التغيير في سوريا… تغيير التوازن الإقليمي

التغيير في سوريا… تغيير التوازن الإقليمي

 

Telegram

 

من يتمعن في نقاط التفاهم بين الأسد وكيسينجر يكتشف أسباب تعلق إسرائيل بالنظام العربي السوري الذي قبل الذهاب بعيدا في تحمل المسؤولية عن أي عمل عدائي يستهدف إسرائيل انطلاقا من الجولان.

أي دور سيلعبه التغيير السوري في سياق تغيير المنطقة؟ يطرح هذا السؤال نفسه بعدما أدّى انهيار النظام العلوي في سوريا إلى ولادة توازن إقليمي جديد. خرج هذا البلد العربي المهمّ من “محور الممانعة” الذي كانت تسيطر عليه إيران وتوجهه في خدمة مشروع توسعي لا أفق سياسيا له. بل كان له أفق واحد يتمثل في تفتيت المنطقة العربيّة واختراقها لا أكثر. مثل هذا التفتت كان يخدم “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران التي تريد، ولا تزال تريد، إثبات أنّها الطرف المهيمن على الشرق الأوسط والخليج وأنّ ليس أمام الولايات المتحدة سوى عقد صفقة معها.

يتأكّد وجود توازن إقليمي جديد كلّيا بعد شهر على فرار بشّار الأسد إلى موسكو. كان الفرار نهاية تليق بالرئيس السوري السابق وبالنظام الأقلوي الذي عمّر 54 عاما وحرم المواطن السوري من أي نوع من الشعور بالكرامة.

توجد حاليا نقاط عدة تحتاج إلى التوقف عندها. أولى تلك النقاط أنّ ليس في استطاعة أي نظام جديد في سوريا أن يكون أسوأ من نظام الأسدين (الأب والابن) الذي لم يؤمن سوى بالقمع وإلغاء الآخر. يظلّ الدليل الملموس الأهمّ على ذلك سجن صيدنايا ومراكز الاعتقال في مختلف الفروع التابعة للأجهزة الأمنيّة، خصوصا ما يسمّى “فرع فلسطين”.

ثمة نقطة مهمّة أخرى يفترض التوقف عندها أيضا. تتمثّل هذه النقطة في الولاء الأسدي للنظام الإيراني. كان الولاء كبيرا في عهد حافظ الأسد الذي انضمّ إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في الحرب مع العراق بين عامي 1980 و1988. صار ولاء النظام السوري لما يقرره الوليّ الفقيه في طهران ولاء أعمى في عهد بشّار الأسد الذي وضع نفسه في تصرّف حسن نصرالله الأمين العام الراحل لـ“حزب الله”. يشير إلى هذا الولاء الأعمى الغطاء الذي وفّره الرئيس السوري السابق لعملية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط – فبراير 2005. مثل هذه التغطية لجريمة، ذات طابع إقليمي، نفذتها عناصر من “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، لم تكن صدفة. تندرج الجريمة التي حملت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من “حزب الله” مسؤوليتها في سياق تحالف في العمق بين نظامين اعتقدا، من منطلق مذهبي، أنّ في استطاعتهما ممارسة سياسة الابتزاز إلى ما لا نهاية، عربيا وإقليميا ودوليا…

ثمة نقطة ثالثة لا يمكن تجاهلها في ضوء سقوط نظام الأسدين. تتعلّق تلك النقطة بقيام توازن إقليمي جديد فرضه خروج سوريا من قبضة إيران. عادت الأكثرية السنّية إلى حكم سوريا بعد غياب استمر منذ 23 شباط – فبراير 1966. يومذاك، نفذ الضباط العلويون الثلاثة الكبار (محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد) انقلابهم الذي مهد ليتحوّل حزب البعث إلى مجرّد غطاء لنظام علوي ما لبث أن تحوّل تدريجا إلى نظام عائلي مع احتكار حافظ الأسد للسلطة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970. استطاع حافظ الأسد، الذي كان يكن كرها وحقدا للمدن السنّية الكبرى وللرموز السنيّة فيها، أن يكون أول رئيس علوي للجمهورية العربيّة السورية. كان في حاجة دائمة إلى إثبات شرعيته. لم تكن لديه سوى لغة القتل لتحقيق ذلك. الدليل على ذلك ما ارتكبه مع ضباطه من مجازر في حماة في شباط – فبراير من العام 1982.

 لم يرض حافظ الأسد سوى بتوريث الرئاسة لابنه بشّار، علما أن محيطين به، بمن في ذلك نائب رئيس الجمهوريّة عبدالحليم خدّام، كانوا يعرفون أن الرجل لم يكن شخصا طبيعيا بل كان يعاني من أمراض نفسية. تحدّث خدام، بالصوت والصورة قبل وفاته، عن مرض بشّار في لقاء تلفزيوني مع إحدى الزميلات (زينة يازجي) طلبت رأيه في عدد من الشخصيات السورية التي عرفها عن كثب.

يمكن إيراد نقاط أخرى تستأهل التوقف عندها في ضوء الحدث السوري الذي كانت وراءه إسرائيل التي قررت أخيرا التخلي عن النظام السوري الذي أمّن لها هدوءا على جبهة الجولان منذ “التفاهمات” التي توصل إليها حافظ الأسد مع هنري كيسينجر في العام 1974. من يتمعن في نقاط التفاهم بين الأسد وكيسينجر يكتشف أسباب تعلّق إسرائيل بالنظام العربي السوري الذي قبل الذهاب بعيدا في تحمّل المسؤولية عن أي عمل عدائي يستهدف إسرائيل انطلاقا من الجولان.

مع قيام توازن جديد في المنطقة، سيبرز سؤال في غاية الأهمّية. هل يستطيع أحمد الشرع، الذي يقف على رأس القيادة في دمشق، العمل من أجل أن تكون سوريا صاحبة دور مختلف في المنطقة؟ تصدر عن المسؤولين السوريين الجدد حاليا رسائل طمأنة موجهة إلى الدول العربيّة. فحوى الرسائل أنّ المطلوب أن تكون سوريا دولة ذات عمق عربي وليس دولة، تدّعي العروبة وتتاجر بفلسطين… وذات عمق إيراني.

سيعتمد الكثير على ما إذا كان أحمد الشرع سيكون قادرا على تنفيذ ما يعد به للمسؤولين العرب والأوروبيين والأميركيين الذين يلتقيهم. إلى الآن، تبدو الأمور مشجعة على الرغم من الإشاعات التي تحدثت عن تغيير في مناهج التعليم والتي ثبت أنّها غير صحيحة. لكنّ تولي متطرفين حقيقيين مواقع مهمّة، خصوصا في المجالين العسكري والأمني يبقى تطورا مقلقا…

الأكيد أنّ أحمد الشرع يحاول التأقلم مع التغيير الكبير الذي حصل في سوريا وأن يكون في الوقت ذاته في مستوى هذا التغيير. على الرغم من ذلك، يظلّ الحذر واجبا. سيعتمد الكثير على الدستور الجديد لسوريا وعلى مؤتمر الحوار الوطني ومن سيشارك فيه.

لا شكّ أن تأجيل مؤتمر الحوار الوطني كان مفيدا. إنه يعني أن السلطة الجديدة في سوريا باتت مقتنعة بضرورة مشاركة كلّ مكونات المجتمع السوري في هذا المؤتمر. هل يفي أحمد الشرع بوعوده مؤكّدا، بالأفعال، أنّه وطني سوري قبل أي شيء آخر؟

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram