دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الجميع إلى “رفع أياديهم عن سوريا،” في إشارة إلى انزعاج الرئيس التركي مما تقوم به قوى خارجية في سوريا ورغبته في رسم حدود لهذه القوى حتى لا تتجاوزها وتضع يدها على المكاسب التي حققتها أنقرة من خلال تحريك حلفائها الإسلاميين لإسقاط نظام بشار الأسد.
وتظهر تصريحات المسؤولين الأتراك في الفترة الأخيرة أن أنقرة ترى في سوريا ملعبها الخاص، وعلى من يريدون لعب دور ما أن يأخذوا في الحسبان وجودها ومصالحها، وذلك بالتزامن مع رسائل أردوغان التي تبدو موجهة خاصة إلى الولايات المتحدة التي تسعى لحماية أكراد سوريا من تهديد تركي متواصل بالتدخل المباشر وحسم الخلاف عسكريا.
وقال أردوغان إن بلاده قوية وقادرة على “سحق” كل التنظيمات الإرهابية في سوريا، ومن ضمنها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والمقاتلون الأكراد، وحث جميع الدول على “رفع أياديها” عن سوريا.
تصريحات أردوغان ترى في سوريا ملعب تركيا الخاص، وعلى من يريدون لعب دور أن يأخذوا في الحسبان وجودها ومصالحها
ويستفيد الرئيس التركي في التصعيد ضد الأكراد من ارتباك موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وعجز إدارته عن حماية شركائها الأكراد في حين تحض أنقرة قوات سورية حليفة لها على مهاجمتهم ومحاولة تغيير الواقع على الأرض بقوة السلاح، فيما يكتفي الأكراد بالدفاع عن أنفسهم.
ويسعى أردوغان إلى خلق واقع عسكري وسياسي ملائم للخيار العسكري ضد الأكراد على أمل أن تتخذ الإدارة الأميركية القادمة برئاسة دونالد ترامب قرار الانسحاب من سوريا وترك الأكراد وجها لوجه مع القوة العسكرية التركية.
ولا تقف رسالة “رسم الحدود” التركية عند الولايات المتحدة، وإنما تشمل كذلك الأوروبيين الذين وعدوا بانفتاح مشروط على القيادة السورية الموالية لأنقرة.
وفيما تطالب ألمانيا بأن توضح القيادة السورية الجديدة موقفها عمليا من مسألة استيعاب ممثلي الطوائف وموقفها من مشاركة المرأة، تريد فرنسا ضمانات بشأن وضع الأكراد، وتجدد رغبتها في إرسال قوة إلى شمال شرق سوريا ضمن مقاربة لدعم الأكراد في الحرب على داعش وحماية مراكز يحتجز فيها المئات من المتطرفين، من بينهم فرنسيون رفضت باريس تسلمهم.
ومنذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد الشهر الماضي تكرر تركيا قولها إن الوقت حان لتفكيك وحدات حماية الشعب الكردية. وتعتبر أنقرة هذه الجماعة، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، منظمة إرهابية.
وقالت أنقرة إنه يجب منح الإدارة السورية الجديدة فرصة لمعالجة مسألة وجود وحدات حماية الشعب، لكنها هددت أيضا بشن عملية جديدة عبر الحدود ضد المسلحين المتمركزين في شمال شرق سوريا إذا لم تتم تلبية مطالبها.
ويرى مراقبون أن خطاب استعراض القوة الذي يبديه أردوغان باستمرار تجاه سوريا يحرج الحلفاء السوريين ويقدمهم في صورة التابع الضعيف ويحبط جهودهم لبناء توافقات داخلية من أجل ضمان استمرار سلطتهم وفق ما جاء من تطمينات على لسان قائد الإدارة العسكرية أحمد الشرع لمختلف الطوائف.
ويريد الرئيس التركي من الإدارة السورية أن تقوم بتفكيك وحدات حماية الشعب الكردية، وإلا فإن بلاده ستتولى ذلك بنفسها.
وقال أردوغان في كلمة بالبرلمان إن مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية يمثلون أكبر مشكلة في سوريا الآن، وأضاف أن الجماعة لن تتمكن من الإفلات من نهايتها المحتومة ما لم تلق سلاحها.
وتابع أردوغان “في ما يتعلق بالذرائع الملفقة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها لم تعد تنطوي على جانب مقنع.” وكان يشير بذلك إلى الموقف الأميركي الذي يعتبر وحدات حماية الشعب الكردية شريكا رئيسيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وأنها تلعب دورا مهما في حراسة معسكرات ومراكز احتجاز المتشددين.
خطاب استعراض القوة الذي يبديه أردوغان باستمرار تجاه سوريا يحرج الحلفاء السوريين ويقدمهم في صورة التابع الضعيف
وأضاف “يجب على الجميع أن يرفعوا أياديهم عن سوريا، وسوف نسحق، مع أشقائنا السوريين، رؤوس تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب وغيرهما من التنظيمات الإرهابية خلال وقت قصير.”
وطلبت تركيا مرارا من الولايات المتحدة وقف دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وقالت إن الإدارة الجديدة في سوريا عرضت تولي إدارة السجون.
وتواصل الولايات المتحدة الدفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية في شمال شرق سوريا، وهو ما يتناقض مع ما تريده تركيا، لكن واشنطن لا تبدي موقفا واضحا وتنفي التفكير في إنشاء قواعد جديدة، على عكس فرنسا التي لا تخفي موقفها الرافض لاستهداف الأكراد.
وانتقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل أيام فرنسا بشكل لاذع وأكد أن واشنطن تشكل المحاور الوحيد لبلاده بشأن التطورات في شمال شرق سوريا، وأوضح أن “الولايات المتحدة هي محاورنا الوحيد… بصراحة لا نبدي اهتماما بدول تحاول أن تخدم مصالحها الخاصة في سوريا من خلال التلطي وراء قوة الولايات المتحدة،” في تلميح واضح إلى فرنسا.
وردا على تساؤل عن سياسة فرنسا حيال الجهاديين المعتقلين في سوريا، قال فيدان إن “الفرنسيين ينتهجون سياسة لا تقوم على إعادة السجناء من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلدهم. إنهم لا يأبهون لأمننا. (…) يعطون الأولوية دائما لمطالبهم الخاصة،” مشددا على أن باريس “يجب أن تستعيد مواطنيها وتضعهم في سجونها وتحاكمهم.”
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :