أولويات ما قبل مؤتمر الحوار الوطني السوري

أولويات ما قبل مؤتمر الحوار الوطني السوري

 

Telegram

 

بعد انتصار الثورات، تمثّل المرحلة الانتقالية تحدّياً كبيراً أمام الدول الساعية إلى بناء نظام سياسي جديد يعكس تطلّعات شعوبها. في هذا السياق، يظهر المؤتمر الوطني التأسيسي خطوةً محوريةً لإعادة بناء الدولة على أسس ترتكز على العدالة والمساواة. ولضمان نجاح هذه المبادرة، يعتمد المؤتمر على مقوّمات أساسية، منها التمثيل الشامل والشفافية والالتزام بإطار قانوني واضح.

يتحقّق نجاح المؤتمر عندما يكون تمثيلياً لجميع مكوّنات المجتمع، بما في ذلك القوى السياسية والنشطاء الاجتماعيين ومؤسّسات المجتمع المدني والفئات المهمّشة. يعزّز هذا التمثيل شرعية المؤتمر ويسهم في اتخاذ قرارات تعكس مصالح مختلف الأطياف. كما تُعدّ الشفافية، والمشاركة الشعبية، عنصرين أساسين في أيّ عملية انتقالية ناجحة، إذ تتطلّب التحضيرات فتح قنوات للحوار بين المواطنين لاختيار برامج ممثّليهم، إلى جانب توفير آليات تمكّن المواطنين من المساهمة في النقاشات وصياغة القرارات من خلال وسائل مثل الانتخابات والاستفتاءات أو ورش العمل.

يلزم إطار قانوني ودستوري ينظّم عمل المؤتمر ويسهم في تحديد أهدافه ومساراته. يمكن إعداد إعلان دستوري مؤقّت يتضمّن مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون والفصل بين السلطات، ممّا يضمن وضوح القواعد التي تُبنى عليها العملية الانتقالية، وتمارس الحكومة التنفيذية خلال هذه الفترة عملها بناءً على مُحدّدات هذا الإعلان، وهو ما يعطي قراراتها شرعيةً، ويمنحها حرّيةً كاملةً في إعادة بناء المؤسّسات الحكومية، التي صارت أثراً بعد عين، أي إنّها مُجرَّد ذكرى أو اسم من غير مسمّى.

وفي سياق التحدّيات، تنبغي مطالبة كلّ الجهات المعنية بهذا المؤتمر أن تمارس السلطة دوراً حيادياً تجاه المشاركين، فـ"الحيادية" هي العامل المحوري لضمان مصداقية المؤتمر وقراراته، ما يعني ضرورة ابتعاد أيّ فصيل عسكري أو سياسي أو جماعة من أدوار اللجنة التحضيرية، واختيارات المشاركين، ما يعزّز الثقة في مخرجات المؤتمر، ويضمن أن تكون قراراته موجّهةً إلى خدمة المصلحة الوطنية الشاملة، بعيداً عن المصالح الفئوية أو الحزبية. ولا بدّ من التوضيح أن الاستسهال المطروح حالياً بتصدّر بعض الشخصيات أدواراً حيويةً في اختيار أعضاء المؤتمر يقلّل من جدّية تعاطي السلطة مع هذا الاستحقاق، إذ تعدّ مرحلة ما قبل المؤتمر هي المؤشّر إلى نجاح ما بعدها، المرحلة التي تجري خلالها حوارات وطنية على مستوى التجمعات الشعبية، أو الكتل السياسية، لطرح أوراق عمل بنّاءة لرؤية الأطراف السورية كلّها لما يمكن أن تكون عليه العناوين الرئيسة للمرحلة المقبلة، أيْ تحدّد اللجنةُ التحضيريةُ، بعد قراءتها تلك المشاريع، المشتركاتِ بين مختلف أطياف المجتمع السوري، كما تضع في اعتباراتها المواضيع المُختلَف عليها لمناقشتها وجسر الخلافات حولها، أي إن اللجنة التحضيرية للمؤتمر ليست مناصب فخرية، بل هي كفاءات أكاديمية وبحثية وشخصيات مجتمعية موثوقة، وحيادية تجاه جميع المشاريع ومنابعها، وهو ما يتطلّب منحها الوقت الكافي واللازم للخروج بنتائج إيجابية وجامعة ورافعة لقيم السوريين وأهدافهم.
مهمّة المؤتمر الكشف عن رؤية واضحة لمستقبل الدولة تجمع عليها القوى المشاركة بعد أن تكون قد استنفدت كامل وسائلها في التواصل مع مجتمعاتها، فلا تعبّر هذه الرؤى عن آراء شخصية، بل عن إجماعات وطنية لعمل المؤتمر، مع التركيز في إعادة بناء المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالنقاشات لا تقتصر على القضايا السياسية وحدها، مع أنها مؤشّر لما يليها، لكن ما يواجه سورية من تحدّيات اقتصادية بالدرجة الأولى، يجعل من الاقتصاد بوصلة السياسة القادمة، إذ لكلّ اقتصاد مكوّناته السياسية الفاعلة فيه ومنه، والتي تؤثّر في حياة المواطنين بتفاصيلها كلّها. لهذا كلّه، تبدأ أولى علامات قدرة المؤتمر على النهوض باستحقاقات التأسيس لمرحلة انتقالية حقيقية لقيامة الجمهورية الثالثة، من عملية اختيار ممثّلي القوى السياسية والمجتمعية جميعها من دون استثناء، سواء كان مزاجياً أم انتقامياً، أم إقصائياً، ما يعني الذهاب إلى اعتماد آليات ديمقراطية وشفافة، مثل الانتخابات أو الترشيحات، لتعزيز مصداقية المشاركين وتأكيد ارتباطهم المباشر بإرادة الشعب.

 يُعدّ المؤتمر الوطني التأسيسي فرصةً تاريخيةً لإعادة صياغة أسس الدولة على نحو يعزّز العدالة والاستقرار، ونجاح هذه الخطوة يعتمد على التمثيل الشامل والشفافية والحياد والرؤية المستقبلية الطموحة، التي تتجاوز التحدّيات الآنية نحو بناء مستقبل مُستدام. هذه الأولويات لا يمكن "طبخها" على مواقد مطفأة، بفعل غياب أولويات البنية التحتية، كما لا يمكن الجزم بتمثيلها الشعبي الحقيقي، وهي تدار بين أروقة الفنادق، وفي غياب تصريح واضح لأسماء أعضاء اللجنة التحضيرية، وآليات عملها، وطرق تواصلها مع مختلف أطياف المجتمع السوري، وحياديتهم تجاه إفساح المجال للجميع لطرح مطالبهم من دون تخويف أو مصادرة مسبقة لآرائهم حول القضايا كلّها، من شكل الدولة إلى تفاصيلها الداخلية.

والخلاصة التي يجب أن تبقى في أذهاننا، أن مركز اهتمام أي مؤتمر ينصبّ على صوغ المشتركات العامّة، التي تجعل من المواطنين شعباً أو مجتمعاً، وهي التي تحدّد القيم العُليا التي ينبني عليها الدستور، وتصاغ على أساسها القوانين، وهي صون الحقّ في الحياة والحرّية والكرامة الإنسانية والمساواة، من دون أي تمييز لأيّ سبب. فمركز قيامة المجتمع هي حقوق المواطنة المتساوية، التي لا يحقّ لأيّ أكثرية أن تخلّ بها أو تنزاح عنها، لأن ذلك يقوّض الإجماع الوطني الذي يعيد سورية إلى الحياة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram