مكنت هزيمة الرئيس السوري بشار الأسد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تحقيق نصر على ألد خصومه في الإقليم. لكن أردوغان لم يكن الرابح الوحيد، فقد زادت التغييرات في سوريا من حضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وصعوده إلى الواجهة كأحد أكبر الذين راكموا انتصاراتهم، ما يؤهله لأن يكون البديل المستقبلي.
وأصبح فيدان نجم الشاشات الإخبارية والمؤتمرات الصحفية التي تعنى بالشأن السوري، ولا يعود ذلك إلى الملف السوري فحسب وإنما بدأ من خلال لعب دور جلي في الملفين العراقي والليبي.
ويقول متابعون للشأن التركي إن فيدان، وهو نجم تركيا الصاعد، راكم خبرات مختلفة استخباراتية وعسكرية وسياسية تؤهله لأن يكون بديلا عندما يحين وقت رحيل أردوغان، مشيرين إلى أن وزير الخارجية التركي يمتلك شخصية براغماتية تساعده على أن يكون بديلا مستقبليا، فهو لا ينتمي إلى مدرسة السياسيين المتحزبين الإسلاميين الذين يبحثون بالدرجة الأولى عن زيادة عدد الأعداء بدل الاشتغال لكسب الأصدقاء في بلد مثل تركيا يحتاج اقتصاده إلى علاقات سياسية خارجية إيجابية تمهد الطريق أمامه بدل أن تعرقله كما حصل في سنوات ماضية.
ويمكن أن يستفيد فيدان من براغماتيته في تلافي أخطاء أردوغان وخاصة ميله إلى إطلاق تصريحات مناوئة للغرب ومبالغته في استعداء إسرائيل مع معرفته المسبقة بأنها لا تجلب إلى أنقرة أي مكسب، وأن الأمر قريب إلى المزاج الشخصي أكثر من قربه إلى مواقف ملزمة لتركيا ومفيدة لها.
ينتمي وزير الخارجية التركي إلى مدرسة أكثر تقليدية من النسق التركي، حيث يصعد التلاميذ ويصبحون أساسا لطبقة سياسية جديدة أو متجددة، وهو ليس من المدرسة العسكرية التقليدية التي وسمت صعود أتراك ما بعد الحرب العالمية الأولى بل من مدرسة المعارف والخبرة الاستخباراتية وشبكة العلاقات التركية المؤثرة في الإقليم والعالم.
وساعد انتماء فيدان إلى الطبقة السياسية الصاعدة، التي لا تتأثر بالمدرسة العسكرية التقليدية ولا بالسياسيين المتحزبين الإسلاميين، على أن يكون مهتما بالمستقبل أكثر من اهتمامه بالماضي. وتواتر حديثه عن المستقبل وعن تدعيم دور تركيا في الإقليم، ما يظهر رغبته في أن يكون لاعبا محوريا في هذا المستقبل.
وقال في سبتمبر الماضي “إن السنوات الخمس المقبلة ستكون فرصة تاريخية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية التركية.” وأضاف “سنعمل دون كلل على تعزيز مكانة تركيا كلاعب مستقل تمامًا ومؤثر يحدد الأجندة الدولية ويضع عند الضرورة قواعد اللعبة أو يغيرها.”
ومنذ أن حظي فيدان بتولي رئاسة الاستخبارات التركية في عام 2010، عمل على إعادة توجيه نشاطها بما يتلاءم مع مشاريع أردوغان الإقليمية، حيث استلم ملف التدخلات التركية في ليبيا والعراق وسوريا، وكان ممثلا شخصيا لأردوغان، وهو حافظ أسراره ومنفذ خططه، ويعتبر الرجل الثاني حاليا في تركيا، ويمكن القول إنه رجل المستقبل في مرحلة ما بعد أردوغان.
وفسح أردوغان لوزير الخارجية مجال إدارة الملف الكردي، سواء من جانب العراق أو من جهة سوريا، ويعود ذلك إلى مراكمته خبرة واسعة في المخابرات والجيش والآن العمل الدبلوماسي. لكن فيدان لا يزال مشدودا أكثر إلى وظيفته السابقة كرئيس لجهاز المخابرات التركي؛ فهو يميل إلى الدقة والوضوح والمصلحة التركية أكثر من الاهتمام بالزعامة الإقليمية التي سعى لها أردوغان وكانت سببا مباشرا في عزلة تركيا خلال سنوات ماضية.
ويسعى وزير الخارجية التركي إلى عدم إغضاب الأميركيين خلال التصريحات التي يهدد فيها بالتدخل ضد أكراد سوريا، وهو يعرف أن استعداء واشنطن ليس في صالح بلاده، كما أنه قد يفسد عليها نجاحها في سوريا. لكنه لم يفوت فرصة الهجوم على فرنسا والتقليل من دورها والقول إنها تختبئ وراء الولايات المتحدة ولا تستطيع أن تتحرك بمفردها.
وعقب سؤاله عن احتمال نشر قوات أميركية وفرنسية في شمال سوريا لتخفيف التوترات مع الأكراد، استبعد فيدان أي دور لباريس. وقال للصحافيين في إسطنبول “محاورنا الوحيد في هذه القضية هو أميركا،” مضيفا “بصراحة نحن لا نبدي اهتماما بالدول التي تحاول أن تخدم مصالحها الخاصة في سوريا من خلال التلطي وراء قوة أميركا.”
وتابع فيدان “لقد قلنا ذلك مرات عديدة: لا يمكننا أن نعيش في ظل مثل هذا التهديد؛ إما أن يتخذ طرف آخر هذه الخطوة أو سنتخذها نحن.” وشدد على أن تركيا تمتلك “القوة والقدرة وقبل كل شيء العزم على القضاء على كل التهديدات الوجودية من المصدر،” مكررا تحذيرات أطلقها أردوغان في وقت سابق من الأسبوع الجاري.
وأضاف أن من الخطأ تصنيف معركة بلاده ضد المسلحين الأكراد على أنها معركة ضد الأكراد، مشيرا إلى أن أنقرة تقيّم في الوقت الراهن وجودها في سوريا في ضوء الوضع الجديد هناك. وقال إن روسيا اتخذت قرارا عقلانيا جدا عندما أوقفت دعم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بينما كان بوسعها أن تدعمه عسكريا في وقف تقدم مقاتلي المعارضة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :