وقف إطلاق النار في غزة وعودة الرهائن ومساعدة لبنان خطوات ضرورية نحو تحقيق الاستقرار في الإقليم.
يستقبل الشرق الأوسط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب هذا الشهر في منطقة مختلفة تماما مقارنة بالمنطقة التي شهدها خلال ولايته الأولى. فقد تغيرت سوريا بشكل عميق، كما ضعفت إيران والشيء الرئيسي الوحيد الذي لم يتغير هو احتمالات تسوية القضايا الأساسية في الصراع العربي - الإسرائيلي. وكما هي العادة في الشرق الأوسط، فإن كل هذه القضايا مترابطة، وبالتالي فإن العمل على إحدى هذه القضايا سوف يؤثر على احتمالات النجاح الأميركية في قضايا أخرى.
وقد تؤدي الإغراءات، من خلال الاستفادة من انتكاسات إيران للدفع نحو تغيير النظام، إلى إشراك الولايات المتحدة في مغامرة جديدة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، هناك فرص لتعزيز المصالح الأميركية من أجل شرق أوسط أكثر استقرارا وأقل صراعا، وهو شرق أوسط قد لا يتطلب ذلك النوع من الالتزام الأميركي المكثف الذي شهدناه على مدى ربع القرن الماضي حيث لم تكن مثل هذه الفرص متاحة في الأفق قبل عام.
وكان الرئيس المنتخب ترامب محقا عندما أشار في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي إلى أن سوريا ليست من المصالح الأساسية للولايات المتحدة ولا يبرر تصعيد التدخل العسكري الأميركي. وهذا لا يعني أن واشنطن يجب أن تتجاهل ما يحدث هناك. وفي حين أن نفوذها ضئيل في تشكيل تفاصيل الحكومة الجديدة في دمشق، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل لتجنب أسوأ السيناريوهات. والاحتمالان الأكثر ترجيحا والأكثر خطورة هما إحياء تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا والمواجهة بين حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا في الأراضي السورية.
ونظرا لعلاقاتها التحالفية مع كل من إسرائيل وتركيا، فإن واشنطن قادرة على التوسط في قواعد الاشتباك الأطول أجلا بينهما في سوريا. وينبغي أن يكون التزام تركيا بعدم نشر قوات جنوب دمشق، إلى جانب التزام الحكومة السورية بمراعاة اتفاق فك الاشتباك السوري - الإسرائيلي لعام 1974 في الجولان، كافيا لواشنطن للتوسط في انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط الاتفاق الأصلية لعام 1974.
وكانت إيران التي واجهتها إدارة ترامب الأولى في عام 2017 تتمتع بمكانة مرموقة في الشرق الأوسط. وكان حلفاؤها وعملاؤها هم القوى المهيمنة في سياسات أربع دول عربية ــ لبنان وسوريا والعراق واليمن ــ وعلاقتها بحماس أعطتها موطئ قدم في السياسة الفلسطينية. والآن تتراجع إيران، فقد رحل حليفها السوري، وتعرض حزب الله، وكيلها الإقليمي الأقدم والأكثر نجاحا، لضربات مدمرة من قِبَل إسرائيل. وكانت هجماته العسكرية المباشرة على إسرائيل غير ذات أهمية، في حين دمرت الهجمات المضادة الإسرائيلية الكثير من الدفاعات الجوية الإيرانية فضلا عن منشآت الصواريخ الباليستية الرئيسية، الأمر الذي جعلها عُرضة للمزيد من الضربات.
وقد أدت الحملة المدمرة التي شنتها إسرائيل في غزة إلى إبعاد حماس عن المعادلة العربية - الإسرائيلية لبعض الوقت. والواقع أن موقف طهران الإقليمي أضعف مما كان عليه في أي وقت من هذا القرن. كما واجهت احتجاجات محلية كبيرة على مدى السنوات الست الماضية، مدفوعة بالصعوبات الاقتصادية والمعارضة للقيود الاجتماعية القاسية التي تفرضها الحكومة، وخاصة التدابير التي تتخذها ضد المرأة.
ومن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن يحث معارضو إيران على المزيد من الضغوط لمحاولة إسقاط النظام الإسلامي، من خلال تشديد العقوبات، أو الضغط السياسي، أو الهجوم العسكري، أو مزيج من هذه الأمور. وقد حث كل من وزير الخارجية الأميركي المعين ماركو روبيو ومايك والتز، مستشار الأمن القومي الأميركي القادم، علنا على تبني سياسات أكثر صرامة ضد إيران خلال فترة وجودهما في الكونغرس.
ونظرا للدمار الهائل الذي لحق بغزة من قبل إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حماس على المدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر 2023، والجهود الدبلوماسية المكثفة والاهتمام الإعلامي الذي رافق القتال، فقد يُغفر لإدارة ترامب القادمة الاعتقاد بأن الجزء من الشرق الأوسط الذي تغير أكثر من غيره هو الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية. وسيكون هذا خطأ.
وعلى الرغم من خسارة الأرواح والأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية، فإن الديناميكية الإسرائيلية - الفلسطينية الأساسية تظل كما كانت قبل السابع من أكتوبر. ولا تهتم حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتنازلات الإقليمية التي ستكون مطلوبة لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة والتي قد يقبلها أي محاور فلسطيني. وابتعد الرأي العام الإسرائيلي، في أعقاب السابع من أكتوبر، عن دعم حل الدولتين. ولا تظهر حكومة نتنياهو أي اهتمام بتمكين السلطة الفلسطينية من تولي حكم غزة، خوفا من أن يؤدي شريك تفاوضي فلسطيني موحد يدعم حل الدولتين إلى ضغوط دولية على إسرائيل للتفاوض على مثل هذه الصفقة.
ويرى الباحث ف. جريجوري جوس في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط أن أي "خطة سلام" أميركية أخرى لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سوف تلقى نفس المصير الذي لقيته سابقاتها. وهي لا تستحق وقت الإدارة الجديدة. وهذا لا يعني أن واشنطن تستطيع أن تتجاهل الصراع المستمر في غزة أو العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا إذ إن أي أمل في استقرار الشرق الأوسط يتطلب إنهاء القتال في غزة، الذي استحوذ على اهتمام الجماهير في المنطقة وخارجها.
ولا يمكن أن يكون هناك تعاون عملي بين إسرائيل والدول العربية في حين تستمر المذبحة هناك. وغزة هي أيضا الذريعة التي يستخدمها الحوثيون لمواصلة هجماتهم الصاروخية من اليمن، على إسرائيل نفسها وعلى الشحن الدولي في البحر الأحمر. ويعتبر وقف إطلاق النار، بما في ذلك عودة الرهائن، خطوة ضرورية نحو الاستقرار الإقليمي، ولكن من غير المرجح أن يخلق زخما نحو حل سياسي أكثر استدامة.
ويستحق العمل الإنساني الذي يتعين القيام به في غزة العناء في حد ذاته ولكن لا ينبغي الخلط بينه وبين العملية الدبلوماسية نحو تسوية القضية الأكبر بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا ليس واردا في ضوء حقائق السياسة الإسرائيلية.
وتستطيع الولايات المتحدة أن تستخدم علاقاتها مع إسرائيل للعب دور سياسي أكثر إيجابية على الجبهتين السورية واللبنانية. كما تستطيع واشنطن أن تتفاوض مع تركيا والحكومة السورية الجديدة من موقف قوة جزئيا لأنها وحدها القادرة على حث الإسرائيليين على الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة حديثا (على النقيض من الأراضي المحتلة منذ عقود).
ومع القضاء على قيادة حزب الله، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع الشركاء العرب وفرنسا لتشكيل حكومة لبنانية جديدة تبدأ في تأكيد سيادتها على كامل البلاد وفرض اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل المتفق عليه في نوفمبر 2024. وعلى نحو مماثل، فإن واشنطن وحدها لديها النفوذ لحمل الإسرائيليين على الوفاء بنصيبهم من هذه الصفقة والانسحاب في نهاية المطاف من الأراضي اللبنانية.
ومن شأن النجاح على هذه الجبهات أن يساهم في الاستقرار الإقليمي، وإن كان لن يحل القضايا الأساسية التي لا تزال قائمة في الصراع العربي – الإسرائيلي ــ الاعتراف العربي الأوسع بإسرائيل، والاعتراف الإسرائيلي بحق تقرير المصير الفلسطيني، والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :