أهدافا أبعد من محاربة التضليل والأخبار الكاذبة، باتجاه استنساخ التجربة التركية التي يخشى السوريون من نموذجها مع استعداد أنقرة لتقديم الدعم في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الدعاية السوداء والتضليل والأكاذيب الممنهجة.
تجري الحكومة السورية الجديدة مشاورات مع الجانب التركي بشأن تنظيم وإدارة وسائل الإعلام، والاستفادة من تجربتها المثيرة للجدل بهذا الشأن، في الوقت الذي مازالت فيه وسائل الإعلام السورية بعيدة عن اللحاق بالتطورات التي تتسارع في البلاد مع غياب التلفزيون الرسمي المنبر الأساسي للدولة عن المشهد.
وبحث رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخرالدين ألطون، مع وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال السورية محمد العمر التعاون الثنائي في مجال الإعلام والاتصال، ومكافحة التضليل، بحسب بيان صادر عن دائرة الاتصال التركية.
وأوضح البيان أن الجانبين بحثا في اتصال هاتفي الثلاثاء التعاون بين تركيا والحكومة الجديدة في سوريا في مجال الإعلام والاتصال، ومكافحة التضليل الإعلامي. وأشار ألطون إلى أهمية الإعلام والاتصال في هذه المرحلة. وأكد أهمية نقل وجهة النظر الحقيقية للشعب السوري إلى الرأي العام الدولي بشكل صحيح. ولفت إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الدعاية السوداء والتضليل والأكاذيب الممنهجة، معربا عن استعدادهم لتقديم كل أنواع الدعم في هذه القضايا. وذكر ألطون أن وفدا من الخبراء الفنيين قد يزور سوريا لتفعيل التعاون الثنائي.
ألطون مسؤول الدعاية السياسية في تركيا وكان وراء تسريب المعلومات الحساسة في البلاد لوسائل الإعلام الدولية
ولا يبدي الصحافيون السوريون تفاؤلا بهذا التنسيق نظرا إلى التجربة التركية في التضييق على الحريات وخصوصا المنابر الصحفية المستقلة التي وضعت أغلبها تحت عباءة الحكومة.
كما أن السلطات التركية وضعت حزمة من القوانين التي تتعلق بمحاربة الأخبار الكاذبة، كما أن قانون مكافحة التضليل الإعلامي يفرض خصوصاً على من ينشر “معلومات كاذبة أو مضلّلة” عقوبة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات. ومنذ بدء مناقشة اقتراح هذا القانون حاولت المعارضة إدخال تعديلات عديدة على بنوده، لكنّ محاولاتها باءت بالفشل. وندّدت المعارضة بالتشريع الجديد، معتبرة إياه “قانوناً للرقابة.”
ويقول متابعون إن استنساخ التجربة التركية في مجال تنظيم وسائل الإعلام يشي بجانب آخر من الوصاية التركية على سوريا، رغم أن المسؤولين السوريين والأتراك على حد سواء يرفضون هذه المزاعم، غير أن المشهد الإعلامي الضبابي في سوريا يثير العديد من التكهنات بهذا الشأن.
وأفاد الوزير السوري محمد العمر أنهم سيواصلون العمل في مجال الإعلام بالتنسيق مع تركيا وأخذها كمثال في المجال الإعلامي. وأضاف “نشكر الرئيس رجب طيب أردوغان والشعب التركي على وقوفهم معنا خلال الأوقات الصعبة التي مررنا بها.” ولفت البيان إلى أن العمر دعا ألطون لزيارة سوريا للعمل معا عن كثب.
ويعتبر ألطون مسؤول الدعاية السياسية في تركيا وهو أكاديمي سابق، تم تعيينه مسؤولا للإعلام بالرئاسة التركية في يونيو 2018 عقب الانتخابات. وبحسب تقرير لصحيفة “ذا تايمز” كان هو المسؤول عن تسريب المعلومات الحساسة في البلاد لوسائل الإعلام الدولية، في الوقت الذي صور فيه أردوغان راعيا لحرية الإعلام.
ويقول خبراء أن سوريا في أمسّ الحاجة إلى سد الفراغ الإعلامي في هذه الفترة الحساسة، فمنذ سقوط نظام بشار الأسد تحولت المعلومات الخاطئة والمضللة حول سوريا من سخيفة إلى مخيفة، وهناك المزيد منها أكثر من أيّ وقت مضى، مثل الحديث عن أشجار عيد ميلاد دمرتها الحكومة الانتقالية السورية ونساء سوريات تم بيعهن كإماء من قبل “قاطعي الرؤوس” الإرهابيين وأن أحد زعماء المعارضة السورية المسلحة أصله يهودي.
ويؤكد زهير الشمالي، الباحث ومدير الاتصالات في منظمة التحقق من المعلومات الخاصة بسوريا، أن “التضليل الإعلامي زاد بشكل ملحوظ منذ سقوط نظام الأسد. لقد خلفت سنوات الثورة ثم الحرب الأهلية مظالم راسخة، والآن تستغل جهات مختلفة، محلية وخارجية، التضليل الإعلامي لتعزيز مواقفها، ونزع الشرعية عن المنافسين، وتعزيز أجنداتها الخاصة.”
السلطات التركية بسطت سيطرتها على نحو 95 في المئة من الصحف وقنوات التلفزيون، حتى الخاصة منها، بشكل مباشر أو غير مباشر
وانتشرت حالات من الإساءة المزعومة وغير المؤكدة على الإنترنت، والتي كانت غالبيتها مضللة أو مزيفة، حسب منظمات التحقق من الحقائق.
وكتبت رنا علي أديب، الباحثة في جامعة كونكورديا الكندية التي تبحث في كيفية تشكيل العاطفة شكل وطريقة تلقي الأخبار الكاذبة، في مقال رأي أنه لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين والخوف في سوريا. وأشارت إلى أن “العدوى العاطفية للأخبار الكاذبة خطيرة بشكل خاص في الأوقات الهشة مثل التي تمر بها سوريا.”
والتضليل الإعلامي كان له تأثير بالفعل داخل سوريا، فعلى سبيل المثال، تسبب مقطع فيديو يظهر عملاً انتقامياً واضحاً، وهو تدنيس مزار علوي، في احتجاج الآلاف من الناس في الشوارع في المناطق ذات الأغلبية العلوية. وفي وقت لاحق، اكتشف مدققو الحقائق أن الفيديو كان مضللاً.
غير أن هناك من يرى أن التعاون مع تركيا لديه أهداف أخرى أبعد من محاربة الأخبار الكاذبة، وهو تنفيذ أجندة محددة بالاستفادة من التجربة التركية، حيث كثفت أنقرة مدها الإعلامي والدرامي خلال 20 عاماً الماضية بعد أن عملت في السنوات السابقة على ذلك في تقديم نفسها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن محوراً بارزاً في السياسة التركية قبل حزب العدالة والتنمية برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان، فيما ترى جهات معارضة في تركيا أن الإعلام خادم للسلطة داخلياً وبشكل واضح.
وأشار متابعون إلى أن السلطات التركية بسطت سيطرتها على نحو 95 في المئة من الصحف وقنوات التلفزيون، حتى الخاصة منها، بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا ما ترك هامشاً بسيطاً للمعارضة التي تجد ضالتها في وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور، كما أنه دفع قطاعاً عريضاً من الشعب التركي إلى اللجوء إلى وسائل إعلام مستقلة جديدة تعتمد على الإنترنت، وقنوات مستقلة أو معارضة للحكومة.
وفي 8 ديسمبر، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق عقب السيطرة على مدن أخرى، لينتهي بذلك 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد. وبتكليف من قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، تدير حكومة برئاسة محمد البشير، مرحلة انتقالية بدأت في اليوم التالي للإطاحة بنظام بشار الأسد.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :